أبحر الفلسطينيون على متن قارب "حكومة الوفاق الوطني" فرحين بالنجاة من الغرق في بحر الإنقسام المظلم.
مضت الحكومة قبل نحو 10 أيام دون الكشف عن وجهة واضحة, وحملت في حقيبتها بعض الملفات السوداء التي قد تخرق القارب ولن ينجو أحد منها .
تعامل رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة رامي الحمدالله بانتقائية في تطبيق ملفات المصالحة, ودقوا أول الأسافين في القارب بافتعال أزمة الرواتب.
تشكلت الحكومة ولم يعقد التشريعي بالتزامن, صرفت رواتب حكومة رام الله السابقة ولم تصرف رواتب حكومة غزة السابقة, استعدت لجنة الإنتخابات لإجرائها ولم تطلق الحريات في الضفة!
محللون سياسيون أجمعوا في أحاديث منفصلة لـ"الرسالة نت" على أن أزمة الرواتب التي توفر لقمة العيش للموظفين الفلسطينيين قد تنسف المصالحة. غير أن فرص الحل موجودة إذا ما توفرت الإرادة.
واعتصم مئات الموظفين من حكومة غزة السابقة أمام بنوك القطاع وعطلوا صرف رواتب حكومة رام الله السابقة مطالبين بالعدالة والمساواة فأغلفت البنوك أبوابها ولم يتقاض أي من موظفي الحكومتين السابقتين رواتبهما.
د.فايز أبو شمالة الكاتب والمحلل السياسي, قال إن تصرفات حكومة الوفاق استفزازية وتهدف لإفشال المصالحة كما أنها زادت عن حد التعامل بانتقائية.
"أبو شمالة: عباس ليس لديه رغبة حقيقية في طي الإنقسام, وشل حياة الموظفين خير دليل
"
وأضاف: "رئيس السلطة محمود عباس ليس لديه رغبة حقيقية في طي الإنقسام, وشل حياة الموظفين في غزة وتركهم بلا رواتب أكبر دليل على نواياه".
وأوضح أبو شمالة أن من يرفض إطلاق الحريات في الضفة والدعوة لعقد المجلس التشريعي وصرف رواتب الموظفين بالعدل لا يريد وحدة فلسطينية حقيقية.
وتابع: "عباس والحمدالله سيتماديان في كل شروطهما حتى لو حماس أعطت الموظفين رواتب من ميزانيتها التنظيمية سيخرج في الغد بإجراءات استثنائية أخرى وسيقول لا حكومة توافق تعمل في غزة حتى يسلم القسام سلاحه".
وأشار أبو شمالة إلى أن عباس تفاجأ بتنازلات حماس لطي الإنقسام فتمسك ببعض التعيينات في الحكومة ووظيفة قاضي قضاة فلسطين, مؤكدا أن الشعب الفلسطيني سيحاسب فتح وعباس بالصناديق على ممارساتهم.
"البسوس: لم تتفاهم حماس وفتح على المسائل التفصيلية وآلية التنفيذ معقدة واصطدمت بعقبات
"
أما د. هاني البسوس المحلل السياسي, رأى أن وجود الخلافات بين حماس وفتح حتى اللحظة الأخيرة قبيل إعلان حكومة التوافق الوطني خير دليل على صعوبة المرحلة القادمة.
وأضاف: "التفاهم على الكثير من المسائل التفصيلية لم يكن واضحا وناضجا وآلية التنفيذ معقدة واصطدمت الحكومة بأول عقبة والآن تعيش أمام أزمة كالمواطن والموظف".
وأكد البسوس أن أزمة الرواتب المتفاقمة قد تؤدي لانفجار المصالحة, محذرا من الإتهامات المتبادلة بين حماس وفتح.
ودعا للجلوس تحت سقف المصالحة من جديد وإنهاء الخلافات بشأن الرواتب وغيرها بعيدا عن توتير الأجواء في ظل تردي الحالة الإنسانية في غزة. قائلا: " يجب إعادة الاتصالات ودفع رواتب الموظفين كافة".
واستطرد البسوس بالقول: "ما نزال في الانقسام وهناك حالة من الغليان والعودة لما قبل حكومة التوافق ستكون له نتائج كارثية على الفلسطينيين والحل الأمثل التوافق من جديد ولا يجوز التفكير بالرجوع للوراء".
واتفق المحللين أبو شمالة والبسوس على أن حل مسألة الرواتب ليس مستحيلا, وقد يبدأ بصرف سلف عاجلة للموظفين في حكومة غزة السابقة لحين انتهاء الحوارات بين حماس وفتح بشأن هذه القضية.
وحث أبو شمالة حركة حماس على دعوة فصائل "م.ت.ف" لاجتماع عاجل وإطلاعها على ما يجري والحديث بعمق عن الأزمات التي يحاول عباس والحمدالله خلقها لأنها لم تعد قائدة العمل السياسي في غزة.
ويخطف مسلسل الاعتقالات السياسية والاعتداء على مسيرات التضامن مع الأسرى في الضفة أنظار الجميع, وقال البسوس: "استمرار الاعتقالات بعد الحكومة أمر مؤسف ويجب الإفراج عن جميع المعتقلين ووقف الإنتهاكات للحريات في الضفة".
"المدهون: عباس يحمل نوايا إقصائية لحماس لإخراجها من المشهد السياسي بصورة غير لائقة
"
إبراهيم المدهون الكاتب والمحلل السياسي اتفق مع المحلل أبو شمالة على أن الرئيس عباس يحمل نوايا إقصائية ويريد ابتزاز حماس لأقصى درجة حتى يتم إخراجها من المشهد السياسي بصورة غير لائقة وتجريدها من جميع أوراق القوة.
وقال: "عباس يظن أن حماس ذهبت للوحدة من موقف ضعف وهذا غير صحيح لأن بيدها مفاتيح الحرب والتهدئة مع الاحتلال ، وتتمسك بالقضايا الوطنية الكبرى وتحظى بقيادة متماسكة وموحدة".
وتوقع المدهون حل أزمة صرف رواتب الموظفين قريبا دون القفز عن حقوق أحد لكن الأيام المقبلة تحمل الكثير من التخوفات. مضيفا : "إذا لم تحل القضية وتعترف حكومة الحمدالله بالموظفين ويتم مساواتهم بنظرائهم قد تنحرف الأمور نحو الفوضى".