قائمة الموقع

عقود عمل "الأونروا".. توظيف أم تملك؟!

2014-06-07T08:31:58+03:00
(صورة أرشيفية)
الرسالة نت- لميس الهمص

أن تعمل في وكالة الغوث فأنت مملوك لإدارتها لا يمكنك الانخراط بنشاط سياسي أو خيري أو حتى ثقافي إلا بإذنها، وعليك آلا تسأل عن تلك الحقوق التي تتغنى بها الأمم المتحدة وتنتهكها في مؤسساتها.

ويشتكي موظفون في الأونروا من كبح حرياتهم في ممارسة أي أنشطة خارج ساعات العمل، واستخدام قوانين ومحاكم خاصة بها ما يعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان التي تدرسها الوكالة لطلابها بحسب حقوقيين.

 تلك الاتهامات تفندها الأونروا بالقول إن قوانينها قائمة على مبدأ الحياد لذا هي تمنع أي نشاطات "سياسية عُنفية" على حد وصفها، في حين أنها لا تحظر على موظفيها المشاركة في أي فعاليات سلمية لكنها تشترط الإذن المسبق لذلك.

فصل تعسفي

علامات السخط بدت واضحة على وجه الموظف في الأونروا "م.ك" والذي يتحسر على سنوات الخبرة التي قضاها في عمله دون أن يتكمن من ممارسة أي نشاط خارج ساعات دوامه.

"م. ك" الذي فضل ترميز اسمه كون القانون -بحسبه- يحظر عليه أيضا الحديث لوسائل الإعلام دون إذن مسبق لن يحصل عليه  في الكثير من الحالات كما أثبتت الممارسة.

"

موظفون: نمنع من ممارسة أي نشاطات اجتماعية بعد ساعات عملنا

"

وينتظر الموظف السابق أن يحال للتقاعد بفارغ الصبر كي يتمكن من ممارسة هوايته في الكتابة، فهو يرى في نفسه المقدرة على كتابة المقالات والتأليف والترجمة إلا أن كل تلك النشاطات متوقفة على أعتاب وكالة الغوث حتى انتهاء "عقود الملكية".

هاجس الخوف ينتاب العشرات من موظفي وكالة الغوث البالغ عددهم حوالي 33 ألف موظف من المشاركة في أية فعاليات، خاصة بعد تعرض العشرات من زملائهم للفصل والتهديد بالفصل على إثر المشاركة في ناشطات خارج ساعات الدوام.

هاجس الفصل تجاوز الحد السابق ليصل بحسب موظفين استطلعت "الرسالة نت" آراءهم لحد الخشية من التدخل في المشكلات العائلية كي لا تصل الأمور لمراكز الشرطة، ما يجعلهم معرضين للعقاب كما جرى ذلك مع حالات أكدتها عدة مصادر "للرسالة".

وتنص قوانين حقوق الانسان الدولية في الإعلان العالمي والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أحقية كل مواطن في الممارسة السياسية والانضمام لأحزاب وجمعيات ونقابات، كما تعطي الحق في حرية الرأي والتعبير وهذا ما يخالف نص عقود توظيف الوكالة.

"الرسالة" حاولت استرجاع بعض حالات الفصل التي أقدمت عليها "الاونروا" للنظر في خلفياتها والتي كان أحدها بحق معلم اللغة العربية أشرف زايد على خلفية توبيخه لأحد الطلبة وادعاء والده بضربه في بداية الانقسام في القطاع.

ورغم اثبات التحقيقات عدم تعرض الطفل لأي ضرب إلا أن الفصل كان من نصيب زايد بعد حملة إعلامية شرسة ضده تحدثت أن قياديا في كتائب القسام ضرب أحد تلاميذه لخلفيات سياسية كما يؤكد زايد "للرسالة نت".

"

مفصولون: تحقيقات الوكالة لم تنصفنا وفصلنا كان تعسفيا

"

حصول زايد على رتبة المعلم المثالي على مستوى القطاع في ذات العام الذي فصل فيه لم تشفع له، ليخبره في حينها مدير عمليات الوكالة جون كنج في لقاء جمعه به على إثر الحادث أن ضغوطا شديدة تمارس ضد وكالة الغوث من الممولين بحجة وجود إرهابيين في صفوفها بعد صور التقطت له بالزي العسكري في أحد المهرجانات.

