أظهرت المقاومة الفلسطينية قدرات غير متوقعة خلال حرب "العصف المأكول" التي لاتزال مستمرة على غزة لليوم الثامن على التوالي. فالتكتيكات التي أظهرتها على جميع المستويات تبيّن مدى الاستعداد المحكم للمواجهة.
متخصصون أكدوا لـ"الرسالة نت" أن الجهوزية العالية للمقاومة لم تقتصر على جانب دون الآخر، مشيرين إلى أنها نجحت في الاختفاء عن عيون طائرات الاحتلال، ووجهت ضربات عبر البحر، واستهدفت كذلك آليات المتركزة على طول الحدود مع غزة.
المختص في الشأن الإسرائيلي الدكتور عدنان أبو عامر اعتبر أن عنصر المفاجأة أهم ما تميزت به المقاومة في هذه الحرب، خاصة كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس. مؤكدا أنه زاد ارتباك الاحتلال، وعزّز في المقابل، الجبهة الداخلية بقطاع غزة.
وأشار أبو عامر إلى أن مفاجآت المقاومة مهمة جدا لزيادة إرباك الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولتأكيد فشل الجهاز الاستخباراتي لدى الاحتلال، الذي شكّل ذلك صدمة قوية للقيادتين السياسية والعسكرية.
واتفق حسن عبدو الباحث في الشؤون الاستراتيجية مع أبو عامر، في امكانيات المقاومة وتطويرها على الصعيد المادي والبشري. وأكد أن المقاومة قادرة على تقديم مزيد من المفاجآت.
ولفت إلى أن منظومة المقاومة انتقلت من مرحلة التصنيع البدائي والعمل وفق طرق اطلاق الصواريخ البدائية التي كانت مكشوفة للاحتلال، إلى مرحلة متقدمة من التصنيع ونقل الصواريخ إلى منصات اطلاقها، بعيدا عن أعين الاستخبارات الإسرائيلية.
ويعيش الاحتلال وفق عبدو؛ حالة من الصدمة الحقيقية جراء التكتيك العالي الذي تستخدمه المقاومة، الأمر الذي دفع المستوى العسكري في (إسرائيل) إلى إلقاء اللوم على المستوى السياسي واتهامه بالفشل في جمع المعلومات الاستخباراتية عن المقاومة.
وأوضح أن الاحتلال يحاول تغطية فشله في تحقيق أهدافه المنشودة من الضربات الجوية، بالتهديد بعملية برية يحاول من خلالها إرباك الفلسطينيين.
وفي معرض حديثه عن أسباب تأخر الاجتياح البري الذي يُهدّد فيه الاحتلال قال عبدو: "الاحتلال يدرك جيدًا حجم المخاطر التي سيتعرض لها جنوده اذا ما أقدم على ذلك، وهذا ما يجعل قيادته مترددةً ومنقسمة بين مؤيدة ومعارضة".
ويرى مراقبون أن الاحتلال لم يتخوف في بداية المعركة من المدى الذي ستصل إليه صواريخ المقاومة على قدر تخوّفهم من عقلية الأخيرة في تنوّع عملياتها، التي شاهدناها في البر والبحر والجو.
ووصفوا المعركة الجارية بأنها ليست ردعًا بقدر ما هي "حرب أدمغة" تحاول من خلالها المقاومة استثمار الطرق المتاحة كافة في معركتها ضد الاحتلال.
واعتبر المراقبون أن الرد الإستباقي للمقاومة على تهديد الاحتلال بعملية برية، نموذجا فريدا في المواجهة، حيث كان على اتجاهين؛ الأول في عملية تسلل بحرية إلى قاعدة زيكيم في عسقلان المحتلة عبر مجموعة من "الكوماندوز القسامي"، حيث لا تزال (إسرائيل) تتكتّم على نتائجها، والثاني، في تفجير برج مراقبة، ونسف نفق محفور تحت موقع "كرم أبو سالم" جنوب قطاع غزة، وهو الموقع نفسه الذي أسر منه الجندي جلعاد شاليط قبل أعوام، ووعدت بنشر التفاصيل لاحقًا، فيما لم يُشِر العدو إلى خسائر هناك.
في السياق، رأى المحلل أبو عامر أن كتائب القسام كانت تهدف بإنذارها الأخير قصف (تل أبيب) قبل ساعة من التنفيذ، توجيه رسالة تحدٍ إلى القيادة السياسية في (إسرائيل). فضلا عن إثبات فشل منظومة القبة الحديدية، وثالثا زعزعة ثقة الشارع الإسرائيلي بقيادته.
وأكد أبو عامر أن تاريخ الصراع (الفلسطيني- الاسرائيلي) سيُسجّل أنه للمرة الأولى التي تُحذّر فيها المقاومة الفلسطينية الاحتلال قبل قصف المدن المحتلة.