غزة _ أمل حبيب "الرسالة نت"
منهم من قال بأنه الموت السريع .. ومنهم من ابتعد عن ذكر اسمه واكتفى بكلمة "المرض العاطل", فعند سماع حكاية لأحد المصابين فيه يتجنبون الخوض في تفاصيله أو طرق الوقاية منه وتقشعر الأبدان ويمنع الحديث فيه, وكأنه وحش انقض على فريسته.
هذه الثقافة سادت في مجتمعاتنا عن مرض السرطان, وتزداد معاناة مرضاه في قطاع غزة بسبب الحصار وإغلاق المعابر, والذي يؤدي إلى نقص الإمكانات والأدوية والأجهزة الطبية الخاصة بعلاجهم , فأنينهم يخترق الحواجز والمعابر بحثا عن مداو للأوجاع .
من لأوجاعهم؟
الطفل علاء شاهين 6 سنوات الذي يعاني من سرطان الغدة فوق الكلوية ( نيروبلاستوما ) يرقد على إحدى أسرة قسم الأورام في مستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي التخصصي في غزة , وقد تساقط شعره واصفر جسده , وتقول والدته وهي تنظر إليه بألم بعد أن أعطيت له جرعة العلاج الكيماوي :" في شهر رمضان الماضي بدأ علاء يشكو من آلام في معدته وانتفخ بطنه وفقد شهيته عن الطعام , فطلب الطبيب إجراء فحوصات وصورة مقطعية وأعد نموذج أول للحالة في مستشفى النصر للأطفال " .
ثم توجهت والدة علاء مع طفلها للعلاج في إحدى المستشفيات داخل الأراضي المحتلة لعدم توفر الأجهزة الطبية اللازمة بالقطاع وتم عمل نموذج ثاني للحالة ومن ثم إعطاؤه العلاج الكيماوي.
واليوم تجلس الأم بجوار طفلها وهو نائم وتتذكر بعض كلماته البريئة فتبسمت قائلة :" عندما تأزمت حالة علاء قال لي : أنا ياماما مرضت من الروضة عشان المشوار بعيد , ما بدي أروح عليها عشان أطيب ".
أما الطفل محمد أبو كميل 9سنوات الذي توالت عليه المآسي والآلام , فقبل عامين أصيب بسرطان الدماغ وأجريت له عملية جراحية معقدة , وتمت بنجاح وبعد انتهاء فترة العلاج الكيماوي الإشعاعي وتحسنت حالته , عاد لممارسة حياته الطبيعية وانتظم على مقاعد الدراسة بالصف الثاني وكان من أوائل المتفوقين , ولكن عاد محمد ليعاني من جديد , حيث أجريت الفحوصات اللازمة فواقع الصدمة كان شديدا على ذويه, فلقد تبين بأنه مصاب بسرطان الدم واعتقد الطبيب بان العامل الوراثي وإعطاء العلاج الكيماوي أدى إلى حدوث مضاعفات نتجت عنها السرطان.
والدة محمد تتلو آيات من القران الكريم وبعض الأدعية لتخفف عن ابنها آلامه , ولكنه يصر بان لا شيء يؤلمه ويبتسم ويقول :" لما أطيب بدي اذبح خروف ".
الحاجة أم علاء والتي تعتبر من الحالات المميزة في الكشف المبكر عن ورم سرطاني في الثدي تقول للرسالة :" شعرت بوجود كتلة صغيرة في صدري بعد ملامستي لها وفي الصباح توجهت على المستشفى فتعجب الطبيب من إحساسي" , وتضيف :" بعد اخذ العينة وإجراء الفحوصات الطبية تبين بأنه ورم خبيث ولكنه في مراحله المبكرة ". ولقد شخص الطبيب الأخصائي بان الورم لم يتخط المرحلة الأولى وأجرى عملية استئصال جزئي للثدي , واليوم حالة أم علاء مستقرة وتتناول جرعات بسيطة من الكيماوي للوقاية كل ثلاثة أسابيع .
أما الطفلة رهف صيام ابنة العام والنصف والمنزعجة من جهاز الأكسجين الموصول لها طوال اليوم لم تشخص حالتها بعد , ولكنها تقبع في قسم الأورام في مستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي , وتعاني منذ ولادتها من نقص المناعة وتضخم في الكليتين والكبد , ومن ثم انكماش في الرئتين ,وأوضحت أم رهف بان ابنتها بحاجة لزرع نخاع ولكن حالتها الصحية لا تسمح بذلك .