الوصول لبعض الحالات والحديث معها لم يكن هينا، عندها علمت "الرسالة نت" أن تسويات أجريت مع بعض الشخصيات من خلال الطلب منهم تقديم استقالاتهم مقابل توظيف أحد أفراد أسرهم.

تلك الحادثة تكررت مع عدة شخصيات بارزة فضلت عدم الحديث لحساسية موقفها أحدها كان قد انضم لأحد لجان الإصلاح بمنطقته ما تسبب بغضب إدارة الوكالة ودعته لتقديم الاستقالة طواعية مع منح ابنه وظيفة بديلة داخل أروقة "الأونروا" ليضطر للموافقة على العرض المقدم.

ولجأت وكالة الغوث للتسويات مع الموظفين حديثا لعدم إثارة البلبلة حولها خاصة بعد عدة حوادث فصل سابقة رفضتها لجان شعبية ومراكز حقوقية.

قانونها مخالف لحقوق الإنسان

الموظف سابقا في وكالة الغوث صالح حمدان طالته أيضا قرارات الفصل في وكالة الغوث بعد شكوى كيدية تقدم بها أحد ضباط المخابرات تفيد بمحاولته ومجموعة السيطرة على أحد الجمعيات الخاصة بالمعاقين والتي تعود ملكية أرضها لوكالة الغوث.

حمدان الذي كان يعمل في التعليم العلاجي بمدرسة في مدينة خانيونس أثبت تواجده في برنامج ألعاب الصيف التي كان يديرها إلا أن ذلك لم يوقف قرار فصله ولم يغير فيه حتى بعد الاستئناف.

ويقول حمدان أن قرار الفصل اتخذ بحقه دون الرجوع لحيثيات الحادث ، "كما أن تقاريري التي تثبت تميزي بالعمل وعدول صاحب الشكوى عنها بعد مراجعات عائلية تمت معه لم تشفع لي عند إدارة الأونروا".

"

عدوان: حرية التعبير والانتماء لأحزاب وجمعيات مكفولة في القانون الدولي

"

طرقنا باب بعض الحقوقيين لمعرفة مدى قانونية ما تفرضه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين على موظفيها خاصة وان جل نشاطاتهم تكون خارج ساعات العمل. المحامي  كارم نشوان الحاصل على درجة الماجستير في حقوق الانسان قال "للرسالة نت" إن الأنظمة التي تعمل بها وكالة الغوث هي أنظمة مخالفة للقانون كون الحق في المشاركة السياسية والتجمعات السلمية والمشاركة في الجمعيات الأهلية حقوق كفلتها كل القوانين الدولية، معتبرا أن المساعدات العينية والوظائف المقدمة لا تعني عدم مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم المشروعة.

وبحسب نشوان فإن التنظيمات الفلسطينية كانت قد وجهت رسالة للمفوض العام للوكالة خلال العام 2004 م بعدم موافقتهم على أنظمة الوكالة.

وتعتبر وكالة الغوث نفسها مؤسسة فوق القانون وتعمل بأنظمة خاصة، كما يذكر نشوان، فهي ترفض المثول أمام القضاء الفلسطيني بحكم المواثيق الموقعة فيما بينها وبين السلطة الفلسطينية وهذا لا ينطبق على كل المؤسسات الدولية العاملة في فلسطين.

لكن الحقوقي سامر موسى محامي مؤسسة الضمير لحقوق الانسان برر ما تقوم به الوكالة بأنه موثق بعقود موقعة مع الموظفين خاصة وأن العقد شريعة المتعاقدين وعقود الوكالة قائمة على قواعد الحياد المتصلة بعمل المنظمات الدولية والموظف يوقع عليها بكامل إرادته.

وأشار إلى أن من يريد الاعتراض لا يفعل ذلك بعد التوقيع بل عليه فعل ذلك قبل الوظيفة واستلام راتبه.

