هرولت حماس نحو المصالحة الفلسطينية وعانقت فتح بعد أن عضت على جراح الانقسام أملا في أن تضمدها حكومة الوفاق الوطني التي ولدت قيصريا, فلم تكن حسابات البيدر كحسابات الحقل, وعادت مشاهد القمع والملاحقة الأمنية وكبت الحريات للواجهة من جديد بالضفة!
لجوء الحكومة الوليدة للتمييز بين الموظفين في غزة والضفة بصرف الرواتب, وغض الطرف عن العصا الأمنية الثقيلة التي أنهكت الصحفيين والمتضامنين مع الأسرى يثير قلق حماس ولجنة الحريات الفلسطينية والمراقبين للواقع الإقصائي الجديد.
فتحي القرعاوي النائب عن كتلة حماس البرلمانية أكد في حديث لـ"الرسالة نت" أن الحريات مفقودة في الضفة منذ الانقسام قبل سبعة أعوام وحتى بعد المصالحة وتشكيل حكومة التوافق.
وقال إن "هامش الحريات النقابية والسياسية والتضامنية وصل لأدنى مستوى لأن السلطة لا تريد أن ترى في الشارع لونا غير لونها أو صورة غير صورتها ولا أن تسمع صوتا غير صوتها وهذه هي العقدة الحقيقية".
وتمنى القرعاوي أن يقرأ رئيس الوزراء رامي الحمد الله الواقع في الضفة جيدا ويبدأ بتسوية واقعية تزيل الفروقات في التعامل مع ألوان الطيف الفلسطيني لأن حماس ذهبت للمصالحة بنوايا صادقة وقدمت الكثير لترى الاتفاقية الأخيرة النور.
وأضاف: "نريد أن تعطي الحكومة بوادر حسن نية لكل الفلسطينيين ولا تكون حكومة الحزب الواحد لأن هذا السلوك سيحدث مزيدا من خيبة الأمل لدى الشارع".
ودعا القرعاوي الرئيس محمود عباس للخروج عن صمته حيال القمع الأمني للصحفيين والمتضامنين مع الأسرى ووقف التمادي في سحق الحريات التي تعد المدخل الأساسي لأي وحدة فلسطينية قوية.
خليل عساف رئيس لجنة الحريات العامة في الضفة قال في حديث لـ"الرسالة نت" إن الاعتداء على الحريات ليس موضوعا بسيطا ويؤثر على تطبيق ملفات المصالحة بصورة سلسة, مؤكدا أن الانقلاب على الوحدة الفلسطينية يخدم "الاسرائيليين".
وأضاف: "الحكومة الإسرائيلية وأذرعها كافة اجتمعت لمعاقبة الفلسطينيين بعد إعلان الوحدة ومن يريد أن يعيدنا للانقسام يريد أن يخدم الاحتلال فليخدمه بشكل مكشوف ولن يرحمه التاريخ".
وشدد عساف أن الاعتداء سواء على الأشخاص أو القانون أمر مرفوض, داعيا النخب السياسية والأحزاب أن تخرج عن حالة الصمت وتقول كلمتها بوضوح أمام كل ما يجري في الضفة.
واستطرد بالقول: "فلسطين واحدة تمثلها حاليا حكومة واحدة ورئيس واحد ومطلوب من أجهزة الأمن وقف الاعتداءات على الحريات العامة".
وأوضح أنه ليس من صلاحيات لجنة الحريات تشكيل لجان تحقيق فيما يجري من قمع لأنها أعمال يومية ومتزايدة وتثير الشك والريبة لأن البعض لديه مصلحة ببقاء الانقسام.
النائب القرعاوي أكد أن كثير ممن يجري التواصل معهم لوقف الجرائم الأمنية يكونوا شركاء في قمع المواطنين والصحفيين والمتضامنين مع الأسرى.
وأشار إلى أن وفدا من النواب زار مجموعة ممن جرى تعيينهم بمنصب محافظ وتعهدوا بمنع انتهاك الحريات ولكن المفاجأة في أن بعض الأشخاص الذين يجري اعتقالهم يمدد توقيفهم في سجون السلطة على ذمة المحافظ نفسه الذي يدعي أنه حريصا على الحريات!
وتابع القرعاوي: "كثير من المعتقلين السياسيين خسروا جامعاتهم وهم على أعتاب التخرج لأن أمهاتهم أو شقيقاتهم شاركن في الاعتصامات المطالبة بالحرية للأسرى في سجون الاحتلال أو المعتقلين على خلفية سياسية".
لمى خاطر الكاتبة والناشطة السياسية أكدت أن حالة القمع المستمرة كانت تحصل دائما فور توقيع أي اتفاق مصالحة بهدف تأجيج الساحة الفلسطينية وإفشال الجهود الرامية لطي الانقسام.
وقالت خاطر لـ"الرسالة نت" إن حركة فتح وأجهزة السلطة الأمنية تنتقي من المصالحة ما يناسبها وتتنكر لجميع الاتفاقات الموقعة في الغرف المغلقة وتخرج للإعلام لتهاجم الطرف الآخر.
وأضافت أن حركة فتح تتمسك بمشروع السلطة للانتفاع ونفع عناصرها فقط وهذا ترجمته خطوتها على أرض الواقع عندما أقدمت على صرف رواتب موظفي حكومة رام الله السابقة وتجاهل موظفي حكومة غزة السابقة في خطوة تنسف كل القيم.
وعزت خاطر عدم إطلاق الحريات في الضفة بعد المصالحة إلى عدم تناسب هذه الخطوة مع واقع حركة فتح والإملاءات التي يفرضها الاحتلال "الاسرائيلي" عليها.
وأوضحت أن التضييق وقمع الرجال والنساء والصحفيين يذكر ببدايات الانقسام وليس بدفن تلك المرحلة إلى الأبد, مشيرة إلى أن الاعتداءات تتركز في هذه الأيام على المتضامنين مع الأسرى في جريمة وطنية ترتكب في وضح النهار ودون أي خجل!
ورأت خاطر أن الحكومة الجديدة وفتح تأمل أن تقود عمليات القمع والاعتقالات إلى إقصاء حماس وإجبارها على تقديم مزيد من التنازلات السياسية والعسكرية والأمنية التي تريدها "إسرائيل" والدول الأوربية لضمان تدفق المال إلى جيوب السلطة الفلسطينية.
وتوقعت فشل جهود وضع حماس في الزاوية عبر القمع والتغول الأمني واعتقال القيادات لإخراج الحركة من المشهد السياسي بعد تركها الحكم طواعية في غزة ليتحقق حلم الفلسطينيين بالوحدة.
وذكرت خاطر أنه ليس لدى حماس ما تخسره وحشرها في الزاوية بهذا المستوى غير المسبوق قد يفجر الأمور نحو تصعيد العمل العسكري ضد الاحتلال "الاسرائيلي" لأنه المخرج الوحيد من الواقع المؤلم.
رمادية المشهد السياسي تدفع الفلسطينيين لقطف الزهور ونزع أوراقها واحدة تلو الأخرى ولسان حالهم يردد : "في مصالحة .. ما في مصالحة.. ليعرفوا مصير حلمهم عند نزع آخر ورقة"!