عدنان أبو عامر
ترى أوساط إسرائيلية عديدة أنه من المتوقع أن يشهد شهر أيلول الحالي تحركات سياسية كبيرة قد تسبب ارتباكاً في المنطقة، إذا جرى كل شيء بحسب المخطط المرسوم، وخلال هذا الشهر ستلقي جميع الأطراف السياسية المعنية بأوراقها وستحركها بجنون، وسيجلس الجميع الى الطاولة لبلورة عملية متزامنة تشمل جميع القضايا، من تحرير جلعاد شاليط وحتى طريقة معالجة المسألة الإيرانية.
ويرى الإسرائيليون أن إدارة اوباما ستعمل على دفع هذه العملية وتحريكها، غير أن المهام الرئيسية ستبقى بيد اللاعبين الإقليميين، وسيعملون بالتنسيق المسبق مع واشنطن على طرح المبادرات الخلاقة في كافة المسارات في وقت واحد لكسر الجمود الذي يلف منطقة الشرق الأوسط.
وقد بدأت هذه الأيام مرحلة تنسيق الخطوات والتي شهدت تقدماً ملموساً، وسيكون التحرك الرسمي في أثناء وبعد انعقاد جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في الـ23 من سبتمبر المقبل، وستعمل هذه العملية بالتحديد في ثلاثة مسارات ونصف.
غزة الحدث
تعتقد المحافل الإعلامية في تل أبيب أن كلا من مصر و"إسرائيل" والوسيط الألماني يركزون جهودهم حالياً في غزة لإحداث اختراق في قضية جلعاد شاليط، وفي حال تم التوصل إلى صفقة تبادل ستفتح الطريق باتجاه تسوية شاملة، تتضمن فتح المعابر بين إسرائيل والقطاع، وفتح معبر رفح مع مصر، والتوصل الى هدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل، وإعادة إعمار قطاع غزة بإشراف دولي، وإنهاء حالة القطيعة بين حماس وفتح.
وفي حال تم ذلك ستكون جميع الأطراف رابحة، وخصوصاً حماس المعنية بشدة بإعادة اعمار غزة والقلقة من الضائقة الشديدة التي يعيشها السكان هناك، والمرشحة للتفاقم مع حلول الشتاء القادم.
ومكسب "إسرائيل" من ذلك هو الهدوء وتخفيف الضغط الدولي عليها لرفع الحصار عن غزة. وإذا استطاعت مصر تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، سيكون من الممكن إجراء انتخابات عامة في العام 2010 في الضفة والقطاع، والتي ستحدد الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، سواء كان سيئاً أو جيداً.
لكن من المهم التذكير أن شرط هذا هو نجاح الاتصالات الجارية لإطلاق سراح شاليط، التي يسودها بعض التفاؤل الحذر، ومن شأن هذا الأمر أن يجعل بعض الدول الأوروبية والعربية توافق على استقبال عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين ستحررهم "إسرائيل"، لأنه من المعروف أن مثل هذه الصفقات لا تتم إذا بقي ملف الأسرى مفتوحاً.
خارطة أوباما
المسار الثاني سيركز على الشأن السياسي لهذه العملية، فالإدارة الأميركية ستقدم أخيراً خطة للوصول الى تسوية نهائية للصراع، وستكون هذه الخطة "خارطة الطريق" للرئيس الأميركي أوباما.
وهذه الخطة تتضمن تطبيع علاقات "إسرائيل" بالدول العربية المعتدلة الى جانب تنفيذ حل الدولتين للشعبين "الإسرائيلي" والفلسطيني، وستُطلق هذه الخطة في لقاء قمة يجمع بين أوباما ونتنياهو وأبو مازن على هامش نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويبدو أن الخطة الأميركية ستتضمن عنصرين أساسيين:
- الأول: وضع الخطوط العريضة للمفاوضات.
- الثاني: رسم أسس عناصر الحل الذي تراه الولايات المتحدة صحيحاً وعادلاً، وكخطوة لبناء الثقة ينبغي على "إسرائيل" أن توقف البناء في المستوطنات كثمن لدفع هذه العملية الى الأمام.
أما الثمن الفلسطيني فتدفعه الدول العربية عندما تعلن استعدادها للمضي قدماً باتجاه التطبيع، ومن ذلك فتح السعودية لأجوائها أمام طائرات الخطوط "الإسرائيلية" وهي في طريقها إلى الشرق الأقصى، وحتى هذه اللحظة يشترط العرب موافقتهم على التطبيع بالتزام "إسرائيل" الكامل بإيقاف أعمال البناء في المستوطنات وتوسيعها، ويشمل الإيقاف أعمال الإستيطان شرقي القدس.
