«تقلقش» هذه الكلمة المعتادة التي يتداولها الغزاويون عند السؤال عن أحوالهم في ظل أوضاع الحصار والعدوان الصهيوني على غزة، طبعاً «تِقْلَقش» تلفظ القاف أقرب لحرف «الكاف» وفق اللهجة الغزاوية، وتعني «لا تقلق».
سألت صديقي: ما الذي يجعلكم لا تقلقون في غزة والعدو وحلفاؤه يحاصرونكم براً وبحراً وجواً؛ لا معابر تفتح ولا تجارة تتداول والقتل يخطفكم في كل مكان.
قال: «تِقْلَقش»! باستعلاء إيماني.
«تِقْلَقش»؛ لأنه منذ حصار غزة في عام 2006م على القطاع وتبعه الحصار الكلي في يونيو 2007م وذلك بعد سيطرة «حماس» على قطاع غزة، وإلى اليوم فإن الإنسان الفلسطيني في غزة انحاز كلياً لمبدأ المقاومة، أما الإنجاز الأكبر فهو التغيير الذي حدث في معنى الحياة عند الإنسان الغزاوي، إذ إن ثقافة «الشهادة طريق الحياة» هي التي هيمنت على التشكيل النفسي له، لم يعد الخوف على الحياة أو الرزق أو المال هاجساً عند الإنسان الفلسطيني في هذه البقعة.
لقد استغرقت حكومة «حماس» جهداً كبيراً في تأسيس الحياة النفسية الجديدة للسكان، ويتنافس الناس في غزة على تكوين تاريخهم بأعداد الشهداء، إنهم يعتبرون أي أثر للشهيد إنما هو كنز وثروة للأسرة وتاريخها.
لذلك «تِقْلَقش».. إن شعب غزة اليوم شعب جديد، نزع معنى الخوف من نفسه واستبدله بالإرادة والشجاعة والصلابة والصبر والأمل بالله.
هذا الشعب دفعته تلك العقيدة الراسخة، وإن الموت والحياة بيد الله؛ لكي يعمل بجد واجتهاد وعلى سبيل المثال:
الشعب الغزاوي لديه اكتفاء ذاتي في الإنتاج الزراعي فيما يتعلق بجميع الخضراوات والدواجن، وما يقارب 75% من الفواكه.
الشعب الغزاوي لم يتوقف يوماً عن التعليم وهو تحت أجواء الظلام الدامس يقوم بمهمته التعليمية خير قيام.
لم تتوقف حركة التجارة الداخلية واستجلاب الاحتياجات الأساسية للناس عبر الأنفاق المتبقية، رغم قلتها، بعد أن قام النظام السياسي الانقلابي في مصر بتدمير أغلبها.
والأنفاق لم يتوقف عن إعادة بنائها وفتح الجديد منها.
لقد تفوقت غزة بمعدل النمو عن الضفة الغربية بالرغم من الحصار ومليارات المساعدات لحكومة السلطة في الضفة.
طيب وبعد.. يستكمل صديقي: «تِقْلَقش».. لدينا الآن «حماس» جديدة، وهي التي تعهدت بالدفاع عن الشعب الفلسطيني في غزة، والناصر هو الله سبحانه، فـ«حماس» لم تتوقف يوماً عن تطوير بنيتها التقنية وسلاحها المتطور ورجالها الأبطال، وهي كحركة مقاومة مسؤولة وحَّدت صفوف المقاومة في غزة، وحدَّدت مسؤولية كل طرف فيها، وشجعت «فتح» الجديدة في غزة على دورها المقاوم، فحركة المقاومة الفلسطينية أصبحت أكثر صلابة في توحدها بعكس «فتح» الضفة والسلطة.
كما أن «حماس» طورت تقنيتها وصناعتها الحربية بالرغم من قلة الحيلة واليد والإمكانات المتواضعة، فمثلاً القدرة الصاروخية التي كانت لا تستطيع حمل أكثر من 3 كيلوجرامات من المواد المتفجرة ولا يصل مداها إلى أكثر من 10كم، ها هي تحمل أضعافاً مضاعفة، ويتعدى مداها 120كم إلى أبعد نقطة في الكيان الصهيوني.
