قائمة الموقع

محطات الوقود وسط الأحياء السكنية.. "الخطر الكامن"!

2014-05-24T08:17:42+03:00
أحد المحطات الوقود في غزة
غزة- أحمد الكومي

لم تكن واضحة طبيعة أعمال الحفر التي تجري في أرض فضاء تتوسط أحد الأحياء السكنية المكتظة غرب مدينة غزة، كل الذي يعرفه الجيران أن الأرض اشتراها أحد رجال الأعمال، وأنه يعتزم إقامة مشروع، لكن لم تعرف ماهيته.

ملامح المخطط الهندسي للمشروع بدأت تتكشف مع تقدُّم العمل به، لتبرز محطة وقود رست قواعدها تحت الأرض وبدأت أعمال التدشين فوقها، الأمر الذي أثار حفيظة الجار الشرقي للمحطة، المواطن (م.ش)، الذي اكتشف لاحقا أن خزانات الوقود لا تبعد سوى مترين فقط عن منزله الذي تقطنه أربع عائلات.

ليس رائحة الوقود أو ضوضاء السيارات ما يخشاه (م.ش)، الذي يفزع لأجله خطر الاشتعال العرضي، فأبسط مقتضيات الحكمة تفترض احتمال الأسوأ.

والأسوأ في عمل محطات الوقود مخالفة شروط السلامة، فهل الأمان بدايةً وجود محطات الوقود وسط الأحياء السكنية؟، ثم ماذا عن شروط الأمن والسلامة؟ والسؤال الأخطر: ماذا لو وقعت كارثة؟

النظام لا يمنع

لم تكن المحطة المجاورة للمواطن (م.ش) الوحيدة وسط حي سكني، فخلال جولة ميدانية غرب مدينة غزة لاحظ مراسل "الرسالة نت" وجود خمس محطات وقود وسط تجمعات سكانية، علما بأننا أخذنا محافظة غزة عينة في سياق التحقيق من بين محافظات القطاع الخمس، حيث بلغ عدد محطات الوقود المرخّصة في المدينة 19 محطة، بجانب 6 محطات غاز مرخصة، وفق إحصائية أعدتها دائرة التنظيم في وزارة الحكم المحلي.

"

نظام ترخيص محطات الوقود نص على توفير ارتداد مترين فقط عن حدود المشروع وأي منشأة من منشآت المحطة سواء كانت فوق الأرض أو تحتها

"

انطلقنا من النظام الخاص بترخيص محطات بيع المحروقات بمحافظات قطاع غزة المعتمد من اللجنة المركزية للتنظيم وبناء المدن لسنة 2000، الذي تبيّن لنا بعد دراسة مواده عدم وجود بند يُعارض إنشاء محطات الوقود وسط الأحياء السكنية، وأكد ذلك وائل لولو مدير إدارة الأمن والسلامة بجهاز الدفاع المدني.

لكن بدا أن المادة (6) للفقرة (5) من النظام كانت أقرب ما يتعلق بقضية "جيران المحطات"، خاصة أنها نصّت على "توفير ارتداد مترين عن حدود المشروع وأي منشأة من منشآت المحطة سواء كانت فوق الأرض أو تحتها".

ولم يكن من السهل رصد مواقف جيران محطات الوقود في محافظة غزة، حيث أمسك غالبيتهم عن الكلام حول هذه القصة لدواعٍ أهمها "الحفاظ على الجيرة والبُعد عن المناكفات والشجارات"، كما تذرعوا.

لكننا استطعنا الظفر بشواهد تؤكد حقيقة تذمّرهم، منها على سبيل المثال، أن إحدى العائلات المجاورة تماما لمحطة وقود غرب مدينة غزة، وتملك مستودع أدواتٍ بلاستيكية، كانت قد تقدمت مرات عدة بشكاوى للشرطة بشأن مخالفات تجري في المحطة، بخلاف الضوضاء وتعطيل حركة السير.

