70 دولارا فقط تضع حدا لمسلسل التهام الأجساد بالنيران الذي بدأت حلقاته في غزة منذ أعوام عندما غرق القطاع في الظلام للمرة الأولى عام 2006 بعد أن قصفت "إسرائيل" محطة توليد الكهرباء.
لم تلعن "عائلة جودة" الظلام ولكنها بحثت عن بديل آمن لإنارة بيوتها والحفاظ على حياة أفرادها بعد أن تكررت حوادث الموت حرقا وخنقا بفعل الشموع وعوادم المولدات الكهربائية.
الشاب محمد جودة أحد القائمين على مشروع إنارة بيوت "عائلة جودة" بواسطة ما تعرف بـ"اللدات", قال إن هدف المشروع الحفاظ على أرواح أبناء العائلة من الموت حرقا جراء استخدام وسائل إنارة خطرة مثل الشمع ولمبات الجاز والمولدات.
يذكر أن العشرات توفوا حرقا جراء استخدام وسائل الإنارة غير الآمنة مثل الشموع والمولدات الكهربائية ولمبات الجاز وغيرها.
وأضاف جودة في حديث لـ"الرسالة نت" : "أجرينا دراسة في ديوان العائلة وطرحنا عدة أفكار لحماية أفراد العائلة من خطر الوفاة جراء بدائل الإنارة وتوصلنا إلى أن "اللدات" هي السبيل الوحيد لتوفير الإنارة في البيوت بعيدا عن التكلفة الباهظة وأي خطر".
وأشار جودة إلى أن الفكرة حظيت بإعجاب عدة أشخاص من العائلة وأعلنوا تبني المشروع رسميا وبدأ جمع التبرعات من المقتدرين بعد نشر إعلان على صفحة "ديوان آل جودة" عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
وأكد أن تكلفت البطارية الصغيرة وما تعرف (باللدات) والأسلاك ومفاتيح الكهرباء تصل إلى 70 دولار فقط, وتقدم لمحدودي الدخل في "عائلة جودة" مجانا, لافتا إلى أنه جرى إنارة 30 منزلا بالكامل خلال المرحلة الأولى من المشروع الذي يستهدف 70 أسرة.
وأوضح جودة أن نخبة من المهندسين والفنيين في العائلة هي من تشرف على شراء المعدات والتركيب في المنازل دون تدخل أي من أفراد الأسرة المراد تقديم الخدمة لها.
وتمنى طرح الفكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتتبناها باقي العائلات الفلسطينية للحفاظ على حياة أفرادها وضمان السلامة لهم في ظل أزمة كهرباء طويلة وممتدة, حسب وصفه.
ولفت إلى أن "ديوان آل جودة" أجرى دراسة لأوضاع جميع الأسر في العائلة ليبدأ التركيب وفقا للأولويات وجرى مراعاة من لديهم طلاب وخاصة في التوجيهي للحفاظ على مستواهم التعليمي وعدم تقليص ساعات دراستهم بسبب انقطاع الكهرباء.
وتتركز الإنارة في المطبخ ودورة المياه وغرفة الدراسة واستقبال الضيوف لتستغني العائلة نهائيا عن أي وسيلة إنارة خطرة كما يجري وضع إنارة على الباب الخارجي للمنزل لإنارة الطريق أمام المارة.
وكشف جودة أن بعض الأطفال تبرعوا بمصروفهم الشخصي للمساهمة في جزء من المشروع, وأبدى استعداد العائلة لإعطاء تفاصيل المشروع لأي عائلة في غزة تريد تطبيقه وتوفير التفاصيل الفنية اللازمة.
واستطرد بالقول: "في بعض البيوت استخدمنا تقنية رائعة لكبار السن والمقعدين من خلال وضع خلية ضوئية تتحكم بجهاز الإنارة بحيث يضيء وينطفئ دون أي تدخل من الإنسان".
ويركز "ديوان آل جودة" الذي تأسس قبل نحو عام على العمل الاجتماعي وزيارة كبار السن ليشعروا بقيمتهم وأهميتهم وزيارة المرضى وتوزيع حلوى العيد على محدودي الدخل وتوزيع لحوم الأضاحي.
الحاجة أم محمود جودة لم تفارق الابتسامة وجهها فرحا بالمشروع الذي أنار عتمة بيتها ووفر عليها شراء الشموع والجاز اللازم لتشغيل لمبات الإنارة.
وقالت: "هذه الخدمة رائعة ومميزة ولفتة جميلة من العائلة وشبابها الطيبين الذين شعرنا حرصا كبيرا منهم على حياتنا من خلال توفير هذا النوع من الإنارة الآمنة".
وأشارت أم محمود في حديث لـ"الرسالة نت" إلى أنها تخشى إشعال الشموع وبعد أن توفر هذا المشروع لن تفكر في شراء أي شمعة بعد اليوم, قائلة: "أشعر بالراحة وأنام أنا وأولادي بسلام واطمئنان".
وتمنت أن تكون عائلة جودة قدوة لجميع العائلات في القطاع من خلال التكافل الاجتماعي وتوفير الطاقة الآمنة لجميع الأسرة للحفاظ على حياتها.
وتابعت أم محمود: "الضيوف انبهروا من جمال الإنارة في جميع أنحاء البيت كما أن أبنائي لم ينقطعوا منذ ذلك الحين عن الدراسة ويتنقلوا في البيت دون أي تعثر".
وتمنت أن تستطيع إعادة ترميم بيتها الذي تصدع بفعل العدوان على قطاع غزة واستهداف أماكن قريبة منه, راجية أن يدخل الجنة كل من ساهم وتبرع وأشرف على المشروع.
أما الطالب طارق جودة فأبدى إعجابه بمشروع إنارة بيوت العائلة بواسطة (اللدات) والبطاريات دون أي مقابل مادي موجها الشكر للقائمين على المشروع.
وقال في حديث لـ"الرسالة نت" إن كثير من العائلات لا تقدر على تركيب هذا النوع من الإنارة الذي يقي شر الشموع والمولدات التي تتسبب بالحرائق في البيوت الفلسطينية. وأضاف: "ذات يوم حرقت غرفة على سطح منزلنا بما فيها من ممتلكات جراء اشتعال مولد الكهرباء".
وأوضح طارق الذي يستعد لتقديم اختبارات الثانوية العامة أنه كان يتوجه قبل تنفيذ مشروع إنارة بيتهم إلى بيت شقيقته للدراسة التي تستخدم هذا النوع الآمن من الإنارة.
وأكد أنه يشعر حاليا بالراحة وبدأ يدرس طبيعيا دون الخشية من الظلام الذي فرضه الاحتلال على سكان القطاع المحاصر منذ ما يزيد عن 8 أعوام.
ووجه الشكر لكل من ساهم وتبرع بالمشروع ودعا لتعميم هذه الفكرة على جميع العائلات وعبر عن سعادته لمستوى الأمان الذي يوفره هذا النوع من الإنارة.