كما إنها طورت من أبسط الآلات والأجهزة طائرات بدون طيار وبأنواع مختلفة للتجسس ولضرب الأهداف المطلوبة.
ويقول صديقي الغزاوي: «تِقْلَقش».. أطفالنا أصبحوا يميزون بين صواريخ «القسام» وصواريخ الكيان الصهيوني، إنهم يتسللون على أسطح المنازل لرؤية صواريخ «القسام» ويكبرون حين انطلاقها.
قلت: ألا تعتقدون أن «حماس» محاصرة ودورها صد العدوان ولا تستطيع إيقاف ماكينة القتل الصهيوني؟
قال: «تِقْلَقش».. «حماس» بفضل الله غيَّرت استراتيجيتها لتقوم بمواجهة من البر والجو والبحر، وليس لانتظار صواريخها التي لم تعد تغطي مناطق الاحتلال الجنوبية فقط، وإنما امتدت لتل أبيب وحيفا ويافا وحتى وصلت إلى الخضيرة على بعد 120 كم قرب الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة من الكيان الصهيوني.
ألا ترى أن «حماس» قامت بعملية إنزال بحري وضرب قاعدة «زيكيم» البحرية، وفجرت معابر للكيان الصهيوني بعمليات أذهلت «الإسرائيليين»، وكشفت جواً عن معلومات استخباراتية بالطائرات من دون طيار، وأصابت أهدافاً بالمواد المتفجرة التي تحملها؟
لقد نجحت «حماس» في ضرب الاستخبارات وتعمية الأهداف الخاصة بها، ولم تستطع القوات الصهيونية بما أوتيت من تقنيات وأدوات استخباراتية أن تعرف أرض «حماس» ولا أن تقتل أي قائد ميداني لـ«كتائب عز الدين القسام» في هذه الحرب الفاشلة؛ لذلك فإن «إسرائيل» تصب جام غضبها على المدنيين والأطفال والنساء.
قلت لصديقي: وماذا تعني الحرب البرية والتي بدأها جيش الاحتلال الصهيوني.. ألا تهدد بالسيطرة على غزة؟
قال واثقاً: «تِقْلَقش».. تواجه القوات «الإسرائيلية» حرباً جديدة تختلف عن حرب «الفرقان» (ديسمبر 2008م)، وحرب «حجارة السجيل» (نوفمبر 2012م)، فاستراتيجية «حماس» منذ اللحظات الأولى هي المواجهة.
إن الحرب البرية هي ما تحاول الحكومة «الإسرائيلية» أن تقوم به لإنقاذ وجهها في المفاوضات وللانسحاب وإيقاف الحرب.
لقد فشلت الاستخبارات «الإسرائيلية» في معرفة المعلومات المهمة عن منظومة الاتصال والسيطرة لـ«حماس»، كما فشلت عن استكشاف القوات الحقيقية لرد الفعل المتوقع بما أوجد حالة هزيمة نفسية عند الجيش الصهيوني.
إن الكيان الصهيوني لأول مرة منذ عام 1948م يعيش حالة خوف جماعي؛ إذ إن صواريخ «القسام» لم تتوقف، وفشلت «القبة الحديدية» في إيقافها، ولم تعد تكفي لحماية مواطنيها، وها هم يعيشون ساعات طويلة تحت الأرض، في حين أن أطفالنا يتسابقون على أسطح المنازل عند إطلاق صواريخ «القسام» ليهتفوا: «الله أكبر».
لقد قلبت الحرب وعملية «العصف المأكول» الموازين، وخصوصاً المعيار النفسي لليهود المحتلين، وأعطت زخماً رافعاً للفلسطينيين في غزة.
أخي العزيز، «تِقْلَقش».. وربنا معانا.