منذ أن تغنت السلطة في رام الله بحصول فلسطين على اعتراف دولي بها عام 2012، لم يلمس الفلسطينيون أي تقدم لهم على الساحة الدولية، فالتهديدات التي أُطلقت لمحاكمة (إسرائيل) دوليا لا تزال تراوح مكانها في فضاءات الإعلام، على ألسنة المتحدثين باسم الرئاسة وممثلي السلطة، دون تطبيق على أرض الواقع.
التأخر والمماطلة في الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، التي كان يحق للسلطة الانضمام إليها ومحاكمة الكيان المحتل على جرائمه، منذ حصولها على اعتراف دولي، يضع علامات استفهام أمام التهديد والتلويح بالتوجه دون التنفيذ، ومماطلة رئيس "الدولة" بمحاكمة قتله شعبه.
وكانت فلسطين قد حصلت على اعتراف دولي عام 2012، إثر نجاحها في انتزاع تصويت من الأمم المتحدة على قبولها بصفة "دولة مراقب".
نائب رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان شعوان جبارين، قال إن السلطة تماطل بشكل واضح بقضية الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية. وأضاف في تصريح خاص بـ"الرسالة نت": "لم تكن السلطة تريد إغضاب الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، والآن هي تماطل بحجة تخوفها من ملاحقة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في حال انضمت فلسطين للمحكمة".
وأوضح أن الرئاسة تنتظر من حماس والجهاد قرارهما بالموافقة على الانضمام للمحكمة، مشيرا إلى انعقاد اجتماعات ذات طابع تفصيلي ومهني من أجل دراسة الموضوع بشكل نهائي، وفق قوله.
وتابع: "محكمة الجنايات لا تحاكم جماعات، هي تحاكم أفرادا، والأمر ليس بهذه السهولة التي يتصورها بعضهم، ومن الصعوبة البالغة جدا أن يجري هذا الأمر". لكن الأهم -بنظر جبارين-هو "أنه علينا نحن كفلسطينيين أن نغادر الشعور بأننا نرتكب جرائم أو أخطاء (..) هذا الشعور يجب أن يرافق الاحتلال، فنحن الضحايا، لذلك لا يجب أن نهاب من التوجه إلى أي محكمة دولية، ومن يجب أن يخاف هو الاحتلال، الذي يضرب بعرض الحائط كل القوانين والقيم الإنسانية".
وأكد نائب رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن المقاومة الفلسطينية لم تقتل مدنيين، وقال: "هي خرجت من الأنفاق وقتلت جنودا ولم تستهدف المدنيين، في معركة طبيعية جدا، وهذا يعد منتهى النظافة من طرف المقاومة (..) هذه أنظف مقاومة في التاريخ".
ويوافقه الرأي المحامي والخبير في القانون الدولي، صلاح موسى، الذي استهزأ من ذريعة السلطة عدم الانضمام للمحكمة الدولية بالتخوف من ملاحقة حركات المقاومة، وقال: "هذه الحجة ينقعوها ويشربوا ميتها"، على حد تعبيره.
وأضاف موسى في حديث لـ"الرسالة نت": "أضاع الفلسطينيون وقتا طويلا في قضية الانضمام، التي تحتاج إرادة سياسية، ولو أننا سارعنا بالانضمام، لأشغلنا إسرائيل بحرب ذات بعد قانوني، وهي من الآن تعد ملفات تفصيلية بما ضربته على غزة وبما ضُرب عليها، لكن بالنسبة للفلسطينيين لم يهيئوا أنفسهم لهذه المعركة بعد".
حركة حماس بدورها أبدت استغرابها من مماطلة السلطة بالتوقيع على معاهدة روما. وقال إسماعيل رضوان القيادي فيها، في تصريحات إعلامية: "لا نعلق آمالاً على محكمة الجنايات الدولية، لكن التوجه لها سيكون بهدف تعْرية الاحتلال، ولا نتفهم سبب تأخر السلطة بالتوقيع على اتفاقية روما".
ضغوط دولية
وتزامنا مع التحركات والمطالبات الفلسطينية بالانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، يسعى الاتحاد الأوروبي لاستباق التحرك الفلسطيني وإبطاله، من خلال الزعم بأن انضمام الفلسطينيين للجنائية الدولية، سيهدد بفشل مؤتمر الدول المانحة لإعمار غزة، فيما تتعرض السلطة والرئاسة الفلسطينية لضغوطات أوروبية وأمريكية وإسرائيلية لعدم الانضمام، وفق مراقبين.
