وسام عفيفه
منذ أن دخلت خارطة الطريق إلى القاموس السياسي, تهنا وتاه العرب في دهاليز وأزقة الاتفاقيات والمبادرات, بل أصبحنا راسبين في الجغرافيا لان الخرائط الأمريكية و"الإسرائيلية" تختلف عن تلك التي رسمناها عن فلسطين والوطن العربي .
الأمريكان رسموا خارطة طريق لفلسطين, وأخرى لأفغانستان, وثالثة للعراق ,ثم للسودان وفي النهاية كل الطرق تؤدي إلى واشنطن وتل أبيب.
المفاوضون القدامى - "أكبرهم رأسا صائب عريقات"- لم يقدموا للفلسطيني والعربي حلولاً او انجازات ,فقط جعلونا نصبح ونمسي على وعود , وأسماء أمريكية, من جورج تينت, مرورا بالسمراء كوندليزا رايس, والشقراء هيلاري كيلنتون, وليس أخيرا جورج ميتشل, حتى بتنا نحفظ أسماءهم أكثر من أسماء مدن فلسطين التاريخية.
المفاوضات غير المباشرة هي خارطة طريق جديدة بموجبها سوف يتم حبس طاقمي المفاوضات الإسرائيلي والفلسطيني في قاعدة جوية أمريكية بعيدا عن الإعلام –على طريقة "موالفة" الحمام، حتى يظهر الدخان الأبيض.
علم الخرائط وصل إلى الحوار الداخلي حيث عرض نائب فتحاوي في غزة مقترح خارطة طريق للمصالحة, تمر عبر القاهرة بالتوقيع, وصولا الى جامعة الدول العربية لمناقشة التوقيع.
بمجرد أن سمعت المقترح قلت: تاهت المصالحة في شوارع مصر وليبيا ودمشق ورام الله وتل أبيب.
بالمناسبة طرق الوطن مدمرة بفعل العدوان والحصار ,فعلى سبيل المثال تحتاج إلى خارطة طريق كي تسير في شوارع خان يونس متجاوزا المطبات والحفر.
أبو مازن ذاهب للمفاوضات– لا للمصالحة- بتشكيلة جديدة من اللاعبين, لكنه يحتفظ بالكابتن "كبير المفاوضين " على اعتبار أن الوجوه السابقة منحوسة, وتغيير الوجوه يبعث على التفاؤل.
المفاوضون ذاهبون بدون سقف -ولا حتى عتبة- معتمدين على دعوات وزراء الخارجية العرب ,وكلمة شرف من الأمريكي ,وربما قارئة كف من المشعوذات تقول لهم: أمامكم طريق طويلة, آخرها امرأة شقراء , وهي بالتأكيد لن تكون سوى هيلاري كلنتون, او تسيفي ليفني.
في أمثالنا قالوا :" إلي بدو يعمل جمال بدو يعلي باب بيته" , لكن باب أبو مازن لا يتعدى بيت اللجنة التنفيذية , وهي لا تضم جمالاً ولا حتى "جحوش "
مقاييس المساحة و الجغرافيا لدى أبو مازن وعرب الاعتدال لازالت تقليدية قديمة, وعلى ضوئها يحددون الأكبر والأصغر والأقوى والأضعف.
مقاييس الجغرافيا, والمساحة ,والأحجام, والقوة, تختلف اليوم بمنطق الفعل والفاعلية وليس "بكبر الرأس".
فمثلا : قناة الجزيرة اكبر من قطر – وقطر اكبر من مصر – ونصر الله اكبر من إسرائيل- وغزة اكبر من فلسطين - وسلام فياض اكبر من فتح – وحماس اكبر من الإخوان- واليورانيوم الإيراني أقوى من القنبلة الذرية الباكستانية – وصاروخ القسام أخطر من صاروخ "حيتس" - والجدار الفولاذي أكثر ضررا من جدار الفصل العنصري- ومياه غزة أملح من مياه البحر الميت- وأطفال غزة أشجع من مغاوير الجيوش العربية.
وفي النهاية، مشهد إنساني يحصد ما يفوق جوائز مهرجان "أوسكار": عجوز فلسطينية تقف على أنقاض منزلها، ترفع يدها إلى السماء وتدعو بصوت عال: "الله اكبر من الجميع".