غزة- عدنان نصر
يندب الرئيس الأمريكي براك أوباما حظه العاثر لعدم تحقيق أهداف مرجوة في "لعبة الانتظار" المنعقدة منذ الرابع من حزيران الماضي، ما دفعه لإرسال ثلاثة لاعبين ذوي خبرة هذا الأسبوع في جولة مكوكية للشرق الأوسط، لجس نبض خصمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يرفض تبييض وجه أوباما أمام العالم فيما يتعلق بتجميد الاستيطان.
ويضم الوفد الأمريكي وزير الدفاع روبرت غيتس، ومستشار الأمن القومي جيمس جونس، ومبعوث الشرق الأوسط جورج ميتشل.
ويرهن نتنياهو تسوية الحل النهائي مع الفلسطينيين بتبديد مخاوفه من امتلاك إيران للسلاح النووي، كما يطمح إلى تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وجميع دول المنطقة كشرط أساسي لتجميد الاستيطان، وهو ما رفضه الأمين العام للجامعة العربية د. عمرو موسى بعد لقاء ميتشل مع الرئيس المصري حسني مبارك.
وكان نتنياهو أعلن بصراحة منذ توليه سدة الحكم في أواخر مارس الماضي عن رغبته في أن تحتل أية محادثات مقبلة الملف الإيراني، وردا على ذلك أبلغه فريق أوباما بضرورة معالجة القضية الفلسطينية بالتوازي حتى يسود الاستقرار في المنطقة.
** خلاف قديم
وكانت الإذاعة الإسرائيلية ذكرت أن جورج ميتشل توصل مع الساسة الإسرائيليين إلى اتفاق بشأن تجميد الاستيطان تغض الولايات المتحدة النظر بموجبه عن استكمال أعمال البناء في المشاريع الاستيطانية التي بلغت مراحل متقدمة.
وبحسب ما نقلته الإذاعة العبرية– فإن ميتشل اقترح خلال اللقاء إطلاق مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية مفتوحة لمدة 18 شهرا للتوصل إلى تسوية سلمية ثنائية، وأشارت المصادر إلى أن الجانب الأميركي يسعى أولا إلى اتفاق ترسيم الحدود النهائية للدولة الفلسطينية على أن يتم بعدها التعامل مع موضوع الاستيطان.
وتشير تكهنات المراقبين إلى أن جولة المبعوث الأمريكي ميتشيل للمنطقة ما هي إلا محاولة لاستطلاع آراء الأطراف المختلفة قبل أن يصيغ الرئيس الأمريكي وجهات النظر المختلفة في إطار خطة خاصة لإحلال السلام المنشود.
ورغم لغة الشجب والتنديد التي يرددها أوباما لرفض نتنياهو تجميد الاستيطان، إلا أنه في حقيقة الأمر لا يعارض بناء المستوطنات، ولا يريد استفزاز حليفته في الشرق الأوسط التي ُتشيد المستوطنات في الضفة الغربية منذ 40 عاما دون أن يجرؤ العرب على منعها - كما يقول البروفسور عبد الستار قاسم الخبير في الشئون السياسية:" الخلاف الأمريكي – الإسرائيلي قديم جدا، وزادت وتيرته في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون الذي قرر عدم منح "إسرائيل" ضمانات مالية بسبب استمرارها في سياسة الاستيطان، في حين أن غيره من الرؤساء الأمريكيين لم ينتقدوا الاستيطان، أو يتخذوا أية إجراءات بشأنه."
ويشير الدكتور سعيد زيدان المحلل في الشئون الإسرائيلية إلى أن أوباما يسعى لتحريك عجلة السلام بين الفلسطينيين، والإسرائيليين بالتزام الدول العربية، لذلك يرى أن التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية عقبة في قيام الدولة الفلسطينية، وجهود الأطراف الإقليمية الساعية لٍٍٍٍٍٍحل الصراع العربي – الإسرائيلي.
********** استهلاك للوقت
في المقابل فان الخلاف بين أوباما ونتنياهو بشأن الاستيطان لن يحقق شيئا للفلسطينيين ما دامت المواقف العربية لا تحرك ساكنا أمام الضغوطات المتزايدة من الإدارة الأمريكية للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ومهما بلغ جوهر الخلاف بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية فإنه لن يؤثر مطلقا على الملف الفلسطيني، فقوات الأمن تسخر كل قواها لحماية الأمن الإسرائيلي الذي يهددها بقطع الرواتب، لذلك لن تتجرأ السلطة الفلسطينية على زحزحة الأمور.
وفي حقيقة الأمر فإن الخلاف الأمريكي- الإسرائيلي جارٍ منذ 30 عاما بشأن قضية الاستيطان، فقد وصفه الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر بغير الشرعي، ويعرقل أي تقدم ملموس في عملية السلام بين العرب والإسرائيليين.
ويؤكد المحلل زيدان أن أوباما استند لموقف القانون الدولي من الاستيطان الذي اعتبر أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس يعد خرقا للقانون الدولي والمواثيق الدولية وفق البند 49 لاتفاقية جنيف الرابعة.
ويقول زيدان: الإدارة الأمريكية ترى أن الاستيطان يتناقض مع روح العملية السلمية لتسوية الوضع النهائي" القدس، اللاجئون، الاستيطان، الحدود، الأمن والمياه"، لذلك تسعى لكبح جماحه.
ومن المؤكد أن جهود واشنطن الدبلوماسية المكثفة فشلت في إقناع "إسرائيل" بتجميد أعمال الاستيطان، بيد أن حديث ميتشل ونتنياهو ِأمام الصحفيين عقب اللقاء الذي جمعهما في القدس المحتلة كان غامضا حيث اكتفى المبعوث الخاص بعبارة "لقد حققنا تقدماً"، فيما خلت تصريحاتهما من أية إشارة إلى مسألة الاستيطان.
وذكرت وسائل الإعلام العبرية أن نتنياهو اقترح على ميتشل تجميد البناء في المستوطنات لثلاثة أشهر باستثناء المشاريع التي ما زالت قيد الإنشاء،على أن يتبع ذلك خطوات عربية تطبيعية تجاه إسرائيل. وأشارت المصادر إلى أن ميتشل فشل في تحقيق تقدم خلال مباحثاته مع نتنياهو بشأن الاستيطان، لكنه راوغ بتصريحاته.
ويصف قاسم زيارة الثلاثي الأمريكي للمنطقة بأنها متكررة ومبتذلة ولن تقطف ثمارها، وتهدف لاستنفاذ الجهد الفلسطيني، فالولايات المتحدة لا تحترم الحقوق الفلسطينية ولم تطرح حلولا منذ عام 1976م، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية لن تحقق مكاسب على أرض الواقع، لأن أوباما يسعى لاستهلاك الوقت مع الفلسطينيين، باعتبار أن إماطة الوقت ستجبرهم على مزيد من التنازلات في نهاية المطاف.
ولا تختلف وجهة نظر زيدان عن سابقه ويقول متهكما: "الخلاف بين أمريكا وإسرائيل لن يجدي نفعا للفلسطينيين الذين يعانون ويلات الانقسام، ويجب إعادة ترتيب البيت الفلسطيني أولا، فأمريكا غير جادة بما أثارته من عاصفة حول الاستيطان."
ويضيف "الموقف العربي والفلسطيني لا يبث روح الأمل، ويجب ألا نعول كثيرا على الموقف الأمريكي وان كان يشهد حراكا أكثر من الماضي فهو لا يكفي لحل قضايا الصراع العربي- الإسرائيلي."