ويعتقد بأن الوكالة يحق لها بموجب عقودها أن تراقب الموظفين كما قوانين السلك القضائي التي تمنع القاضي من الجلوس في المقاهي او الاشتراك في نقابات وذات قوانين العمل التي تمنع الموظف الحكومي من عمل آخر بعد دوامه وهم ارتضوا ذلك.

وبحسب المحامي موسى فإن العقود واضحة وهي منذ نشأة الوكالة ، إلا أن الإدارة هي التي تحدد تلك القواعد وهي مطاطة فتزيد من قيودها متى أرادت وتقللها كذلك في بعض الاحيان.

إلا أن الحقوقي موسى يرى من جانب آخر أنه من المعيب ونحن في هذا القرن أن تقبل الوكالة على نفسها قواعد قانونية تقيد حرية موظفيها خاصة وانها منظمة دولية قائمة على منظومة حقوق الانسان كما أكد سابقوه.

ويشير إلى أن المشكلة العظمى هي عدم خضوع الوكالة للولاية القضائية الفلسطينية ولا يمكن لموظفيها مقاضاتها سوى عبر محاكم داخلية، قائلا: لا أعلم عن مدى حيادية تلك المحاكم في التعامل مع الموظفين بما يضر بمصالح الإدارة.

يتوجب ممارسة الضغط

حادثة أخرى استطاعت "الرسالة نت" الوصول إليها من خلال أحد الموظفين تتلخص في تخفيض الرتبة الإدارية لموظف بعد أن وصلت نسخة لأحد المسؤولين في المؤسسة من كتاب عكف على ترجمته وعرضه في معرض القاهرة الدولي للكتاب بحجة أنه يحمل مضمونا سياسيا ويتعارض مع مبادئ الحياد التي تنتهجها المؤسسة.

"

محام: على السلطة مراجعة اتفاقيتها مع الوكالة والتي تحظر التقاضي في المحاكم الفلسطينية

"

ليظهر السؤال عن علاقة الحياد بحرية الفكر والتعبير خاصة في بلد محتل كفلت الأمم المتحدة حقه بالتحرر بالوسائل المشروعة كافة.

لذا يعتقد د. عصام عدوان رئيس دائرة اللاجئين في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن أي اشتراطات عمل تقيد حرية الانسان تعتبر باطلة، خاصة وأن الحرية في التعبير والانتماء لأحزاب وجمعيات ي مكفولة في القانون الدولي.

وفضلا عن ذلك  يفترض عدوان أن تلتزم وكالة الغوث وتقيد نفسها بقوانين حقوق الانسان التي تستند إليها وتدرسها لطلبتها في المدارس  الابتدائية.

وذهب عدوان لأبعد من ذلك باعتباره أن وكالة الغوث أنشأت خصيصا للاجئين الفلسطينيين على اعتبار أنهم أصحاب قضية ، متسائلا عن كيفية منعهم من ممارسة حق يضمن لهم عودتهم المنتظرة والتي تنص عليها قوانين الوكالة.

ورفض رئيس دائرة اللاجئين مبدأ طلب الإذن في فعاليات هي خارج الدوام خاصة وان العادة جرت بالرفض بل وضع طالب الإذن تحت المراقبة فهو بذلك "يفتح العيون على نفسه".

ويعتقد المحامي نشوان بضرورة ممارسة ضغط من مؤسسات حقوق الانسان والاحزاب السياسية والنقابات العمالية على الوكالة للعدول عن سياساتها، خاصة وان منع موظفيها من المشاركة في الحياة السياسية مخالف للأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة ، مطالبا السلطة بإعادة صياغة اتفاقيتها مع الأونروا كونها غير منصفة.

ويتساءل نشوان لمصلحة من يحرم الموظفون من تلك الأنشطة؟

فيما يذكر الحقوقي بمركز الضمير موسى أن العبء في التغيير يقع على عاتق النقابات العمالية الموجودة في وكالة الغوث للضغط باتجاه تغيير صياغة العقود للتناسب مع حرية الراي والتعبير وكل الحقوق للموظف، بالحراك السلمي خاصة وان ليس هناك ما يضير الوكالة في حال انتمى موظفيها لأحزاب أو عبروا عن آرائهم.

