قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: عن الأداء السياسي والدبلوماسي للمقاومة الفلسطينية

خليل العناني
خليل العناني

خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية

نجحت المقاومة الفلسطينية، حتى الآن، في فرض قواعد جديدة للعبة مع العدو الإسرائيلي. وهو ما اتضح، ليس فقط من حجم الخسائر العسكرية في صفوف العدو، والتي تبدو أكبر مما كانت عليه في الجولات السابقة (حربي 2008 و2012)، وإنما، أيضاً، في الأداء السياسي والدبلوماسي اللافت خلال هذه الحرب. 

وإلى جانب المعركة العسكرية في غزة، فإن ثمة معركة سياسية ودبلوماسية، لا تقل شراسةً تقودها المقاومة الفلسطينية، بذكاء واحتراف واضحين، خصوصاً في ظل الوضع المعقد الشديد في المنطقة، ومحاولات بعضهم خنق المقاومة، وعزلها داخلياً وخارجياً.

وبوجه عام، يمكن رصد ملاحظات أولية على الأداء السياسي والدبلوماسي للمقاومة الفلسطينية، والذي لا يقل تميزاً وذكاء عن الأداء العسكري الذي فاجأ الجميع، وفي مقدمتهم العدو الإسرائيلي.

أولاً، منذ بداية العدوان الإسرائيلي، عملت القيادة السياسية للمقاومة على توفير غطاء سياسي ودبلوماسي لها، وقد نجح هذا الغطاء في تحقيق هدفين مهمين: أولهما عدم الانعزال والانفتاح على أكبر عدد من الأطراف العربية والإقليمية. وثانيهما، التأكيد على المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، وترسيخها في أية عملية تفاوضية، قد تجري لوقف الحرب، بغض النظر عن هوية الوسطاء ورغباتهم وأجنداتهم.

ثانياً، بدا واضحا أن قادة المقاومة يدركون جيداً نقاط القوة والضعف في معسكرهم، وفي معسكر العدو، من دون تهويل أو تهوين. لذا، كانت أرضية التحرك أن المقاومة لم تخترق اتفاق الهدنة الموقع عام 2012، ولم تبادر بالحرب، وإنما إسرائيل هي التي قامت بذلك، لأسباب سياسية داخلية محضة.

وهو ما يرفع اللوم أو العتاب عن المقاومة، ويضعه كاملاً على إسرائيل ورئيس وزرائها، بنيامين نتانياهو، الذي يبدو أنه سوف يدفع ثمن تهوره وحماقته.

ثالثاً، على الرغم من رفض المقاومة المبادرة المصرية، وهو رفض مستحق، شكلاً وموضوعاً، فإن المقاومة ظلت منفتحة على القاهرة، ولا يزال ممثلها موسى أبو مرزوق موجوداً هناك، وعلى تواصل مع الدولة المصرية وأجهزتها المعنية بإدارة الأزمة.

ولعل النقطة الجديرة بالملاحظة، هنا، أن المقاومة الفلسطينية لم تنجر إلى المعركة الكلامية مع الإعلام المصري، على الرغم من "تصهين" القائمين عليه وبذاءتهم وتحريضهم العلني على المقاومة، وعلى أهل غزة. وهي المعركة التي يبدو أنها كانت مقصودة ومدبرةً، من أجل تشتيت تركيز المقاومة، وخلق معركة جانبية من جهة، وتبرير شيطنتها لدى الرأي العام المصري، من جهة أخرى.

رابعاً، منذ بداية الحرب على غزة، حدث تطور تدريجي وذكي فى الأداء الدبلوماسي والسياسي للمقاومة، مستفيداً في ذلك من التطور والأداء النوعي العسكري والمكاسب التي يجري تحقيقها على الأرض (المكاسب هنا تقاس بصمود المقاومة وحجم الخسائر في صفوف العدو، على الرغم من عدم التكافؤ العسكري والتكنولوجي بين الطرفين).

ولذلك، كان من الطبيعي أن يتم تطوير مطالب المقاومة الفلسطينية وشروطها في عملية التفاوض، كي تعكس الواقع الجديد، وتحقق أهداف الشعب الفلسطيني المشروعة. وهو ما يفسر إصرار المقاومة على رفض المبادرة المصرية، لأن الواقع تجاوزها بكثير.

خامساً، نجحت المقاومة في تجنب الوقوع في فخ العزلة الإقليمية الذي كان يجري نصبه لها. لذا، كان من الذكاء اللافت أن يتم التواصل، وزيارة دول عربية وإقليمية، مثل تونس والكويت وتركيا والسعودية. وقد حقق هذا التواصل أمرين: أولهما عدم التقوقع على الذات، ونيل ثقة بعض الأطراف العربية والإقليمية، أو على الأقل، تحييدها في هذه المرحلة، وثانيهما، توفير مظلة دبلوماسية متفهمة مطالب المقاومة ورؤيتها للخروج من الأزمة.

سادساً، عدم الوقوع في فخ الغرور السياسي، بعد الأداء العسكري المفاجئ، والصمود القوي للمقاومة، والتخلص سريعاً من حالة النشوة، والتعاطي بواقعية محسوبة مع التطورات السياسية والدبلوماسية. وهو ما يعكس درجةً واضحةً من النضح السياسي لقيادات المقاومة، والذي من المتوقع أن يؤتي ثماره في تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة.

بيد أن ذلك لا يمنع من وجود قصورين في الأداء الدبلوماسي والسياسي للمقاومة، يجب العمل على معالجتهما سريعاً. أولهما، ضرورة توسيع المظلة الدبلوماسية للمقاومة، كي تتجاوز الإطار الإقليمي، وتصبح مظلة دولية.

وهنا، يجب التواصل مع قوى وتكتلات دولية، إن لم تكن داعمة للمطالب الفلسطينية بشكل صريح، فعلى الأقل لا تنحاز أو تدعم الطرف الإسرائيلي. وهنا يمكن التواصل مع بلدان، مثل البرازيل وفنزويلا وماليزيا وإندونيسيا وهيئات دولية، مثل الاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل الضغط على المجتمع الدولي، للقبول بالمطالب الفلسطينية، وزيادة عزلة إسرائيل. ويمكن أن يكون التواصل، هنا، من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، أو رموز عربية مناصرة للشعب الفلسطيني.

ثانيهما، ضرورة التواصل مع المنظمات الدولية والعالمية، والاستفادة من صحوة الضمير العالمي المناصر للقضية الفلسطينية، والذي يخرج يومياً، تنديداً بالمجازر الإسرائيلية ضد المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال.

لقد نجحت المقاومة الفلسطينية، بذكاء قادتها وصمود رجالها وشبابها وعدالة مطالبهم، بإعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وإحياء جذوتها في الضميرين العربي والإنساني، ما يمثل لطمة قوية للعدو الإسرائيلي، وحلفائه من المتصهينين العرب الذين فشلوا فشلاً ذريعاً، في وأد القضية الفلسطينية وخنق المقاومة.

البث المباشر