ما هو السرطان
للتعرف على ماهية هذا المرض التقت "الرسالة نت" الدكتور وليد أبو رمضان رئيس قسم الكشف المبكر وجراحة الأورام النسائية بمستشفى القدس بمدينة غزة , والذي بدوره وصفه قائلا :" هو تكاثر للخلايا بطريقة غير متشابهة إلى الخلية الأم (الأصلية) بسرعة فائقة مع نمو غير طبيعي للأوعية الدموية مما يؤدي إلى تكوين أورام ".
وأضاف :" من أهم مسببات السرطان هي الوراثة والإشعاع والكيماويات وغيرها من الالتهابات المزمنة والفيروسات ".
وتنقسم الأورام السرطانية إلى نوعين حميدة وأخرى خبيثة , الأورام الحميدة يمكن إزالتها، وفي أكثر الحالات لا تعود للظهور، و لا تنتشر إلى أماكن أخرى من الجسم، ولذا فهي لا تهدد حياة الإنسان. فمثلا ورم الثدي الحميد من أعراضه ازدياد في حجم الثدي يصاحبه انتفاخ وآلام قبل بدء الدورة الشهرية ثم تخف هذه الأعراض بانتهاء الدورة.
أما الأورام الخبيثة فالخلايا تنقسم بسرعة ولا تموت حسب النظام العام للخلايا وتسمى بالسرطان لأن بإمكانها غزو وتخريب الخلايا المجاورة وباقي أعضاء الجسم، كذلك يمكن لهذه الأورام أن تتفكك وتدخل في مجرى الدم أو الجهاز الليمفاوي، وبهذه الطريقة ينتشر السرطان ليكون أوراما ثانوية في أجزاء من الجسم مثل العظام والكبد والرئة، إلا أن الأورام السرطانية الخبيثة تختلف عن بعضها اختلاف كبيرا ومن مريض إلى مريض. فمثلا يختلف سرطان الرئة عن سرطان المعدة أشد الاختلاف ، كما أن سرطان الثدي يختلف من امرأة إلى امرأة أخرى اختلافا كبيراً.
الأكثر شيوعاً
وأوضح أبو رمضان بأن أكثر أنواع المرض شيوعا بين الجنسين في قطاع غزة هو سرطان الثدي بنسبة (15.7%), مبينا إلى أن هذا النوع من أمراض السرطان يعتبر السبب الأول للوفاة بين الإناث بنسبة تصل إلى (23 %) , وأما سرطان الرحم والمبيض وعنق الرحم لهم نصيب كبير , وقد يصل مع سرطان الثدي إلى (30%) , وذلك حسب عملية الرصد التي شملت محافظات القطاع من بداية عام 1995 وحتى الآن .
وأكد بان مرض السرطان من الأمراض الممكن علاجها والشفاء منها , ولكن عند اكتشافه في مراحله الأولى , أو في المراحل التي تسبق حدوثه , منبها إلى أن الكشف المبكر عن السرطان يوفر على المريض رحلة المعاناة الشديدة لعلاجه في المراحل المتقدمة للمرض , ويوفر أيضا التكاليف الباهظة والسفر للخارج
الحصار وتبعاته
ونوه أبو رمضان إلى أن الحصار وإغلاق المعابر له دور كبير في نقص الأدوية , وقلة الأجهزة اللازمة لعلاج المرض , مشيرا إلى أن فقدان أي نوع من أدوية علاج مرض السرطان سيكون لها نتائج عكسية على صحة المريض وقد يؤدي إلى زيادة انتشار الخلايا السرطانية.
وذكر بأن العلاج ينقسم إلى عدة مراحل أهمها الكشف المبكر للسرطان , ومن ثم تشخيص حالة المريض , ويأتي بعد ذلك مرحلة الجراحة أو الاستئصال , ثم العلاج الكيماوي وتكون بجرعات وأوقات محددة , وبعدها تأتي عملية العلاج الإشعاعي والذي يتم بالخارج لعدم وجود الجهاز اللازم بالقطاع , وعند الانتهاء من مراحل العلاج السابقة يأتي دور متابعة ومراجعة الحالات المستعصية وغالبا في قسم الأورام بمستشفى الشفاء.
