لم تكفّ الشابة هالة شحادة عن إرسال حروف نصية إلى هاتف زوجها المصور الصحفي خالد حمد الذي خرج ليوثق مجزرة الفجر "الشجاعية". مفادها "ارجع أنتظرك أنا وجنيني".
على غير العادة، خالد(25عامًا) لم يروِ ظمأ زوجته بأي رسالة اطمئنان، والسبب إما انشغاله بالتقاط صور حمام الدم هناك، أو أن حدثًا غريبًا حصل معه.
ببطء مرت الدقائق على هالة، فقط ما تتمناه عودة زوجها من مكان المذبحة. غفت عينا هالة لبرهة، لكن عذابات الانتظار نالت ما نالت من جسدها، لتذهب وتجلس مع عائلة زوجها تشاهد على شاشات التلفاز ما فعلته (إسرائيل) بأهل الشجاعية.
شريطٌ أحمر توسط شاشة فضائية الأقصى مفاده "استشهاد المصور الصحفي خالد حمد ومسعف في قصف مدفعي لسيارة إسعاف شرق الشجاعية" كان المجيب الوحيد لهالة -المتعطشة لعودة زوجها-.
طبيعي أن تتمنى هالة في هذه اللحظة لو أن خبر استشهاد خالد كان كابوسا يزاح بمجرد غمضة عين، لكنه الفراق الذي لا مفر منه.
خالد الذي كان يعمل مصورًا في وكالة "كونتنيو" ركب إحدى سيارات الإسعاف واقتحم المناطق التي تتعرّض للقصف المدفعي الإسرائيلي الشديد في حيّ الشجاعية، لتطوله قذيفة صعدت بروحه إلى السماء.
بجانب خالد ارتقى أيضًا عشرة من أبناء "صاحبة الجلالة" في هذه الحرب الثالثة على غزة، فيما أصيب 16 صحفيا، ودُمرت 14 من منازل الصحفيين، بالإضافة لاستهداف 15مقرا إعلاميا.
ذهبنا حيث يسكن خالد في مخيم جباليا لنلتقي بزوجته التي تخبئ بأحشائها طفلًا من المقرر أن يبصر النور بعد أسابيع من صياغة هذا النص.
بعدما انتهت هالة من جولات البكاء. بدأت تدريجيًا تستجمع قواها، تقول: "خالد حياتي كلها, ذهب ولن يعود(..) كان يعد الأيام ينتظر ابنه وليد، ربنا ينتقم ممن أحرق قلبي".
قبل أيام من استشهاده، خرج خالد مع زوجته يشتري قطعًا من الملابس لمولوده المنتظر وقلبه يكاد يطير من السعادة واللهفة، كما تروي هالة.
صمتت برهة ثم أعادت نفسها بهدوء، "سماعي لنبرة صوته لا يمحى من ذاكرتي، لا أطيق التفكير أنه تألم في آخر لحظاته، تمنيت لو كنت معه لأقاسمه آلمه، فالكاميرا الخاصة به وثّقت اللحظات الأخيرة قبل معانقة روحه السماء".
عادت لبكائها مرددة عبارة أوجعت قلب من كان حاضرا: "يا خالد أنت متّت مرة، وأنا في اليوم بموت مليون مرة".
منعنا بكاء هالة الشديد من استكمال حديثنا لنتوجه إلى أم خالد التي باتت طوال حديثها معنا صابرة محتسبة. قائلة: "الله يسهل عليك يما يا خالد(..) حسبي الله ونعم الوكيل".
قطع حديثنا مع الأم طرقات الباب. علاء العالول مدير وكالة "كونتنيو" للإنتاج التلفزيوني يحمل حقيبة سوداء كان خالد قد وضعها في مكتبه قبل الخروج للشجاعية. أخذتها هالة منه بسرعة ثم احتضنتها وعادت لبكائها.
آخر أعمال خالد كان تصويره فيلمًا وثائقيًا أعدته "كونتنيو" حول عمل المسعفين خلال فترة الحروب في غزة، وقبل استشهاده بساعات أنهى تصوير آخر مشاهده.
يقول العالول: "يوم استشهاده قلت لخالد أنه لا يوجد عمل اليوم، سيكون العمل في المكتب لاختيار خاتمة الفيلم"، لكن الخاتمة اختارتهم قبل أن يختاروها، ومن دماء خالد تكونت حلقاتها.