من تلك المخالفات كما يروي الشاب (ع.ر) الذي رفض ذكر اسمه خشية تجدد الإشكالات بين عائلته وصاحب المحطة، أنهم تفاجأوا في منتصف إحدى الليالي بدخان كثيف يتصاعد من المحطة، فنزل كل من في المنزل مسرعين؛ ظنّا منهم أن النيران ربما تصل خزانات الوقود فيقع ما لا يحمد عقباه، ليجدوا أن الحارس أشعل تلك النيران أسفل أحد أسوار المحطة "من أجل طرد البعوض" !

مواطن آخر ظهر من خلال الرصد الميداني أن سور منزله ملاصق تماما لسور محطة وقود غرب مدينة غزة أيضا، رفض هو الآخر الحديث مكتفيا بالقول: "ما صدقت أخيرا تتحسن علاقتي مع صاحب المحطة"، حتى أنه استعجلنا بارتشاف فنجان القهوة في سبيل أن ننصرف سريعا.

خيوط البحث عن شكاوى واعتراضات جيران المحطات أدخلتنا دوائر القضاء، حيث توصلنا إلى ملف المواطن (م.ش) -الذي ورد ذكره في مقدمة التحقيق- وحين اطّلعنا على أوراق القضية عثرنا على عريضة وقّعت عليها 11 عائلة من الحي، تقدموا من خلالها بشكوى موجهة إلى وزير الحكم المحلي للاعتراض على ترخيص المحطة "لما سيتسبب لهم من أضرار صحية وبيئية إضافة إلى الإزعاج المستمر، وتعطيل حركة السير في المنطقة"، وفق ما ورد في العريضة.

"

خبير متفجرات: البنزين من أكثر المحروقات خطرا ويعتبر "متفجرات سائلة"

"

المحامي الذي تولى قضية المواطن (م.ش) أخبرنا أنها أُغلقت وانتهت في الدوائر العُرفية بعدما ظهر أن صاحب المحطة ملتزم بالشروط التنظيمية، وحين عاينت "الرسالة نت" صور مكان الإنشاء، تبين أن خزان الوقود أسفل الأرض يبعد مترين فقط عن المنزل المجاور له من الناحية الشرقية !

الضرر الأول: انفجار عرضي

لم يمنع ذلك "الرسالة نت" من طرح قضية غاية في التعقيد تتعلق بالشروط التنظيمية لمحطات الوقود، ومدى ملاءمتها للواقع، وإذا أخضعنا شرط الارتداد المقدر بمترين فإن ذلك لا ينفي وجود خطر على المنشآت المحيطة.

صحيح أنه لم يتبين خلال إجراء التحقيق سقوط ضحايا، لكن برز وجود إيذاء على أكثر من مستوى، الأول ضرر يتعلق بالأرواح، رغم شدة إجراءات الأمن والسلامة المتبعة التي لاحظناها في نظام ترخيص محطات الوقود، لكن ذلك لا يمنع تكرار حادثة "أم الشرايط"، من يضمن؟.

ففي الثامن من فبراير عام 2007، وقع انفجار في محطة "النبالي" للمحروقات بمنطقة أم الشرايط من أحياء مدينة البيرة بالضفة الغربية المحتلة، نجم عنه وفاة ثمانية أشخاص، وإصابة أربعة عشر آخرين بجروح.

ولم تصدر-وفق تقرير تقصي حقائق حول الحادث أعدته الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن- أي نتائج رسمية نهائية للسبب الكامن وراء الانفجار من النيابة العامة المختصة بالتحقيق، ولا تحديد المتسبب، لكن رواية جهاز الشرطة الفلسطينية حول الانفجار ذكرت حينها أنه وقع نتيجة إصلاحات خارجية في المحطة لتركيب قاعدة لمصفاة جديدة للمحطة باستخدام اللحام بالكهرباء للمضخات، الذي تسبب بإشعال دخان ونيران امتدت إلى خزانات الوقود تحت الأرض، تسببت بانفجار هائل أدى إلى انهيار سقف المحطة كاملًا على المواطنين الذين كانوا يتزودون بالوقود وعمال المحطة.

إن الهاجس الأكبر الذي يؤرق جيران المحطات هي "خزانات الوقود" رغم أنها مطمورة تحت الأرض، فلا مسار للهبوط بإجراءات الأمن والسلامة فيها، ولا هامش للخطأ أيضا.