هذا ما أكده شعوان لـ"الرسالة نت"، مشيرا إلى أن أوروبا وأمريكا تمارسا ضغوطا كبيرة على السلطة في هذا المجال. وقال: "لا يجب الالتفات إلى هذه الضغوط، فهذا حق طبيعي لشعبنا، وموقف سياسي فلسطيني، وحق مطلق وغير خاضع للمساومة".
وأضاف: "نحن لا نتوجه للحصول على نووي، نريد الانضمام إلى آليات القانون الدولي، الذين هم أعضاء فيها، وينادون بها ويشترطون على أي دولة تريد الانضمام للاتحاد الأوروبي عليها، أن تنضم للمحكمة الجنائية الدولية، لذلك على السلطة أن تفضح أي جهة تمارس عليها ضغوطا لعدم الانضمام".
أما عن متطلبات الانضمام للمحكمة، فذكر شعوان أنه يجري من خلال كتاب موجَّه من رئيس يمثل دولة فلسطين إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يُعلن فيها عن انضمام فلسطين وموافقتها على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية الموقع عام 1998 فقط.
وتابع: "يدخل الطلب حيز النفاذ خلال 60 يوما من إيداعه، فليس من المطلوب تصويت من الجمعية العامة للمحكمة أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يوجد طرف يوافق أو يرفض، هي صيغة إجرائية إبلاغية فقط في حال استوفى مقدم الطلب شروط الدولة".
وتزامنا مع ايداع ورقة الانضمام، يتم إيداع ورقة أخرى تسمى إعلان، حسب المادة 3/12 من ميثاق المحكمة، الذي يوضح فيه منذ متى يرغب أن تأخذ المحكمة صلاحية واختصاصا، إما من عام 2002 (بداية عمل المحكمة)، أو أي تاريخ آخر، مضيفا أن هذا يسمى "إعلان إعطاء الصلاحية الزمنية للمحكمة.
لا عائق قانونيا
الخبير بالقانون الدولي صلاح موسى، أشار إلى أنه لا يوجد عائق قانوني أمام الفلسطينيين للانضمام إلى ميثاق روما ومحكمة الجنايات، "ولو كان هناك قرار سياسي بالانضمام لكانت الإجراءات القانونية، مسألة وقت"، وفق قوله.
وأوضح موسى أن الإجراءات القانونية التي تلزم للانضمام تتمثل بطلب السلطة من ثلاثة مختصين قانونيين بإعداد الطلب حسب الأصول للانضمام إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوضيح حدود وصلاحيات الانضمام، حيث يتيح ميثاق روما الانضمام بأثر رجعي من خلال تحديد الزمن الذي نريده لتبدأ المحكمة عملها على أساسه".
ومضى قائلا: "الخطوة الثانية، هي ما يجب اتخاذها لملاحقة مجرمي الحرب أو ملاحقة إسرائيل كدولة ارتكبت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، والمرحلة الثالثة، تكوين الرأي القانوني وتجميع المعلومات والبيانات".
ونوه إلى وجود حل قانوني، حتى لو لم تنضم الدولة إلى المحكمة، يكمن في وصول معلومات أكيدة وموثقة لممثل الادعاء العام في المحكمة، بأن هناك جرائم ارتكبت وخالفت نظام روما، فيحق له البدء في فتح تحقيق". مضيفا: "المصادر الموثوقة التي يمكن أن تزود الادعاء العام بتلك المعلومات، هي لجان تقصي الحقائق، لذلك حتى لو لم تتوجه القيادة الفلسطينية فيمكن محاكمة إسرائيل".
وقال إن الأمر الآخر الأهم هو ما أوردته اتفاقيات جنيف الأربعة، بأن توضع دولة فلسطيني أنها دولة تحت الاحتلال، بالتالي، فإن كل ما يقع على أراضيها يعد جريمة احتلال، وكل ما تقوم به سلطة الاحتلال لا يمكن أن نصنف قطاع غزة هي كيان معادي ويمكن محاكمة الاحتلال على ما ترتكبه من جرائم.