غزة/ لميس الهمص
ما أن يطل شهر رمضان المبارك، حتى يحمل معه العديد من المهن التي اقترنت به، والتي يتغلب بها الغزيون على فقرهم وتشكل مصدر رزق لهم في ظل تفشي البطالة والغلاء نتيجة الحصار وارتفاع الأسعار.
فمن بيع القطايف إلى العصائر والمخللات والفوانيس وصولا إلى المسحراتي الذي يكسر سكون الليل بصوته وطبله.
أكلة أساسية
لا يكاد يخلو شارع في مدينة غزة من بائعي القطائف الذين أخذوا مساحة من قارعة الطريق لينصبوا عدتهم استعدادا للبيع، فلم تقتصر تلك المهنة على محلات بيع الحلويات فحسب بل تتخذها العديد من المنازل كمهنة لها في شهر رمضان يشارك فيها جميع أفراد الأسرة.
محسن علي وهو أحد العاطلين عن العمل ذكر أن شهر رمضان المبارك هو فرصة مناسبة له للعمل في بيع القطائف التي يتقن صنعها، ولذلك فهو يستفيد وعائلته من قدوم الشهر.
ويذكر علي أنه ينصب بسطته وعدة بيع القطايف التي يمتلكها منذ عدة سنوات على باب منزله ويمارس مهنته التي يجني منها المال للإنفاق على عائلته المكونة من ستة أفراد.
وأشار علي إلى أن مهنته موسمية فلا يوجد عليها إقبال سوى في هذا الشهر كون القطائف سيدة الحلويات الرمضانية وتقليدا وتراثا من تقاليد رمضان المتوارثة من الأجداد والآباء .
مهن أخرى
في إحدى زوايا سوق الزاوية وعلى عربة صغيرة يقف شاكر حسن يبيع عصير الخروب والتمر الهندي والعرقسوس عله يجني بعض النقود التي يستفيد منها لدفع رسومه الجامعية مع بداية الفصل الجديد.
ويقول شاكر بأن العصائر التي يبتاعها بالرغم من توفرها على مدار العام إلا أنها تتميز بخصوصية في شهر رمضان ، ويحرص الصائمون على شربها في موعد الإفطار لذا يزداد الإقبال عليها.
ويضيف: أسعار هذه العصائر والمشروبات لا تزيد عن عدة شواكل تجعلها في متناول الجميع لذلك يكون التهافت عليها كبيرا وخاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة كي تخفف من تبعات العطش اليومي وجفاف الحلق بعد صوم يوم طويل .
ووسط زحمة السوق يجلس أبو أمجد خلف بسطته و أمامه براميل المخلل بأنواعها ، من الخيار والزهر والفلفل والباذنجان والجزر تفوح روائها بحيث لا يستطيع الصائمون مقاومتها، فتدفعهم للشراء لتكون من أساسيات الموائد الرمضانية.
وأوضح أبو أمجد أن المخللات يزداد الطلب عليها بشكل كبير في رمضان فلا تخلو منها أية مائدة إفطار، مبينا أنه استعد لشهر رمضان قبل أسابيع من قدومه بتجهيز تلك البراميل في المنزل هو وزوجته لتكون مصدر رزق له في الشهر الكريم.
مهن بديلة
العديد من المواطنين حرصوا على ترك مهنهم الأساسية إلى مهن بديلة في شهر رمضان تدر عليهم ربحا أكثر. فمحمد 17 عاما ترك مهنة الميكانيكا مؤقتا في هذا الشهر ليبيع المواد الاستهلاكية، ويقول لـ"للرسالة": رمضان بالنسبة لنا فرصة ننتظرها بأحر من الجمر، فهو موسم التجارة، فبعض الغزيين يتفننون في موائد الإفطار إلى درجة الإكثار من الأكلات والأطباق، ونحن نغتنم هذه الفرصة حيث يكثر الطلب على منتجات ذات صلة مثل: السمبوسة، والقطائف والأجبان بأنواعها، علاوة على المكسرات والبهارات .
وعن سبب تركه مهنته يقول: "لا مجال للمقارنة بين دخل الميكانيكا في رمضان وببيع تلك المنتجات، ومن الصعب أن أترك هذه الفرصة تمر دون اغتنامها فيجب أن نكون كالبدو الرحل نعيش مع الظروف والمناسبات ونبيع حسب الطلب لكي نستطيع العيش في غزة".
محمد واحد ضمن آلاف الشباب الذين تجدهم يصطفون في شوارع سوق الزواية، ويعرضون منتجاتهم الرمضانية بشكل جذاب للمارة .
محمد ليس الوحيد الذي يبدل مهنته في رمضان فأبو العبد الموظف يعمد إلى أخذ أجازة السنوية كل عام في شهر رمضان الذي يقضيه هو وعائلته في صنع القطايف وبيعها حيث يجني ربحا كبيرا من جراء تلك المهنة التي اشتهر بإتقانها بين الناس مما جعل زبائنه يتوزعون على مناطق مختلفة.
يشق الظلام
أما المهنة الموسمية المرتبطة برمضان "المسحراتي" فهي شخصية بات لها حضورها التاريخي وبعمق في جميع أحياء قطاع غزة، فهو الذي يوقظ الناس من نومهم لتناول طعام السحور، مردداً عبارات دينية وتواشيح خاصة بالشهر الفضيل، ينطلق صداها ليشق السكون الذي خيم على ليالي غزة.
ويقول أبو محمد أن شهر رمضان بالنسبة له من أحب الشهور لما فيه من خير وبركة.. ويضيف: "منذ عدة سنوات وأنا أتجول على الأحياء كمسحراتي"
ويتابع: مهنة المسحراتي لم تعد كالسابق. التكنولوجيا الحديثة حجمت من مهامه، فظهور الجوالات والساعات المتطورة والمنبهات ساهمت في خفوت بريقه لكنها مع ذلك مهنة لها وقع خاص وخصوصية كبيرة فصوت المسحراتي لا تعوضه الساعات الناطقة.
مهنة المسحراتي تعتبر فاكهة رمضان وطقساً رئيسياً من طقوس الشهر الفضيل، والتي لم تعد تقتصر على سن معين فدخل الشباب أيضا على الخط الرمضاني وصاروا يخرجون في جماعات "لتسحير" الصائمين. كلها مهن حاضرة اليوم لكنها تغيب مع رمضان وننتظرها العام القادم.