"

المحطات الأكثر شيوعا في قطاع غزة هي من فئة (ج) التي لا تقل مساحة موقعها عن 600م2

"

وأوْلى نظام ترخيص محطات الوقود عناية خاصة بالخزانات، حيث نصّت المادة (36) من لائحة الدفاع المدني بوضع الخزانات على قاعدة خرسانية في باطن الأرض، وتحاط جوانبها في الحفرة بالخرسانة أو الرمل أو بأي مادة أخرى ضد التآكل، على أن تكون الخزانات داخل حدود المحطة.

وتتفاوت سعة خزانات الوقود من محطة إلى أخرى لكنها تترواح بقول لولو مدير دائرة الأمن والسلامة بالدفاع المدني، بين 30-50 كوبا، وذلك عائد إلى مساحة المحطة.

دخلنا بالحد الأدنى (30 كوبا) مبنى هندسة المتفجرات في مدينة عرفات للشرطة بغزة، من أجل قياس كم يعادل انفجار هذه الكمية من مادة الـTNT، في حال لو تعرضت لمُحرِّض خارجي؟.

لحساسية الأمر، أرسل الرائد حازم أبو مراد مساعد مدير هندسة المتفجرات في قطاع غزة -ونحن جلوس في غرفة امتلأت جوانبها بقذائف بدت معطوبة- إلى النقيب (أبو حسان) خبير أول هندسة المتفجرات في الشرطة الفلسطينية، من أجل تقدير الكمية جيدا، حيث اتفقا بداية على أن البنزين من أكثر المحروقات خطرا، "ويعتبر متفجرات سائلة، لكنها لا يمكن أن تنفجر وهي حرة، ولا بد أن تكون موجودة ضمن كابح وحيِّز مغلق الذي هو خزان الوقود، وأن تتعرض إلى محرّض خارجي، كالشرارة مثلا".

الرائد أبو مراد قدّر انفجار 30 كوب بنزين (الكوب=ألف لتر) بانفجار ثلاثة أطنان من مادة الـTNT، "وهي بقدرة ثلاث قنابل طائرة F16 من عيار MK84 وزنها يبلغ طنًا واحدًا لكل قنبلة"، وفق حساباته، وهذا بشأن خزان واحد، فكيف بمحطة تحفظ في باطنها من 2-3 خزانات لكل أنواع المحروقات؟!.

علاوة على ذلك، أكد أن نواتج انفجار تلك الكمية "لو كانت تحت الأرض" -وينطبق هذا على وضع الخزانات- تساوي تدمير منطقة سكنية بطول 100م في كل اتجاه "وهذا في حالة الانفجار وليس الحريق"، كما قال.

وأشار الرائد أبو مراد إلى أنهم يتعاملون مع المواد المتفجرة (الخطرة) في طرق التخزين والاستخدام ضمن "قاعدة الأسوأ"، وهو أن تتعرض لانفجار، معتبرا وجود خزانات الوقود تحت الأرض "إجراءً وقائيا يمتص نواتج انفجار عرضي"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن وجود المحطة داخل الأحياء السكنية يشكل خطرا على الناس، داعيا إلى إعادة صياغة نظام ترخيص محطات الوقود، بما يتلاءم مع مصلحة المواطنين.

تعامل خبراء المتفجرات مع الخطر وإن كان بنسبة (واحد في المليون) كما أخبرنا الرائد أبو مراد، يجعل الخشية قائمة بشأن خزانات الوقود أسفل الأرض من خطر اشتعال عرضي، وينسل تساؤلٌ فيما لو كانت تلك الكميات موزعة في الشوارع، متمثلة في نقاط بيع الوقود العشوائية، التي كانت ظهرت في قطاع غزة قبل أعوام، خصوصا في الأماكن المكتظة بالسكان، وتسببت بوقوع العديد من حوادث الحرائق.