قائمة على الحياد

رئيس اتحاد الموظفين العرب في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين سهيل الهندي لم يسلم أيضا من محاولات التهديد بالفصل والملاحقة بزعم حضوره عدة فعاليات وطنية بحضور قيادات من الفصائل من ضمنها رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية.

 فقد ابلغ في العام 2011م بقرار وقفه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بدون راتب، مع إنذار نهائي إذا واصل نشاطاته النقابية.

الوكالة في حينها تراجعت عن القرار بعد سلسة من الفعاليات الاحتجاجية التي نظمها الاتحاد.

"

حقوقي: عقود الوكالة تعطيها حق مراقبة موظفيها بعد الدوام

"

"الرسالة نت" بدورها حاولت التواصل مع الهندي للحديث حول الموضوع ودورهم في الضغط لتغيير قوانين وكالة الغوث إلا أنه رفض التعقيب على الموضوع بدعوى المحافظة على القوانين والأنظمة الداخلية للعمل.

"الرسالة نت" حملت احتجاجات الموظفين والجهات السابقة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" وتوجهت لعدنان أبو حسنة بصفته ناطقا إعلاميا باسمها والذي نفى بدوره منع الموظفين من المشاركة في اي فعاليات اجتماعية ، مشترطا الحصول على إذن قبل أي فعالية.

وذكر أن مؤسسته تمنع أي نشاطات "سياسية عنفية" ، مبينا أن الفعاليات السلمية لا تمنعها الوكالة على الإطلاق ولكنها تحتاج لإذن.

مصطلح "السياسة العنفية" بدا "للرسالة نت" مصطلحا مستهجنا  فضفاضا لا يصلح في التعامل مع شعب محتل يسعى ويتوق لحريته.

وعند سؤال ابو حسنة عن سبب الإذن وهو خارج أوقات دوامه برر ذلك بأنه موظف أمم متحدة وتسري عليه قوانينها، مشيرا إلى وجود معايير تضعها الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على الحيادية التي يجب أن يتحلى بها موظفو الأمم المتحدة والتي تعد الأونروا احدى مؤسستها.

الحجة السابقة رفضها د. عدوان معتبرا أن موظفي وكالة الغوث ليسوا موظفي أمم فالكلام السابق ينطبق على 240 موظفا دوليا ويتقاضون رواتبهم من ميزانية الأمم المتحدة، فيما يتقاضى بقية الموظفين رواتبهم من التبرعات لذا لا ينطبق عليهم قانون الحياد.

إلا أن أبو حسنة رأى أنه من غير المعقول الحاق الضرر بما يزيد عن مليون لاجئ من خلال إيقاف الدعم الخاص بهم بسبب أحد الموظفين الذي يشغل منصبا قياديا في أحد التنظيمات.

"

الأونروا: قوانينا قائمة على مبدأ الحياد لذا نمنع أي نشاطات سياسية

"

مسؤول بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين -رفض الكشف عن اسمه- قال "للرسالة نت": لا يعقل أن تحوي الاونروا موظفين يعملون في الأجنحة العسكرية للفصائل خاصة وانها تعتمد على تبرعات غالبيتها مقدمة من أمريكا والدول الأوروبية وتلك الدول لها سياساتها واشتراطاتها.

تلك التصريحات رفضها عدوان بدعوى انه لا يمكن التنازل عن مبادئ حقوق الانسان من أجل مصالح جزئية وأموال مشروطة ، معتبرا أن ذلك النهج مرفوض ويحتاج لمراجعة وضغط من مؤسسات حقوق الانسان لفضحه دوليا للتراجع عنه.

وإلى أن  تتحرك السلطة الفلسطينية ومؤسسات حقوق الانسان والنقابات للضغط على وكالة الغوث لتعديل قوانينها، سيبقى موظفوها "وقفا" للأونروا محرومين من أبسط حقوقهم التي كفلتها لهم القوانين الدولية حتى بلوغهم سن التقاعد.

 

اخبار ذات صلة