في كل فترة يتجدّد الحديث عن "أزمة الكهرباء في غزة"، تلك المشكلة العميقة والمتجذرة منذ سنوات طويلة والتي تطال كافة مناحي الحياة بالضرر والمعاناة.
وفي الآونة الأخيرة تبرز جزئية "الضريبة" المفروضة على وقود محطة التوليد، هذه الجزئية التي زادت من حدّة أزمة الكهرباء التي ما إن يتم تجاوز أحد مسّبباتها حتى يتم إثارة مسبّبات أخرى تُبقي على الأزمة بل وتزيدها عمقاً.
ومن الضروري أن نقف عند الحيثيات التالية في فهم هذا الملف وأبعاده.
• بدايةً فإنه حسب اتفاقية تشغيل المحطة فإن توفير الوقود هو مسؤولية الحكومة ممثلةً بسلطة الطاقة وليس من مسؤولية المحطة.
• تاريخياً فإنه منذ إنشاء المحطة عام 2003 فإن مسألة الضريبة لم تشكل معضلةً للحكومات المتعاقبة نظراً لاعتماد الحكومة على منحة الوقود الأوروبي لتشغيل المحطة التي كانت تغطّي ثمن الوقود مع الضريبة المفروضة عليه، واستمرّ ذلك حتى العام 2009 عندما أُوقفت هذه المنحة عن الوصول لغزة بطلب من رئيس الوزراء في حينه/ سلام فياض، ولازالت المنحة تصل مالياً لخزينة حكومة رام الله حتى الآن دون أن تستفيد منها المحطة !!
• وحتى بعد عام 2009 لم يكن هناك تأثير لموضوع الضريبة بسبب اعتماد سلطة الطاقة في غزة على وقود الأنفاق لتشغيل المحطة، ولأن توفير الوقود هو مسؤولية الحكومة (ممثلةً في سلطة الطاقة) فإنه لم تكن تُفرض ضرائب على هذا الوقود من الأنفاق، إذْ كيف تفرض الحكومة ضرائب على نفسها ؟!! واستمر ذلك إلى حين هدْم الأنفاق نهاية 2013.
• في أواخر عام 2013 لم يبقى أمام سلطة الطاقة إلا شراء الوقود الإسرائيلي عن طريق حكومة رام الله لتشغيل المحطة، وهنا كان الإجراء المستغرب بفرض حكومة رام الله لهذه الضريبة الباهظة وغير المبرّرة والتي تصل لـ 118% على سعر الوقود الأصلي !! ورغم قيامهم بتقليص هذه الضريبة لتصل لـ 68% إلا أنها تبقى باهظة وتكلّف سلطة الطاقة في غزة مبلغ 28 مليون شيكل شهرياً .
ولو فرضنا عدم وجود الانقسام وتوحّد الحكومة في شطري الوطن .. فإنه وبشكل بديهي كان سيتم إلغاء هذه الضريبة تلقائياً لأنه لا يمكن أن تأخذ حكومة ضريبة على نفسها باعتبارها المكلفة بتوفير الوقود، وبالتالي فإن حكومة رام الله -وبكل وضوح- تستغلّ الانقسام الفلسطيني لتحقيق عوائد مالية وتغطية عجز مالي لخزينتها من خصمها السياسي على حساب الشعب الفلسطيني نفسه المتضرر الأول والمباشر من فرض هذه الضريبة، وكأنها تتعامل مع غزة كدولة أخرى لتفرض عليها الضريبة !!! بل وتستغل الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة (الكهرباء) لتحقيق هذه العوائد المالية حتى وإن أدى ذلك لتوقف محطة التوليد وغرق غزة في الظلام كما حصل لأكثر من 40 يوماً في نوفمبر الماضي.
حتى أن سلطة الطاقة في رام الله ورئيسها د. عمر كتانة تبنّى نفس موقفنا في غزة وطالب حكومته بإلغاء هذه الضريبة باعتباره يُدير ملف الكهرباء في شقي الوطن وبسبب المسؤولية الوطنية والإنسانية تجاه غزة، ولكن دون جدوى أو أي تجاوب من حكومة رام الله.
في ظل هذا الواقع المعقّد وأمام تعنّت حكومة رام الله .. تحركت دولة قطر مشكورةً لكي تعطي حكومة رام الله ما تريد في مقابل أن تتكرم على شعبها بتوريد هذا الوقود وتشغيل المحطة، في حادثة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الشعوب والأمم، أن تتحرك دولة خارجية لكي تغطي الضريبة على شعب من قبل حكومته (حيث تَعتبر حكومة رام الله نفسها الحكومة الشرعية للشعب الفلسطيني والمسئولة عن غزة والضفة معاً !! ).
ومن هنا كانت المنحة المالية القطرية لتغطية "الضريبة" فقط وليس كامل ثمن الوقود الذي نقوم بشراءه بسعره الأصلي، هذا مع وجود المنحة الأوروبية أيضاً والتي نُحرم منها في غزة وتستفيد منها حكومة رام الله مالياً.
الجدير ذكره .. أن محطة التوليد هي أحد مصادر الكهرباء الثلاثة في غزة، وهب لا تتجاوز 20% من احتياجاتنا، وهي المصدر الوحيد الذي يمكن إدارته محلياً وذاتياً من قبل الفلسطينيين. فإذا كان المصدر "الفلسطيني" الوحيد للكهرباء يتم التعامل معه بهذه الطريقة البعيدة عن أي معنى وطني أو إنساني (من قبل حكومة رام الله) فكيف لنا أن نلوم التعطيلات الإسرائيلية والعقبات المصرية والحصار الدولي في طريق أي تطوير أو حل لأزمة الكهرباء في غزة ؟!!!