الضرر الثاني: الصحة العامة

الهاجس الذي لا يقل خطورة عن اشتعال عرضي يصل خزانات الوقود، وربما يكون غائبا عن "جيران المحطات"، هو الذي يتعلق بالصحة العامة والتعرض لاستنشاق المحروقات، وهو الضرر الثاني لوجودها وسط الأحياء السكنية، فضلا عن الإزعاج وتعطيل حركة السير التي كثيرا ما تحدث في أوقات أزمات الوقود، التي تجبر السائقين على الاصطفاف بسياراتهم أمام منازل جيران المحطات لمئات الأمتار، بما ينافي تماما نص المادة (934) البند رقم (1) من القانون المدني، بأن "على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار".

وحين نبشنا في الشبكة العنكبوتية عما يؤكد ذلك، وجدنا بحثا علميا أعدته باحثة سعودية لتقييم التغيرات المستحدثة على كبد ورئة ذكور الفئران البيضاء بتأثرها بوقود السيارات (بنزين 91).

البحث العلمي -الذي نشر في الموقع الإلكتروني السعودي (الوطن أون لاين) بتاريخ 14/7/2011)- توصل إلى خطورة البنزين على العاملين في محطات الوقود ومرتاديها ومن يسكن حولها، حيث ذكر أن استنشاقه يؤدي إلى تسمم وتليُّف رئوي.

وأوصى بإنشاء محطات البنزين في مناطق غير آهلة بالسكان، وعدم السماح بتواجد أماكن لبيع المأكولات والمشروبات بجانب محطات التعبئة "وذلك لتطاير الهيدروكربون بشكل سريع، الذي يؤدي بدوره إلى تلوث الغذاء المبتلع بالوقود بطريقة غير مباشرة"، كما ورد في البحث.

البحث العلمي أضاف وزارة الصحة على قائمة الجهات المختصة بسلامة "جيران المحطات"، فاكتفى الطبيب فؤاد الجماصي مدير دائرة صحة البيئة في الوزارة بالتأكيد على أن "فتحات التهوية -المُعدّة لتفريغ الهواء أثناء ملء الخزان بالوقود- تكون بعيدة جدا عن السكان، ثم إن المحطة مفتوحة ويصلها الريح من كل الاتجاهات"، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن لائحة شروط السلامة الخاصة بالدفاع المدني نصّت على وجوب ألا تقل المسافة الفاصلة بين فتحات التهوية وأقرب بناء عام وخاص أو أي منشأة أخرى من أي نوع عن 15 مترا، وأن يكون طول ماسورة التهوية للخزان أعلى من أي مبنى مجاور، وهو ما شاهدنا نقيضه لدى غالبية المحطات التي زرناها في مدينة غزة.

وبما أن "الصحة" وزارة عضو في اللجنة المركزية للتنظيم وبناء المدن، فإن الجماصي قال لـ"الرسالة" إن اللجنة لم يصلها أي شكوى أو اعتراض على أي محطة، رغم أن دائرة التنظيم في وزارة الحكم المحلي أبلغتنا تلقيها حوالي 20 اعتراضا منذ عامين.

وعاد الجماصي ليؤكد أنه "إذا كانت فتحات التهوية قريبة من البيوت فإن ذلك كفيل برفض ترخيص محطة الوقود"، مبينا أن اللجنة تمنح المواطن مدة 30 يوما لتقديم اعتراض على أي محطة قبل إنشائها، تماما كان نصُّ نظام محطات الوقود في المادة (24): "يجري إيداع قرار اللجنة بالموافقة على المشروع في إحدى الصحف اليومية ثلاثين يوما من تاريخ النشر، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يعترض على قرار اللجنة".

"

بحث علمي توصّل إلى أن استنشاق البنزين يؤدي إلى تسمم وتليف رئوي

"

النظام -والكلام لمدير دائرة صحة البيئة بوزارة الصحة- لا يشترط وجود المحطات في أماكن بعيدة عن السكان، لكن ضمن احتياطات تتم من خلالها وجود فتحات التهوية والتعبئة. وتابع: "نحن في وزارة صحة لنا اشتراطات خاصة بشأن تصريف المياه ووجود صندوق إسعافات أولية، ويؤخذ بعين الاعتبار الوضع البيئي العام للمنطقة التي تتواجد بها محطة الوقود".

