ضد فكرة الأحزاب السياسية في الساحة الفلسطينية، فنحن شعب محتل ونحتاج لفصائل وتيارات تقوم على بيئة العمل المقاوم إن كان سلمياً أو مسلحاً، لهذا أنبتت الساحة الفلسطينية فصائل لها طبيعة خاصة ولم تشهد أحزاباً ناجحة، فبيئة العمل الحزبي تتعارض ووجود احتلال، وما يتبعه من أجواء ومتطلبات غير مستقرة.
إلا أن وحل السلطة الذي وقعنا فيه وتحول لأمر واقع لا فكاك عنه ومنه، أوجد حالةً مشوهة متأرجحة ما بين الاستقرار وتحمل التبعات الخدماتية وما بين العمل النضالي والكفاحي، لهذا قد يُبرر وجود بعض القوى المدنية والحزبية لإدارة مصالح المواطنين وتلبية احتياجاتهم.
وعلى هذا الواقع المُشوه غير الطبيعي الذي يجمع الاستقرار والمقاومة ويتميز بالاضطراب والتذبذب، علينا التفكير بابتداع طرقٍ ووسائل جديدة نستطيع من خلالها مواجهة الاحتياجات المختلفة والتوافق والبيئة المتغيرة، وأعتقد أن حالتنا الفلسطينية الفريدة تحتاج لأفكار فريدة لقيادة العمل السياسي والخدماتي، فنحن أمام تعقيدات تحيرنا في التعامل مع تفاصيل الحياة اليومية وتشابكات القضية الرئيسية.
حركة حماس خاضت العمل السياسي الإداري مضطرةً، واستلمت السلطة بعد فوزها الكبير في انتخابات 2006، ورسَّخت وجذَّرت حضورها الميداني التفصيلي في الساحات المختلفة، وبعد المصالحة تتطلع لتمديد العمل السياسي وفق منهجية جديدة، وقد كانت هناك دعوات واضحة لضرورة ابتداع حزبٍ يمثل توجهات الحركة ورؤيتها بعيداً عن جسمها الأساسي، وهذا تكرار لتجارب لم يحالفها النجاح كتجربة الحركة نفسها في حزب الخلاص، وكتجربة الإخوان في حزب الحرية والعدالة.
أعتقد أن أي تجربة حزبية لحركة حماس مصيرها الفشل والتضعضع، وستدخل الحركة بتجاذبات لها أول وليس لها آخر، ومع هذا فالحركة محتاجة لتغيير أسلوبها في التعامل مع المستجدات خصوصاً بعد المصالحة واحتياجها الملح للانفتاح الدولي والإقليمي من جهة، والانفتاح على الجمهور الفلسطيني من جهة أخرى.
ولمعالجة هذه الأمور يمكن العمل على استحداث جناحٍ سياسي لهذه الحركة يعبِّر عن تطلعاتها ورؤيتها ويكون مرتبطا بقيادتها، ويقوم بأداء وظيفةٍ محددة، كالعمل الإداري والخدماتي، ويقوم على آليات ولوائح داخلية خاصة بهذا الجناح.
ومهمة الجناح السياسي تكون المشاركة في السلطة واكتساب مرونة أكثر في التعاطي مع متطلباتها، ويجب أن يتمتع مثل هذا الجناح بشروط واضحة للعضوية والالتحاق به وتكون شروط مخففة تختلف عن شروط الحركة وأجنحتها المختلفة، مما سيتيح له الانفتاح على قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني ليست بالضرورة أن تكون منتمية للأيديولوجية الدعوية. ويمكن لهذا الجناح أن يسمى باسم محدد ويعرف أنه جناح حماس السياسي.
هذه الأفكار أضعها كنواة للتفكير في آلية تطوير العمل الفصائلي الفلسطيني "حماس نموذجاً"، وبالتأكيد هناك عشرات الأسئلة والاستفسارات يمكن مناقشتها عبر ورشات العمل والندوات، ومزيد من المقالات واللقاءات التي تخدم وتصب في صالح تطوير العمل الحركي الفلسطيني في ظل الواقع المعقد.