قائمة الموقع

الشهيد "الزاملي" أجّل حفل زفافه ليكون في الجنة!

2014-07-09T07:34:58+03:00
آية في وداع خطيبها عبد الرحمن
الرسالة نت – محمود فودة

في طريق عودة آية إلى منزلها بعد انتهائها من شراء ما تبقى من "إجهاز الفرح", الباقي على عمره أقل من شهر, كتبت بحروف الحب رسالة نصية من جوالها لخطيبها عبد الرحمن لتصل إلى هاتفه ومفادها " انتظرك في المنزل لترى ما جلبته اليوم, لتشاركني فرحتي بما اشتريت".

هل أجاب عبد الرحمن على رسالة من رقم عنوانه "حبيبتي"؟ هل قال نعم سآتي؟, هل شاركها فرحتها؟, للأسف!! انتصف ليل الألم, ولم يأتِ عبد الرحمن  فدعت ربها بعد أن ألقت برأسها على وسادة النوم, أن يطل عليها مساءً آخر وهي بصحبة خطيبها جالسين في فناء منزلها تقلب قطعة القماش تلك وتعرض أخرى.

صدمة الفراق

لم تغفو عينا آية إلا بضع ساعات حتى أفاقها خبر إستشهاد خطيبها عبد الرحمن جمال الزاملي (22عامًا), تمنت لو أنه كان كابوسًا ينتهي بمجرد تباعدت جفونها عن بعضهما, إلا أنها كانت الحقيقة, لا بل الصاعقة التي أحالت لحظات الفرح إلى حزن في ثوانٍ معدودة .

ثقيلة هي الليلة التي مرَت على "رفيقة الشهيد" , في إنتظار بزوغ شمس يوم الاثنين لتهرول مسرعةً, برفقة أمها ووالدة عبد الرحمن, إلى مستشفى أبو يوسف النجار حيث يرقد الحبيب , ليتكون "مثلث الحب " عبد الرحمن بجوار خطيبته وأمه.

ما استطاع أحدٌ من الحضور تحمل ألم مشهد تسمر آية أمام عبد الرحمن المسجى في ثلاجة الموتى, وكأنه التقاء الأحبة بعد طول غياب! فآهات الأم على فراق فلذة كبدها جال صداها في عيون الحاضرين, ودمعات الفتاة على رحيل "الغالي عبد الرحمن" سرى على خدود المدعوين. 

صوت خطيبته كاد أن يختفي بعد جولات من البكاء منذ أن صدمت بخبر إستشهاده تقول لـ"الرسالة ": "عبد الرحمن حياتي كلها, هو الأخ الحنون والحبيب, تركني عبد الرحمن ذهب ولن يعود, ربنا ينتقم ممن أحرق قلبي بفراق حبيبي عبد الرحمن".

الشهيد الحي

محاريب العبادة والجهاد تشهد للمسات عبد الرحمن الدائمة, كثرٌ هم من شهدوا له بالزهد في العبادة, والإقدام والشجاعة في مواطن القتال, حتى قال أحدهم: هو ممن ينطبق عليهم فعلًا قول "رهبان في الليل, فرسان في النهار" .

أم عبد الرحمن التي لم يمر على إنجابها مولودة جديدة إلا أيام معدوادت, ليتلقي ألم الميلاد مع لوعة الفراق تقول لـ"الرسالة": "حبيبي عبد الرحمن منذ نعومة أظفاره لا أتذكر أنه قطع صلاة في جماعة إلا لعذر قاهر", "فهو لم يترك ميدانًا فيه خدمة الإسلام والوطن إلا وتجده فيه".

"لن يستطيع عبد الرحمن أن يشهد بقية أيام رمضان, التي ترقبها منذ شهور, في كل رمضان يقضي جُل وقته معتكفًا في المسجد, ومن ضمن إنجازات العشر أيام الأولى ختم القرآن الكريم مرتين منذ بداية شهر رمضان المبارك"، تكمل أمه.

