عندما غنينا "إني اخترتك يا وطني: كانت الكلمات تخرج جميلة, والألحان سهلة, لكننا ومنذ 60 عاما نكتشف ان هذا الاختيار باهظ الثمن, وما زلنا ندفع ضريبته للأشقاء قبل الأعداء, بعدما قرروا في محافل القرار العربي الرسمي و(الإسرائيلي), أن تكون فلسطينيا يعني انت: "إرهابي", متمرد, مخرب, حمساوي, غزاوي, مهرب, انقلابي, متآمر, ولاتزال وزارات داخلية عربية والمخابرات (الإسرائيلية) تبحث عن أوصاف ومسميات جديدة, مع توزيع صورة لفلسطيني يرتدي كوفية سمراء, ملتحيا, يرفع يده بشارة تتشكل من إصبعين, او اصبع واحد, أو أربعة أصابع.
ورغم ذلك واصلنا نردد بإصرار:
إني اخترتك يا وطني
حُبّا وطواعية
إني اخترتك يا وطني
سِراً وعلانية.
وأمام هذا الاصرار تخدرت مؤخراتنا من الركل على المعابر وفي المطارات العربية, وتصلبت شرايين أقدامنا من "الشبْح" على الحواجز والممرات (الإسرائيلية), وعندما احتمينا بجنسيات وجوازات سفر أخرى, ظلت الشتائم والصفعات تطاردنا, ليس آخرها رصاصة في صدر القاضي الأردني الجنسية فلسطيني الاصل رائد زعيتر على معبر "اللمبي -الملك حسين- الكرامة".
وبعد كل ذلك نعاند ونناطح ونكابر ونغني:
إني اخترتك يا وطني
فليتنكّر لي زمني
ما دُمْتَ ستذكُرني
يا وطني الرائع يا وطني
يصرخ أحدهم: أي وطن رائع هذا أيها الغبي, الذي لم يبق منه سوى الجدران الفاصلة, والأسلاك الشائكة, والمعابر المغلقة, والشعارات المهترئة , والكنتونات الموزعة بين (ا ب ج) , والحكومات المقسمة, والرواتب المقطوعة, ثم منحوك في هذا الزمان المتنكر: التهم الجاهزة, والمطاردة الساخنة, والقتل الاستباقي, والحصار, والحظر, ألم تفهم الرسالة بعد؟
لكن العجيب والغريب, ورغم كل ذلك لدينا آمال أوسع من الوطن العربي, نحمل في قلوبنا حياة متجددة, لأننا كل يوم ننتظر الغد, وهذا سر لم يكتشفه الا من زار غزة وتفاعل مع أهل الضفة الذين يغنون:
دائمُ الخضرة يا قلبي
وإن بان بعَيْنَيَّ الأسى
دائمُ الثورةِ يا قلبي
وإن صارت صباحاتي مَسا
لهذا هم دائما خائفون, يرصدونا عبر الحدود والبوابات المغلقة, ينظرون إلينا من فوهات الدبابات, يراقبونا من فوق أبراج المراقبة, يهددونا, يتوعدونا, من خلال الفضائيات, فتخرج كلماتهم مرتجفة, وأياديهم مرتعشة, وتهمهم مرتبكة, يخشون منا الغضب, لأننا نذكرهم دائما:
جئتُ في زمن الجزْرِ
جئْتُ في عِزِّ التعَبِ
رشاش عُنفٍ وغضب .. وغضب .. وغضب.. وغضب...