قائمة الموقع

عندما يعبر الصهاينة عن يأسهم من إخضاع غزة

2014-08-18T11:54:20+03:00
(صورة أرشيفية)
د. صالح النعامي

بخلاف ما دأب عليه الإعلام الصهيوني، بات عدد من كبار المفكرين الصهاينة يرون في الحرب التي تشنها (إسرائيل) على غزة حالياً نقطة تحول فارقة أثبتت بشكل نهائي فشل الرهان على خيار القوة في مواجهة الشعب الفلسطيني.

وكتب البرفسور أوري بار يوسيف، أبرز الباحثين الصهاينة الذين درسوا الحروب (الإسرائيلية) العربية، إن الحرب على غزة أثبتت أن شعار "دعوا الجيش ينتصر" الذي رفعته النخب اليمينية "فارغ من المضمون"، مشيراً إلى أن الحرب دلت على أن الطرف الأضعف من ناحية عسكرية يمكن أن يلحق أضراراً كبيرة بخصمه.

وفي مقال نشره موقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" الخميس الماضي، اعتبر بار يوسيف أن حرب غزة الثالثة، تعتبر رابع أهم حدث "تأسيسي" في تاريخ الكيان الصهيوني بعد حرب العام 1967، منوهاً إلى أن هذه الحرب تنضم لكل من حرب 73 والانتفاضة الأولى والثانية، على الرغم من محدودية وقتها.

ونوه بار يوسيف إلى أن القيادة الصهيونية أمرت بشن الحرب على غزة، بهدف "ترميم" قوة الردع، منوهاً إلى أن هناك ما يدل على أن قوة الردع (الإسرائيلية) ليس فقط لم ترمم، بل انهارت بشكل أكبر مما كانت عليه قبل شن الحرب.

وأوضح أنه قد تبين بؤس الرهان على خيار القوة المسلحة، على الرغم من أن (إسرائيل) تملك القوة العسكرية القادرة على معاقبة حماس على تحدياتها وتحرشاتها "فتفوق الجيش (الإسرائيلي) لم يكن موضع شك أو تساؤل، والعدد الكبير من القتلى المدنيين والدمار الكبير الذي لحق بقطاع غزة يدل على استعداد (إسرائيل) لاستخدام نار هائلة من أجل إيذاء حماس بكل ثمن، بشكل تجاوز كل الحدود الأخلاقية".

ويشير الباحث الصهيوني إلى مفارقة ذات دلالة، تتمثل في أنه على الرغم من "بدائية" الوسائل العسكرية التي استخدمتها "حماس"، مقارنة بالتفوق الصهيوني، إلا أن هذه الوسائل تسببت في ضرر بالغ لـ(إسرائيل).

وأضاف: "سيذكر التاريخ اليوم الذي توقفت فيه شركات الطيران الأجنبية عن الطيران لـ(إسرائيل)، كاليوم الذي تمكنت فيه صواريخ محلية صنعت في غزة من إغلاق أجواء (إسرائيل) أمام الطيران العالمي".

وتوقع بار يوسيف أن تمثل الحرب نقطة تحول فارقة قد تؤدي إلى تفضيل (إسرائيل) الخيار الدبلوماسي على الخيارات العسكرية في مواجهة المقاومة في قطاع غزة، مشيراً إلى أنه بات في حكم المؤكد أن الحرب ستشجع حماس على التزود بأفضل السلاح والتحوط للمستقبل بصواريخ أكثر تطوراً، بحيث تحدث أضرار كبيرة في مطار بن غوريون.

وحذر بار يوسيف من أن تغري نتائج الحرب أعداء آخرين على "التجرؤ" على (إسرائيل)، منوهاً إلى أن لدى حزب الله صواريخ ليست قادرة على التشويش على حرية الطيران المدني فقط، بل قادرة على المس بمرافق حيوية ذات قيمة إستراتيجية، مثل: محطات التحلية، والمفاعل في ديمونا ومحطات توليد الكهرباء وغيرها، منوهاً إلى أن منظومة "القبة الحديدية" غير قادرة على توفير ردود لصواريخ حزب الله.

ويتفق البرفسور يغآل عيلام، المؤرخ والباحث في تاريخ الصهيونية مع بار يوسيف، حيث يرى أن (إسرائيل) مضطرة لأن تعتمد على التعاطي السياسي والدبلوماسي لحل الصراع وتجنب خيار القوة، بسبب التحولات التي شهدها العالم.

وفي مقال نشرته صحيفة "هارتس" الأربعاء الماضي، أوضح عيلام أن العولمة نجحت في تكريس عدد من القيم التي بات من المستحيل على القيادة (الإسرائيلية) تجاهلها، منوهاً إلى أنه ليس بوسع الكيان الصهيوني الركون إلى قوته العسكرية.

وأوضح عيلام أنه حتى الولايات المتحدة، القوى الأعظم في العالم، لم تعد تركن فقط إلى قوتها العسكرية، محذرا من أن العالم يوصد أبوابه أمام (إسرائيل) ويقلص هامش المناورة أماها من ناحية عسكرية، ومشيراً إلى أن التعاون بين دول العالم بات يتأثر بمدى احترامها لحقوق الإنسان.

وشدد الباحث على أن استمرار الاحتلال (الإسرائيلي) وإبقاء السيطرة الصهيونية على الشعب الفلسطيني لا ينسجم مع أنماط السلوك التي تفرضها العولمة.

وسخر من القيادات (الإسرائيلية) التي تراهن على عدم مبالاة العالم تجاه ما تقوم به (إسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني، معتبراً أنه لا يوجد ثمة خطأ أكبر من هذا الخطأ.

ونوه عيلام إلى أن الحجج الفلسطينية تستند إلى القيم العالمية التي بات من المتعذر أثارة الجدل بشأنها، وبالتالي فأنه ليس بوسع (إسرائيل) أن تربح في سعيها للدفاع عن روايتها، مؤكدا أنه طالما استمر الصراع العنيف مع الفلسطينيين، فإن ما ينتظر (إسرائيل) هو العزلة والعقوبات الاقتصادية والسياسية والثقافية.

قصارى القول، هناك ما يؤشر على أن استبسال "كتائب عز الدين القسام" في الحرب أدى إلى لسع الوعي الجمعي للصهاينة بشكل واضح، بحيث أن هناك من بات يعبر عن تشككه في إمكانية حسم المواجهة حماس وأن الحل الأمثل يتمثل في ركون (إسرائيل) نحو التعاطي الدبلوماسي والسياسي.

من هنا، فإن الحرب على غزة تمثل النقيض تماماً لحرب العام 1967. فقد مثلت الأخيرة نقطة تحول فارقة وفاقمت من نزوع (إسرائيل) نحو التغول على العرب، في حين أثبتت الحرب الحالية على غزة للصهاينة بؤس الرهان على خيار القوة.

اخبار ذات صلة