"طريق الفجر" تشتاق خطوات "محمد"

محمد أبو ظاهر
محمد أبو ظاهر

رام الله- الرسالة نت

ما زالت ملامح وجهه البريء تدفع شجون الحاضرين في بيت العزاء وتسبغ الكثير من معالم الاحترام التي طالما حظي بها في حياته، أما مقتنياته الخاصة فأضفت وقارا من نوع آخر على روحه التي ارتقت كما أحب دوما.

محمد أبو ظاهر ابن السبعة عشر ربيعا كان يدرس في الصف الحادي عشر في قريته أبو شخيدم تلك الواقعة شمال رام الله، ربما لم تصل منذ زمن رائحة الدم الزاكي إليها فآثر أن يكون هو من يقدم هذا العرفان حين توجه إلى سجن "عوفر" غرب المدينة للمشاركة في فعاليات إحياء ذكرى النكبة السادسة والستين.. مشاركته لم تكن مفاجِئة لعائلته التي عرفت عنه دوما حب القضية وتراب الوطن.

ويقول والده أبو محمد لـ"الرسالة نت" إن نجله كان يتمتع بروح وطنية وإسلامية عالية، فلا يترك فعالية وطنية إلا ويشارك فيها ولا يتخلف يوما عن صلاة الفجر في المسجد، والآن ستشتاق له الطريق إلى المسجد وسيشتاق له الحاضرون هناك وحتى المحراب والمئذنة.

ويبين الوالد أن نجله نظّم قبل شهرين حملة إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيف مقبرة قريته لما في ذلك من أجر عظيم، كما أنه كان يوزع نسخا من المصحف الشريف في مسجد القرية وكان ذلك جزءا من حبه لدينه وتواصله معه.

ويعود الوالد الصابر بذاكرته إلى يوم الخميس الخامس عشر من آيار الذي شهد ارتقاء روح ابنه؛ فيومها كان قد أخبر عائلته نيته الذهاب إلى فعالية إحياء ذكرى النكبة ولم تعلم أن قصده التوجه إلى ساحة المواجهات ليعبر عن غضبه بصدر عار وبعض الحجارة، هو لم يشهد النكبة ولكنّ مرارها الساري في قلب كل فلسطيني صغيرا كان أم كبيرا دفعه للتوجه هناك.

ويضيف والده: "كان يستعد للذهاب إلى مدرسته يومها لتقديم أحد الامتحانات ولم ألاحظ شيئا غريبا عليه، ولكنني كأب شعرت أن هذا اليوم سيكون مختلفا لم أدر بأي طريقة فظللت أتواصل معه عبر الهاتف النقال، وحين وصلنا نبأ استشهاده وصلت كل الخيوط إلى مكانها الصحيح فابني يعشق وطنه وقضيته ودينه ويقدم في سبيل ذلك أغلى ما يملك".

ويشير أبو محمد إلى أن مقتنيات نجله كلها كانت عبارة عن علم وطنه الذي دافع عنه بجسده الفتي ولم يستطع يوم استشهاده أن يأخذه معه، ولكن حين سُجّي محمولا على الأكتاف يوم تشييعه حمل أصدقاؤه العلم وغطوه به ليؤكدوا على استمرارية القضية.

ويضيف:" كنت أتمنى أن أراه يوم تخرجه حاملا شهادة الثانوية العامة ولكنه الآن حصل على الشهادة الأكبر والأعظم ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في عليين".

شخصية مميزة

رصاصتان في الظهر والبطن كانتا كفيلتان أن تنهيا حياة الفتى أبو ظاهر وما حملته من ذكريات رائعة لا ينساها أصدقاؤه وأقرباؤه، أما كلماته التي كان يسجلها على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" فلم تكن تظهر إلا نفسا مشتاقة للشهادة ومحبّة للوطن الجريح.

ويقول أحمد أحد أقرباء الشهيد لـ"الرسالة نت":" كلنا نتذكر محمد ولا يمكن أن ننساه يوما لأنه كان شابا خلوقا مؤدبا ويمتاز بأخلاقه الإسلامية الحميدة وكنا نتمنى لو أن كل شبان وفتية القرية بمثل خلقه الرفيع، فهو شاب افتقر الكثير من نظرائه لما كان يملكه من أخلاق والتزام ديني".

ويوضح أحمد أن الشهيد محمد كان معروفا في قريته بحبه لوطنه واهتمامه بقضية شعبه ومعاناته، كما أنه كان يمتاز بخدمة الآخرين وخاصة في مسجد القرية الذي يشهد له بالحضور اليومي، فيما كان يعشق الراية الخضراء ويحملها في الفعاليات المختلفة كما رفعها حين لفظ أنفاسه الأخيرة.

آخر صورة التقطت لمحمد وهو يقذف حجارة الأرض صوب الجنود الغاصبين تزامنت مع كتابة على الجدار من خلفه تحمل عبارة "خاين اللي مع الزمن ينسى"، وربما لو رآها سيكون مرتاحا أن شهادته ارتبطت برفض بيع القضية أو تناسيها.

البث المباشر