فائض وهدر للاستثمار

اللجنة المركزية للتنظيم وبناء المدن، لا ترى بدورها إشكالية في وجود محطات الوقود وسط التجمعات السكانية، ويقول المهندس نعيم اللوح من اللجنة المركزية، والمدير المكلف بدائرة التنظيم في وزارة الحكم المحلي لـ"الرسالة نت": "ارتداد مسافة 2 متر عن حدود المشروع، حسب النظام المعتمد من اللجنة المركزية تكفي، لأن الارتداد يكون فوق الأرض وتحتها، فضلا عن تأمين الخزانات أسفل الأرض بالخرسانة".

ولا يعتقد اللوح وجود خلل في نظام ترخيص محطات الوقود، وقال: "نحن نطبقه بحذافير، وتهمنا كثيرا حياة الناس".

لكن مدير دائرة التنظيم في وزارة الحكم المحلي أقرّ بخشية الناس من مجاورة محطات الوقود "رغم أنه لم يسبق وقوع أضرار"، مشيرا إلى أن حوالي 20 اعتراضا وصلهم منذ عامين ضد محطات غاز ووقود، الأمر الذي دفعهم إلى رفع توصيات للهيئة العامة للبترول بضرورة دراسة مدى حاجة القطاع إلى محطات وقود جديدة، خاصة أن متوسط أعداد السيارات التي تدخل غزة أسبوعيا بلغ 70 سيارة، وإجمالي ما دخل القطاع منذ عام 2011 بلغ حتى نشر هذا التحقيق 10763 سيارة، وهذه أرقام رسمية حصلنا عليها من دائرة الاستيراد في وزارة النقل والمواصلات.

لم نملك أن نتحصل على رد الهيئة العامة للبترول بشأن توصيات اللجنة المركزية للتنظيم وبناء المدن، لصعوبة بالغة واجهتنا في الوصول إلى مديرها العام بعد سيل من الاتصالات عليه ومدير مكتبه، وزد على ذلك أن سكرتارية الهيئة لم توجهنا إلى مسؤول ينوب عنه، بعد أبلغتنا أن مديرها المخوّل الوحيد بإعطاء المعلومات التي تصدر عن الهيئة، فكان الجدار هنا أعلى من سُلّمنا.

استعضنا عن رد الهيئة بجمعية أصحاب شركات البترول في غزة لاستطلاع مدى حاجة القطاع إلى محطات وقود جديدة، فكان رد رئيسها محمود الشوا: "في قطاع غزة يوجد فائض في محطات الوقود والغاز، وهذا يتطلب وجود دائرة لدراسة الجدوى الاقتصادية، وتوجيه أي رجل أعمال إلى قطاع آخر غير الاستثمار في إنشاء محطة جديدة"، ناهيك عن أن تكون المنشأة وسط حي سكني. واعتبر الشوا أن الفائض في محطات الوقود بغزة "هدر للاستثمار".

الذي لا يمكن تجاهله من كل جهات الاختصاص، الكثافة السكانية في قطاع غزة، الذي تجاوز عدد سكانه مع نهاية عام 2013م، مليون و853 ألف نسمة، بحسب آخر إحصائية صادرة عن الإدارة العامة للأحوال المدنية في وزارة الداخلية، كانت قد نشرت على موقع الوزارة بتاريخ (14 يناير2014)، والالتفات كذلك إلى تضاؤل ما تبقى من مساحات زراعية لم يغزها الإسمنت.

دور الدفاع المدني أوجزه المهندس لولو مدير دائرة الأمن والسلامة في قوله: "نحن لنا جزئية معينة فيما يتعلق بإنشاء وعمل محطات الوقود، تتمثل في الالتزام بشروط السلامة والوقاية من الحريق، وسبل الحماية، ومواصفات وسائل الإطفاء والإنذار الواجب توافرها".

أما بشأن وجودها وسط التجمعات السكانية، فقال لولو: "لو ممنوع، لما وجدت محطات وقود في البلد"، مستدركا: "طالما أن المحطة ملتزمة بالنظام فلا يوجد ما يمنع ذلك".

