لثوانٍ معدودة الصمت كان يملأ المكان ، أصوات الأنفاس تعلو، والألسن بدأت تلهج بالدعاء، ولكن .. صوت قذيفة "إسرائيلية" كسرت ذاك السكون، فأصابت بيت أسرة تقطن في حي الشجاعية تسمى عائلة الشيخ خليل.
وكأنه يوم الحشر عند العائلة، الكل فزع إلى حيث لا يعلم، الجميع يركض، صوت نادى بالهروب تحت درج المنزل، علّه يحميهم.
وصلت المجموعة الأولى للمكان المحدد، ولكن قذيفة مدفعية انتزعت أرواحهم بعدما أصابتهم بشكل مباشر فارتقى منهم أربعة شهداء، وركض النصف الآخر حيث صوت الصراخ، فانهالت مجموعة قذائف بشكل متفرق على البيت ، فأصيبوا جميعًا.
أم ابراهيم الشيخ خليل- عمة أحد المصابين، تروي لنا تفاصيل الحدث، فتضيف عما ذكر " بقي أهل البيت مصابين لساعات طويلة، حتى جرى التنسيق مع الاحتلال والصليب الأحمر لأخذ الجرحى، ولكن قذائف الاحتلال استهدفت سيارتي الاسعاف التي سمح لها بالدخول للمنطقة.
سيارة الاسعاف الثالثة التي وصلت المكان أكدت لسكان المنزل أن صعوبة الأوضاع تحول بينها وبين النزول لإنقاذهم، داعية من يستطيع الحركة للصعود لاستقلال السيارة التي كانت تقف أمام المنزل.
بدأ المصابون بالنظر لبعضهم والأوجاع تكبل أقدامهم عن الحركة، ليتعالى بعدها الأب على جراحه في محاولة منه لإنقاذ طفلته هبه ، الأب الذي ركض مسرعا اتجاه أحد أسره مستشفى الشفاء فور وصوله علها تتماثل للشفاء، إلا أن مسافة الــ 20 مترًا التي فصلت بين السيارة والسرير كانت طويلة بالنسبة لجرحها النازف لترتقي شهيده في احضان والدها.
تكمل العمة الحديث " رحلت هبه بعدما نجحت في الثانوية العامة، وكانت تتمنى الدخول للجامعة"
وتعود لسرد تفاصيل ما حدث مع العائلة: بقي المصابون في المنزل ساعات حتى جرى تنسيق جديد ودخلت الطواقم الطبية للبيت، وانتشلت جثامين الأم وجنين في رحمها، وشقيقة هبه، وجدها وجدتها، وعمها وزوجته، فيما اسعفت 9 من أفراد العائلة.
أحد أفراد العائلة هي الطفلة هبة بالربيع السابع من عمرها والتي كانت ترقد على أحد اسرة المستشفى لتلقي العلاج ظنت ، الطواقم الطبية أنها ارتقت شديه لبرودة أطرافها ليكتشفوا أنها مصابة بكسر في عامودها الفقري، ومزع في النخاع، ما تسبب لها بشلل كامل علامات الحسرة بدت ظاهرة على وجه العمة التي هزت رأسها قائلة " يا وجع قلبي على طفولتها".
منذ ما يزيد عن 22 يوم تجلس الطفلة مها على سريرها، تردد معزوفتها بنداء أمها وأخواتها، ولكن دون أجابه بعد أن رحل بعضهم فيما يعاني البقية من إصابات خلفتها لهم قذائف الاحتلال بقية حياتهم .
بالقرب من مها كانت تجلس أسماء وهي ابنة عمِها والتي فرغت ثلاثة ساعات من وقتها لتلاعب الطفلة الصغيرة، علّها تلهيها قليلًا عن التفكير بوجعها.
يمتلأ مكان الصغيرة بالألعاب والورود، ولكنها بحاجة إلى رائحة ثوب أمها، واللعب مع شقيقتها هبه، وفاطمة، ومع والدها، وبحاجة إلى الوقوف قليلًا والركض مع بنات الحي وأن تملأ الأجواء بابتسامتها التي اعتادت على اخراجها بعفوية.
تقول أسماء " آتي هنا للترفيه عن مها، أحاول أن أنسيها وجعها، أحسسها أن اصابتها لم تحرمها من اللعب ".
وتضيف واصفة شوق الصغيرة لاستقبال ابنة عمها " تستقبلني بحرارة، وبعدما يحين وقت الرحيل، تبكي وتريدني أن أبقى معها مدة أطول".
تنهي أسماء حديثها، وتنهي الكلام بعد كلامها بالقول " أنا سعيدة كوني مصدر سعادتها، ولكني أشعر بالحزن لأنها لا .. ولن تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها بعد إصابتها".