لم تستطع الحاجة أم محمد النجار أن تتمالك نفسها وهي تنظر لأرضها التي صادرها الاحتلال منها قبل أعوام في قرية بورين جنوب مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، حتى سالت دموع الشوق لذرات التراب الغالية التي تشبهها بأبنائها.
تقول أم محمد لـ"الرسالة نت":"قبل ثلاثة أعوام صادرت سلطات الاحتلال أرضي الواقعة على أطراف القرية، والتي تتجاوز مساحتها خمس دونمات، وتم ضمها لمستوطنة "يتسهار"، ومنذ ذلك الوقت ونحن نمنع من دخولها، وفقدنا مصدر رزقنا من خيراتها".
وتضيف:"هذه الأرض من غلاوة أولادي، عندما صادروها مني، كأنما اختطفوا أحدا منهم وقتلوه".
حال أم محمد كحال العشرات من المزارعين في قرية بورين، والتي يصادر الاحتلال أكثر من 60% من أراضيها لصالح التوسع الاستيطاني.
وفي يوم الأرض، نظم عدد من المواطنين فعالية لزرع أشتال الزيتون في أراض صادرتها سلطات الاحتلال منذ ما يقرب الشهر، والواقعة بين قرى بورين ومادما وتل.
ورغم منع قوات الاحتلال للمزارعين من الاقتراب لتلك الأراضي، إلا أنهم تمكنوا من زراعة بعض الأشتال فيها، في إشارة لتمسكهم بأراضيهم وحقهم بها حتى لو أعلن الاحتلال عن مصادرتها.
الناشط عبد المهيمن عسعوس من قرية بورين، أشار إلى أن الخطر الذي يشكله الاستيطان على أراضي القرية يتمحور بعدة أشكال، أولها الخطر الذي يتعرض له الإنسان في بورين، حيث تشهد اعتداءات شبه يومية على المواطنين من المستوطنين بين لحظة وأخرى.
وأضاف في حديثه لـ"الرسالة نت": "أصبح المزارع لا يأمن على حياته إذا أراد التوجه لزراعة أرضه، فالمستوطنون عادة ما يتربصون لأهالي القرية وينقضون عليهم".
وتابع: "كما أن الشجر والأراضي الزراعية، تواجه أخطار الاستيطان في بورين بشكل متزايد، فمنذ عام 2000 وحتى الآن، تم قطع 17 ألف شجرة معظمها أشجار معمرة من أراضي القرية".
ولفت عسعوس إلى أن المساحة الإجمالية في القرية تواجه الانحسار والتقليص بسبب المصادرات المستمرة للأراضي، مضيفا: "مساحة الأراضي في بورين ما بين 33- 40 ألف دونم، لكن ما تبقى الآن من الأراضي التي يسمح البناء عليها أقل من 10 دونمات، مما يعني أن ثلثي الأراضي تمت مصادرتها لصالح المستوطنات".
مستوطنات تلمودية
وتحيط بقرية بورين ثلاثة مستوطنات هي "يتسهار"و"براخا" و"عروشا"، حيث يسكنها أشد المستوطنين تطرفا وعدوانية، كما تعد تلك المستوطنات مصدر التشريعات التلمودية المعادية والمحرضة ضد الفلسطينيين.
ويوضح الناشط: "هذه المستوطنات بها معاهد تلمودية، وحاخامات كانوا وما زالوا هم مصدر التشريعات التي تحرض على قتل أي فلسطيني يقترب من المستوطنات حتى لو كان طفلا، كما أنها منبع جماعات "دفع الثمن" التي أجازها الحاخام "اسحق شابيرو" الذي يستوطن في "يتسهار".
ويشير إلى أن حاخاما قال في أحد اللقاءات على إحدى المحطات العبرية "لقد صبرنا على بورين كثيرا، وخلال 15 عاما يجب أن نكون قد تخلصنا من جميع سكانها، ورحلناهم منها وسيطرنا على أراضيها".
وتحاول سلطات الاحتلال خلال الاقتحامات المتكررة للقرية، إيجاد المبررات والحجج للسيطرة على المزيد من أراضيها.
وفي هذا السياق يقول عسعوس: "في العام الماضي وخلال الاقتحامات للقرية، حاولت قوات الاحتلال إجراء عمليات تفتيش وفحص لإحدى المناطق الأثرية والبيوت القديمة وسط القرية، في محاولة لإيجاد المبررات التي تبيح لهم السيطرة على القرية بشكل كامل وضم تلك المناطق للتراث اليهودي المزعوم في المنطقة".
كما أرجع الناشط سبب الحقد الذي يكنه المستوطنون لقرية بورين، بأنها كانت مقبرة لستة مستوطنين قتلوا في أراضيها منذ انتفاضة الحجارة وحتى الآن، كان أحدهم مختار وأحد كبار المستوطنين في "يتسهار".
ولم تسلم ينابيع المياه والمياه الجوفية في بورين من اعتداءات المستوطنين، حيث تم الاستيلاء على ينبوعي مياه يقعان على أطراف القرية، كما أن المستوطنين تعمدوا في عام 2006 تلويث المياه الجوفية فيها بالمياه العادمة والمواد الكيماوية، مما أدى لتسمم 400 مواطن معظمهم من الأطفال وإصابتهم بوباء الكبد.
من ناحيته، فإن رئيس مجلس قروي بورين جمال الزبن قال لـ"الرسالة نت": إن أهالي القرية يتعرضون بشكل يومي لاعتداءات المستوطنين، بينما تواجه عشرات الدونمات الزراعية الأخرى خطر المصادرة لصالح الاستيطان".
وأشار الزبن إلى أن العديد من المزارعين كانوا قد توجهوا للمحاكم (الإسرائيلية) في محاولة لاسترداد أراضيهم، إلا أنهم لم يجنوا شيئا من تلك المحاولات.
أما مسئول ملف الاستيطان بالضفة المحتلة، غسان دغلس، فأشار إلى أنه تم البدء منذ 45 يوما بشق أراض زراعية في بورين بمسافة 24 كم، ليتمكن المزارعون من الوصول لأراضيهم.
ولفت دغلس في حديثه لـ"الرسالة نت" إلى أن شق الطرق الزراعية تعد إحدى الوسائل التي من شأنها عرقلة أعمال الاستيطان والسيطرة على أراضي المواطنين، حيث تؤكد للاحتلال تمسك المزارعين بأراضيهم، وعملهم اليومي فيها وزراعتها.