بلدية غزة بصفتها جهة لها دور في منح تراخيص محطات الوقود، أبدت عدم رضاها عن وجود المحطات داخل الأحياء السكنية، وقال المهندس عماد عوض مدير التخطيط الحضري في البلدية لـ"الرسالة نت": "لسنا راضين عن ذلك، وعلى كم محطات الوقود الموجود"، موضحا أنهم طالبوا اللجنة المركزية للتنظيم وبناء المدن مرات عدة بإجراء تعديل على نظام الترخيص.

"

نواتج انفجار خزان وقود بسعة 30 كوب يساوي تدمير منطقة سكنية بطول 100م في كل اتجاه

"

ويريد عوض إدخال تعديلات على النظام فيما يتعلق بزيادة الارتدادات عن حدود الجيران، وأيضا مساحة المحطة، خاصة أن أكثر المحطات شيوعا في قطاع غزة وفق تصنيف نظام ترخيص محطات الوقود، هي من فئة (ج) التي لا تقل مساحة موقعها عن600 م2، ومجهزة لتزويد جميع أنواع السيارات التي لا يزيد وزنها على 15 طنا.

وتساءل: "الـ600 متر مساحة المحطة لا تكفي، لم لا تكون 1000م؟، ولم لا تكون الارتدادات 5 أمتار عن الجيران؟".

سألنا المهندس عوض بدورنا عن المسافة الواجب توافرها بين كل محطة، فأجاب: "1000 متر باتجاه طولي واحد، لمحطة من فئة (ج)"، لكن المفارقة كانت في إمكانية أن تتقابل محطتان، كل واحدة منهما على صعيد، كما قال.

تغيير النظام

واضح أن ردود جهات الاختصاص لم تخرج عن نصوص نظام ترخيص محطات الوقود، الأمر الذي حتّم علينا العودة إلى الجهة القانونية المسؤولة عن إمكانية إدخال تعديلات على النظام في حال ثبت وجود ضرر على سلامة الناس، فتوجهنا إلى النائب محمد فرج الغول وزير العدل في الحكومة بغزة، ورئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي استضافنا في بيته.

الغول ربط إمكانية تغيير نظام ترخيص محطات الوقود بإثبات وجود ضررها، وقال: "يهمنا كثيرا أمن الناس، وإذا ثبت الضرر فتغيير النظام وارد"، مضيفا: "هناك نظام موجود لترخيص محطات الوقود، وإذا كانت هناك اعتراضات فإنها تُقدّم إلى مجلس الوزراء الذي يقوم بدوره بعملية تغيير النظام، وإذا ثبت وجود الضرر وجب تغييره، والنظام أسهل في تغييره من القانون".

وإثبات ضرر محطات الوقود برأي رئيس اللجنة القانونية في التشريعي بأن يصل حد الظاهرة، إلى جانب إثباتها وإجراء مسح شامل لها، ويكون التوجه بعد ذلك -يكمل الغول- إلى الجهة المختصة، التي هي الآن في النظام "مجلس الوزراء"، مستدركا: "النظام يُعدّل بنظام أو بشرح من الجهة التي أصدرته".

ما توصل له التحقيق يؤكد أن الضرر المتمثل بوجود محطات الوقود وسط الأحياء السكنية يوشك أن يصل حد الظاهرة، والقرائن على ذلك قائمة، وليس بالضرورة سقوط ضحايا. وخلُص إلى وجوب إدخال تعديلات على نظام ترخيص محطات الوقود تقوم على "قاعدة الأسوأ" بشأن الارتدادات خصوصا، بما يجنّب السكان نواتج خطر اشتعال عرضي.

ونُلحق بذلك، إعادة الرؤية في منح تراخيص محطات جديدة إلى حين إعداد دراسة فعلية تقوم عليها الجهات المختصة لاستبيان مدى حاجة قطاع غزة إلى المزيد منها، وأيضا ترتيب أوضاع المحطات القائمة ومراجعة إجراءات الأمن والسلامة فيها.

اخبار ذات صلة