وطالب أبو رمضان بإنشاء نواة لمركز متخصص للتوعية الصحية والكشف المبكر للسرطان وتوفير قسم للعلاج الإشعاعي , وإعداد محاضرات طبية للأطباء ومرضى السرطان .
الطب البديل وطرق الوقاية
وطرقت الرسالة أبواب الطب البديل أو ما يسمى بطب الأعشاب للتعرف على أنواع الأغذية والأعشاب التي تساعد للوقاية من الإصابة بالسرطان , وأكد د. مازن الجردلي أستاذ التغذية العلاجية والطب البديل والأعشاب بان بعض الدراسات توضح بان الاستخدام السيئ للأغذية والمواد الحافظة يؤدي إلى حدوث السرطان , بالإضافة إلى الإفراط في تناول الدهون يزيد من إفراز أحماض العصارة الصفراوية والتي تعمل كمنشط للقولون .
وذكر الجردلي بان المجتمعات التي تعتمد على تناول الأسماك واللحوم المدخنة أكثر عرضة لسرطان المعدة وذلك لاحتوائها على مادة بولي سايكلك اروماتيك هيدروكربون المسرطنة.
وعن الأغذية والأعشاب التي تمنع حدوث السرطان قال :" الأطعمة الغنية بفيتامين أ , ه , ج , فتناول فيتامين "أ" بانتظام وكميات كبيرة يقلل من النمو السرطاني خاصة الجلد والثدي , من خلال تناول الجزر والبطاطا الحلوة ", وأضاف :" وتناول الأطعمة الغنية بالألياف يقلل من احتكاك أحماض الصفراء بالقولون , مثل تناول الجرجير والخس والزهرة والتفاح والعنب وغيرها ".
أما بالنسبة للأعشاب التي تقي من الإصابة بالسرطان أشار أستاذ التغذية بان تناول حبة البركة وإكليل الجبل وحب الرشاد والإكثار من تناول البصل والثوم وذلك لفترات طويلة يعطي نتائج جيدة .
نفسية المريض
من جهته أوضح د. فضل أبو هين أخصائي نفسي بأن فكرة مرض السرطان تجعل الإنسان في حالة من الاستنفار والخوف الشديد بسبب ما يقال عنه وقلة العلاجات وكثرة مضاعفاته ,مشيرا إلى أن ذلك يجعل المريض يعني من اضطرابات نفسية أهمها القلق الشديد والاكتئاب وترقب حدوث شيء مكروه في أي لحظة.
ولفت أبو هين إلى أن الوضع النفسي للمرض ينتج عنه قلة النوم ومشاكل في الأكل , إضافة إلى الانطواء وعدم القدرة على المجاملة الاجتماعية , قائلا :" الأسرة المحيطة بالمريض لها دور كبير في تخفيف معاناته من خلال مساندته , عندما تضعف المساندة الاجتماعية ويزيد التوتر يضعف جهاز المناعة ويعقد المرض فالحالة النفسية السيئة تضعف المناعة ".
ودعا الأخصائي النفسي مرضى السرطان إلى توطيد العلاقة بالله وتقوية الروح المعنوية , وألا يجعل المرض عائقا أمام طموحاته , ويعمل على تنشيط علاقاته الاجتماعية وان يترك لغة اليأس بعيدا .
نصائح إيمانية
بدوره بين الدكتور ماهر السوسي نائب عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بان الإنسان المؤمن يعتبر كل شيء يصيبه هو خير إذا كان سلبيا أو ايجابيا , لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عَجَبًا لأَمْرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ ليسَ ذلكَ لأَحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ " , مشيرا إلى انه إذا كان الوازع الديني لدى المصاب بالسرطان قوي فانه يكون أكثر تقبلا للمرض فالمؤمنون أشد ابتلاء .
ووجه السوسي نصائح لمرضى السرطان أهمها بان يستبشر المؤمن خيرا ويعلم بأنها الأقدار بيد الله وان يسال الله الشفاء , ومن تقرب لله شبرا فان الله يتقرب منه ذراعا , ومن كان الله منه قريبا فلن يضره الله شيئا .