15 مترا تفصل بين الحياة والموت في "الشفاء" !

غزة-محمد أبو قمر

خمسة عشر مترا فقط هي المسافة الفاصلة بين الحياة والموت في مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة.

قصيرة تلك المسافة، لكنها تحمل متناقضات الفرح والحزن، وتشهد لحظات البداية والنهاية.

البداية في صراخ أطفال خرجوا إلى النور من رحم أمهاتهم تحت أصوات القصف، والنهاية كانت في نحيب عوائل الشهداء، بعدما تركوا الحياة بصمت ورحلوا دون رجعة بنفس القذائف التي تدوي أصواتها.

في تلك المسافة الفاصلة بين ثلاجات الموتى ومبنى الولادة بمجمع الشفاء الطبي، التي لا تتجاوز الخمسة عشر مترا كما عاينتها "الرسالة نت"، تجتمع المتناقضات ما بين ابتسامات أمهات أبصر أطفالهن النور، ودموع أخريات يودعن أبنائهن.

هذا المشهد لم ينقطع على مدار أيام الحرب، فرغم الموت لم تتوقف الحياة، حيث بلغ عدد الأطفال الشهداء الذين وصلوا الشفاء فقط منذ بداية الحرب على غزة في السادس من يوليو الماضي وحتى الثاني من أغسطس الحالي، 380 شهيدا، وذلك وفق إحصائية حصلت عليها "الرسالة نت" من الدكتور أشرف القدرة المتحدث باسم وزارة الصحة.

في المشهد الآخر قلّبت "الرسالة نت" سجل المواليد اليومي في داخل مستشفى الولادة بمجمع الشفاء، ورصدت أعداد الأطفال الذين تفتحت أعينهم على الحياة منذ بداية الحرب على غزة وحتى إعداد هذا التقرير.

وبمساعدة الدكتور هاني مهدي نائب مدير مستشفى الولادة توصلنا إلى إحصاءات دقيقة تفيد أن عدد حالات الولادة الطبيعية في مجمع الشفاء فقط، بلغت منذ السادس من يوليو وحتى الثاني من الشهر الجاري 1137 حالة، فيما بلغت عدد حالات الولادة القيصرية 430 حالة.

1567 مولودا، مجموع من شقوا طريقهم إلى النور داخل الشفاء، من بينهم خمسة عشر توأما.

وفي هذا السياق، يقول الدكتور مهدي إن عدد حالات الولادة ارتفعت في "الشفاء" مقارنة بما قبل الحرب؛ بسبب نزوح عدد كبير من أهالي شرق غزة إلى وسطها، واضطرار عيادة الحرازين التي تخدم المنطقة الشرقية إلى إغلاق أبوابها بسبب الدمار هناك.

ولاحقت قوات الاحتلال الأجنة في بطون أمهاتها، حيث أجهضت ثمانية عشر امرأة أجنَّتها بمجمع الشفاء فقط خلال الشهر المنصرم، من بينها أربعة توائم؛ لتعرضهن إلى صدمات أو إصابات نتيجة القصف المتواصل على قطاع غزة.

وتعود نشأة مجمع الشفاء -الذي يعد أكبر مؤسسة صحية في فلسطين- إلى العام 1946، عندما أرْسى حجر الأساس، وكان على شاكلة أكشاك صغيرة في عهد الملك فاروق، وكان يقود مسيرة العمل به أطباء مصريون وفلسطينيون.

وحسب المعلومات التي حصلت عليها "الرسالة نت" من إدارة مجمع الشفاء، فإنه يضم الآن ثلاث مستشفيات (الجراحة والباطنة والولادة)، وتبلغ عدد أَسرَّته 662 سريرا، ويعمل به 479 طبيبا، بالإضافة إلى 489 ممرضا، و157 فنيا، و283 عاملا وإداريا.

عديدة تلك العائلات التي اختلطت لديها لحظات الحزن الممزوج بالفرح، والقتل الذي يتبعه ميلاد جديد، فزوجة الزميل الصحفي الشهيد محمد ضاهر الذي يعمل محرر في صحيفة الرسالة، واحدة من المكلومات التي فقدت زوجها وطفلتها، لكنها لا تزال تحمل الحياة في أحشائها، وتحيا على أمل أن ترى مولودها الجديد بعد أشهر معدودة، ليحمل اسمه والده.

وبتعميم أعداد المواليد مقابل الشهداء الذين ارتقوا في قطاع غزة منذ بداية الحرب، وفاق عددهم 1930 شهيدا حتى إعداد هذا التقرير، تظهر أنها فاقت الشهداء، لتبقى غزة تنجب رغم الموت، وتبحث عن الحياة في خضم من يصرُّ على قتلها.

البث المباشر