 شقيقه مؤمن الذي يصغره سنًا, الأقرب إلى قلب أخيه الشهيد, قاطع حديث أمه قائلًا:" سيفتقده المسجد في العشر الأواخر من رمضان, بما أنه أحد القائمين على خدمة المعتكفين وأحرصهم إلى ألا يفوته أي ركعة تهجد".

لن تفرحي فيَ

الحصار الذي حال بينه وبين إكمال شقته التي أمل أن تكون عشا بسيطًا للزوجية, يجتمع فيه مع شريكة حياته(...), الشاب يحيى أحد الأصدقاء المقربين من الشهيد قال لـ "الرسالة نت" أن عبد الرحمن منذ فترة يبحث عن كمية قليلة من "الإسمنت", ولم أسمع منه في أي مرة أي تنفر بل يحمد الله دومًا على إبتلاء الحصار, متفائلًا بقرب انتهائه".

وبالعودة إلى الدته التي وجدناها قد سرحت بعيدًا عن الجو الذي يعمه السواد, وكأنها تتخيل دخول ابنها البكر إلى المنزل وينتهي حزنها مضيفة لـ" الرسالة نت", خلال الأيام القليلة الماضية أزعجني عبد الرحمن بتكراره بكلماته : "والله ما تلحقي تفرحي فيَ, أنا مش مطول هان".

رحل عبد الرحمن دون أن تحقق أمه حلمها, بأن يتزين العريس عبد الرحمن ببدلة الفرح وقد جلس لجوار عروسته, هي أمه أيضًا التي أعدت في مخيلتها جدولًا لفرح "لم تشهد رفح مثله" والذي كان مقررًا في أول أسبوع من شهر أغسطس القادم, إلا أنها فعلًا شهدت جنازةً "لم تشهد رفح مثلها" وفق قول والده .

وداع وارتقاء

عبد الرحمن ارتقى إلى العلا برفقة أربعةً من رجال القسام هم جمعة أبو شلوف, وإبراهيم البلعاوي,  ومصطفى أبو مور وخالد أبو مور, خلال عملهم في أحد أماكن المقاومة الفلسطينية شرق محافظة رفح, بعد قصف "إسرائيلي" باغتهم فجأةً ليتراكموا فوق بعضهم تحت تراب الأرض التي عشقوها ودافعوا عنها.

خلف كل واحد منهم قصة ألم وأمل, إبتداءً بالشهيدين الشقيقين التوأم مصطفى وخالد, اللذان عاشا الحياة بأدق تفاصيلها معًا, لم يفرقهما حتى الموت! , فاجتمعوا في الميلاد والممات, ليلاقيا ربهما سويًا, وليس إنتهاءً بالشهيد جمعة أبو شلوف الذي أنهى تمتماته لأحد أصدقائه- قبيل إستشهاده بيومين فقط- ردًا عن موعد إرتباطه بشريكة حياة " قريبًا جدًا إن شاء الله, وأنت الذي ستزفني", علًها كانت زفة ولكن من نوع آخر!.

عشرات الآلاف من سكان محافظة رفح انتفضوا للمشاركة في جنازة تشييع الشهداء المقاومين إلى مثواهم الأخير, لم يمنعهم صيامهم, وشدة حرارة الجو التي انعكست على وجههم, التي تصببت عليه العرق.

رحل ولكن..!

بات عبد الرحمن ليلته الأولى في قبره, بعد أن نال مراده, الذي ألح في طلبه, وكان طلبه الأوحد من جميع من رأته عيناه" أدعيلي بالشهادة", ليترك أمه توصل الليل بالنهار بكاءً على "الغالي عبد الرحمن", تاركًا خلفه جامعته التي أخذ الجهاد في سبيل الله مكانها في سلم أولوياته. 

رحل عبد الرحمن تاركًا خطيبته التي أخفت الدموع سبيل الفرح في حياتها, بينما لسان حالها يقول : "تركتني أغني تراتيل الحب والموت,  لن نشتري هذا العيد حلوى, فأي مذاق سيمحو مرارة الفراق ؟! فقط سأهديك طوق الياسمين, سلام عليك في الخالدين".

 

اخبار ذات صلة
فِي حُبِّ الشَّهِيدْ
2018-04-21T06:25:08+03:00