شبير: انعدام العلاقة بين الجيران نسبي وليس مطلقا
المبيض: بالماضي عاش الناس عالحلوة والمرة
السوسي: علاقة الجوار في الإسلام مبنية على التسامح
غزة _ أمل حبيب
بالأمس قالوا الجار قبل الدار ... واليوم يرددون صباح الخير يا جاري انت بحالك وأنا بحالي , تحولات جذرية في علاقة الجيران في مجتمعنا الفلسطيني بين الأمس واليوم , فهل ذهبت علاقة الجيران مع الريح ؟ وهل أصبح من المألوف عدم معرفة الجار لجاره ؟ وما هي أسباب الفتور في العلاقات الاجتماعية للجيران ؟ وكيف حث الإسلام على حسن الجوار ؟ أسئلة عديدة تحاول (الرسالة) الإجابة عنها في التقرير التالي..
"الباب الذي يدخل منه الريح سده واستريح" بهذه العبارة بدأت أم محمد 40 عاما حديثها للرسالة وأضافت :" بسبب المشاكل بين أبنائي وأطفال الجيران , تنتج شجارات مع جارتي فأغلق باب بيتي لأستريح من المشاكل ووجع الرأس ولا اختلط بأحد ".
الأسلوب السابق اتبعته أم محمد لتفادي المشاكل مع جارتها , ولكن الحاجة الخمسينية أم جميل من حي الشجاعية خالفتها الرأي, فقالت :" لا استطيع العيش بعزلة عن المجتمع ومهما اختلف أبنائي مع غيرهم لا تحدث مشاكل مع جارتي فالأطفال يتفاهمون ويتصالحون أما الكبار فينعزلون من أتفه المشاكل " , وأضافت بنبرة أمل :" أجامل جاراتي في المناسبات السعيدة والحزينة , واطمئن على أحوالهم بين الحين والآخر ".
علاقتي بهم رسمية
الموظفة شيماء عبد الحميد 24 عاما باتت مستاءة من تصرفات بعض جيرانها في الحي وخصوصا الرجال الذين يجلسون أمام المنازل في الشوارع لمراقبة الآخرين والتدخل بخصوصياتهم , وقالت :" علاقتي بالجيران رسمية ولا أزورهم إلا في المناسبات ".
أما سامح أحمد 30 عاما أحد الموظفين الحكوميين يشرح وجهة نظره, فيقول :"صعوبة الحياة وتعقيداتها, والانشغال طوال اليوم بحثا عن لقمة العيش تلهي الإنسان عن الزيارات الاجتماعية بين الأهل والجيران ".
من جانبها قالت السيدة أم محمود ربة منزل:" أمضي أوقات فراغي في رعاية أطفالي وتعليمهم أو مشاهدة التلفاز خيرا لي من مجالسة من يزعجني حديثهم في الغيبة والنميمة عن الآخرين ".
عالحلوة والمرة
من ناحيته قارن المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض "للرسالة" بين علاقة الجيران بين الأمس واليوم قائلا :" أهل زمان عاشوا عالحلوة والمرة وكانوا متحابين , ويتمتعون براحة البال وقلة المشاكل (...) يفتحون منازلهم للجيران لإقامة الأفراح عند ضيق مساحة بيوتهم , أما اليوم فالعلاقة بين الجيران تغيرت وذلك ناتج عن تعقيدات الحياة والتقدم ودخول المرأة مجال العمل وعدم وجود أوقات فراغ للزيارات ".
وأوضح المبيض بأن الجانب المادي طغى على الحياة وأبعد الناس عن التالف والمحبة , مشيرا إلى أن العلاقات بين الناس تحولت إلى علاقات موظفين تربطهم مصالح الحزب أو الجمعية أو النقابة , أما في الماضي فكانت تربطهم مهنة الزراعة ويجتمعون أيام الحصيدة .
وبين المؤرخ الفلسطيني بان المعيشة تغيرت وابتعد الناس عن صفة الحارة والقرية وانتقلوا للعيش بالأبراج والعمارات , منوها إلى أن الزمن الماضي لن يعود , ولكن يبقى للجار قيمته ومهما بلغ التنافر بين العلاقات فالجار للجار ولو جار .
فتور اجتماعي
الدكتور وليد شبير رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية بين بان انعدام العلاقة بين الجيران نسبي وليس جزئيا وفيه نوع من الفتور لانشغالهم في الحياة العملية بحثا عن لقمة العيش , موضحا بان العلاقات اليوم رسمية وشبه محدودة على عكس الترابط الاجتماعي الذي كان سائدا في الماضي .
وذكر شبير بان ابتعاد الناس عن العادات والتقاليد أدى إلى حدوث تغيرات اجتماعية فمثلا يقام الفرح بجوار بيت فيه عزاء على عكس أيام زمان التي كان الناس يراعون مشاعر جيرانهم فيمنع أن يقام الفرح بجوار بيت فيه عزاء .
ودعا الأخصائي الاجتماعي إلى توطيد العلاقات بين الجيران لاستمرار الحياة الاجتماعية السلمية المترابطة .
من ناحيته أكد الدكتور ماهر السوسي نائب عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بان الإسلام أمر بحسن الجوار وعدم الظلم والإساءة للآخرين والتعاون فيما بين الناس , مشيرا إلى أن الكثير من النصوص في القران والسنة تبين بان علاقة الجوار لابد أن تكون مبنية على الإخاء والود والتسامح لأنها بذلك توصلنا إلى مجتمع مسلم ومتين .
وقال السوسي: لقد أوصى القران بالإحسان إلى الجار وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن امرأة كانت تصوم النهار وتقوم الليل ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها , فقال : ( لا خير فيها هي من أهل النار ) .
و يبقى الأمل في العلاقات الاجتماعية بين أهالي غزة المحاصرة , كيف لا , وهم أصحاب الهم الواحد والقضية الواحدة , ولكن لن نستطيع الإنكار بان الزمن قد تغير .