وعقب القمة الثلاثية التي سيُعلن فيها عن "خارطة الطريق" الجديدة، سيعقد لقاء مباشر بين نتنياهو وأبو مازن، وسيُعلن خلاله عن انطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبين، كل ذلك مخطط له في آخر أسبوع من شهر سبتمبر الحالي.
إيران وسوريا
في نهاية شهر أيلول ستقف الولايات المتحدة على مفترق طرق فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية، فإما أن تسير باتجاه المواجهة العسكرية المباشرة، أو تفضل الاستمرار ببذل الجهود عبر الحوار الدبلوماسي.
والقرار هنا يتعلق بقدر كبير بتطورين على الأرض، الأول رد طهران على طلب إدارة اوباما البدء في حوار دبلوماسي، والثاني التقرير الذي تعده الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران.
وتشير التقديرات في الولايات المتحدة و"إسرائيل" الى أن إيران لن ترفض التحاور بشكل مباشر، بل ستستمر بالمراوغة والمماطلة دبلوماسياً وإعلامياً لإرباك الأمير كيين وحلفائهم، وتأخير البدء في الحوار لكسب الوقت والاستمرار في تخصيب اليورانيوم وإقامة أجهزة الطرد المركزية.
وبذلك سيتمكن النظام الإيراني من تقديم نفسه كدولة نووية ناشئة، وعندها سيتم تفريغ الحوار من مضمونه من وجهة نظر الغرب.
ويشير "رون بن يشاي" إلى أنه إذا صدقت التقديرات السابقة فستقوم إدارة أوباما بإعادة تقييم الوضع من جديد في سياساتها، وستتضمن إجراء اتصالات مكثفة مع بقية القوى الدولية ودول الخليج العربية بهدف بلورة اتفاق على تشديد العقوبات على طهران، وستشمل احتياجها من الوقود والنفط، الى جانب الحد من استثمارات البنوك والشركات الإيرانية في الأسواق العالمية.
كل ذلك على أمل أن تؤدي هذه العقوبات الى زعزعة استقرار النظام في إيران، وعندها يمكن القول ان الضغط كان فعالاً. لكن المشكلة تكمن في إقناع روسيا والصين بالتعاون في ذلك.
وتقول مصادر سياسية في الغرب إن "إعادة تقييم الوضع" الأميركية ستتضمن دراسة الخيار العسكري ضد إيران. وتضيف هذه المصادر أن إدارة أوباما تبحث حالياً إمكانية طرح الورقة العسكرية على الطاولة في وقت واحد مع العقوبات الإقتصادية، ولكن بدون أي استعداد حقيقي على الأرض لهذا الخيار من جانب واشنطن، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى فشل العقوبات في تحقيق الهدف.
وذلك لأن إيران ستعمل على تجاوز العقوبات باستخدام القوة. وقال خبير غربي شهير "إن أي قوة كبرى لا تستطيع تحقيق أهدافها السياسية إذا لم تكن مستعدة في نهاية اليوم لاستخدام قوتها الضاربة".
بالانتقال إلى المسار السوري، فخلال شهر سبتمبر ستستمر اتصالات جس النبض الصبورة والبطيئة بين واشنطن ودمشق أملاً في تغيير سياسة الأخيرة إزاء العراق، وانفصالها عن التحالف مع "حزب الله" وحماس وإيران، واستئناف المفاوضات مجدداً مع إسرائيل.
إن "عملية سبتمبر" ستضع رؤية طاقم الشرق الأوسط في الإدارة الأميركية على المحك، والتي تقول إن الكل مرتبط بالكل، وأن أي نجاح على أي مسار من هذه المسارات سيساعد على تقدم المسارات الأخرى.
كذلك فإن هذا التصور الشامل يلقى قبولاً لدى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع باراك الذي يعتبر واحداً من كبار مهندسي هذا التصور السياسي، كذلك تلقى هذه الفكرة قبولاً لدى الرئيس المصري مبارك. لكن السؤال هو هل إذا قام غالبية المعنيين بهذه الخطة بما عليهم من واجبات، ستنجح هذه الرؤية وتحقق هدفها. في نهاية سبتمبر سنعرف الجواب.