بدأت من يافا وانتهت في غزة

نكبات لاجئ فلسطيني فر من سوريا

لاجئون فلسطينيون يفرون من سوريا (أرشيف)
لاجئون فلسطينيون يفرون من سوريا (أرشيف)

الرسالة نت- لمندوبنا

يتقن عبد الهادي الشنتف الرسم على الزجاج ويعشق برتقال يافا وله في دومة السورية ذكريات لا تنسى، وحكايته في مخيمات اللاجئين في لبنان متعددة، وكل أمله أن يوفر لأسرته حياة كريمة في غزة.

وصل الشنتف غزة قبل عامين فارًا من جحيم الصراع السوري الذي يقول إنه "جرح جديد أصاب كل أفراد عائلته التي تفرقت ما بين سوريا وبيروت وغزة".

ومثلما فر الشنتف الابن من سوريا، هربت عائلته من يافا خشية المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في المدينة عام 1948.

ونكأت ذكرى النكبة السادسة والستين جراح الشنتف (49 عامًا) الذي فر من بلدة "دومة" الواقعة في ريف دمشق قبل عامين بعدما دمرت قوات النظام السوري منزل العائلة وأصبحت حياة أسرته مهددة في أي لحظة. 

ويحيي الفلسطينيون في الخامس عشر من أيار (مايو) من كل عام ذكرى النكبة التي حلت بهم، وشرد على إثرها مئات الآلاف، وقتل آلاف آخرين؛ ليقام على أنقاض معاناتهم وقراهم كيان يسمى (إسرائيل) يحتفل في اليوم نفسه بما يسمى "عيد الاستقلال".

يقول الرجل قصير القامة واصفًا واقع أسرته على مدار العقود الماضية: "نعيش نكبات لا تنتهي لكننا متجذرين في الأرض ولن ننسى أرض الآباء والأجداد".

وفي ذاكرة الرجل ثلاثة نكبات الأولى سمعها كثيرا من والديه عن يافا والثانية عاشها في مخيمات اللاجئين في لبنان والثالثة لا تزال ماثلة أمام ناظريه في سوريا.

وفي منزله المستأجر تخرج الكلمات من حلق الشنتف إذ يقول لـ"الرسالة نت": "لقد ظلمنا في هذه الحياة لكن لن نيأس".

ويضيف: "حدثتني والدتي عن مجازر الصهاينة في يافا وشاهدت مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت وعشت المجزرة تلو الأخرى في سوريا حتى طفحت دماء الأبرياء في شوارع دمشق وريفها".

والشنتف يعيش الآن في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة المكتظ بالسكان ويسدد إيجار شهري للمنزل يصل إلى  700 شيقل أي ما يعادل (190 دولار أمريكي).

وتسببت أزمة سورية على مدار عامين في نزوح نحو 250 ألف فلسطيني عن منازلهم في مخيمات سورية، لاسيما مخيم اليرموك ، حيث حظوا على مدار عقود بحياة أفضل مقارنة بمخيمات الدولتين المجاورتين لبنان والأردن.

وشُرّد 120 ألف من هؤلاء إلى خارج سوريا للإقامة حسب المناطق القريبة منهم في مخيمات مؤقتة على حدود لبنان وتركيا والأردن تصف الأمم المتحدة أوضاعها بالبائسة.

والبؤس ذاته يعيشه الشنتف في غزة الذي يعيل أسرة مكونة من خمسة أفراد. وتقيم حوالي مئة وخمسين أسرة من الفلسطينيين الفارين من سوريا في غزة.

وكانت عائلة الشنتف تمتلك سبعين دونما في يافا وجميعها كانت مزروعة بأشجار الحمضيات وفق قول الرجل.

وسردت والدة الشنتف وتدعى منور وتقيم في مخيم شاتيلا قرب بيروت كثير من التفاصيل التي عاشتها إبان النكبة لنجلها الذي يورثها لأبنائه في هذه الأيام.

وقال الشنتف: "والدي سلمني مفتاح الدار في يافا وأنا سلمت ابني مفتاح الدار في يافا ومفتاح آخر للبيت الذي فيه في دومة بسوريا".

ويضيف: "لدي ابن آخر يعيش مع والدتي التي أتمت هذا الشهر العام السادس والثمانين وهي تحدثه عن يافا وبحرها ورملها وأشجارها".

والشنتف كان يستمع لتلك الأحاديث قبل تشتت شمل العائلة وظل يردد "يافا يا أرض الأجداد يافا يا بلد الأحباب يافا يا وطنا".

ويوضح أن الجرائم والمذابح التي عاشها خلال العامين الماضيين في سوريا أحدثت نكبة جديدة بالنسبة له ولعائلته إذ هو فر إلى غزة ووالدته وشقيقه الأخر أما شقيقاته الخمس فيعشن في لبنان وبقى شقيقه الثالث مع أسرته في ريف دمشق لا يستطيع الخروج.

والآن يجد الشنتف نفسه بلا جاه ولا مال مثل معظم العائلات الفلسطينية التي فرّت من "جحيم الحرب" في سوريا إلى الدول المجاورة.

ورحلة هروب الشنتف وعائلته كانت عبر لبنان ومن هناك استدان الرجل ثمن تذاكر الطيران إلى القاهرة ومن ثم وصل إلى غزة عبر الأنفاق الأرضية مع مصر.

ويقول "والديّ سارا على أقدامهما بضعة أيام حينما هجروا من يافا عام 1948 على أيدي العصابات الصهيونية حتى وصلا إلى أطراف لبنان وأقاموا في مخيم شاتيلا، وأنا وأسرتي فعلنا نفس الشيء في 2013".

ويضيف "في السابق كنت ألومهم لكن بعدما شاهدت الجرائم وسفك دماء الأبرياء من نظام بشار الأسد زال هذا الشعور وقمت بتقبيل قدمي والدتي".

وكل ما يريده هذا الرجل أن يجد دعمًا يعينه على بدء حياة جديدة على أرض غزة وإعادة شمل عائلته المشتتة أو العودة إلى سوريا من جديد.

 

البث المباشر