قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: قبل أن يَسْرِقْهَا النسيان!!

م.رائد غنيم
م.رائد غنيم

م.رائد غنيم

هم لم ينتظروا الموت، بل بحثوا عنه، ولهذا حينما جابهوه، شملت أفئدتهم وجوانحهم كل المشاعر والأحاسيس التي من الممكن أن تستوعبها قلوبُ المشتاقين.

هم لم يَغِيبُوا

بل ارتقوا إلى حضورٍ يُشبه حضور الشمس في النهارات الصافية: لا حقيقة أكبر من تواجدها، ولا عجز أكبر من إمكانية التحديق فيها... وكأنهم بذلك كما الملائكة، يروننا من حيث لا نراهم، ويبصروننا من حيث لا نبصرهم....

نحزن نحن على فراقهم، أما هم فينظرون إلينا من مقاعد الصدق عند المليك المقتدر، ولهذا علينا يُشفقون، وحتى في مشاعرهم ينتصرون.

عن أيِّ واحدٍ فيهم نتكلم، وعن بطولاتِ أيهم نتحدث...، وحكايا الأبطال فيك يا وطني مُلقاةٌ على الطريق... هنا غزة...، وحيثما وَجَّهْتَ بَصَرَكَ وَنَظَرَك، ستصدمكَ حكاية بطولة وإباء أو فداء: هنا أو هناك.

دونما مجاز ودونما هرطقات لُغَوِية تبدو الصورة صارخة:

إن حجم الدماء التي سالت كانت أكبر من أن يستوعبها مداد الحبر، وكل الذين سنكتب عنهم هنا كانوا أُناساً حقيقيين، جَسَّدُوا بطولتهم دونما خيالات أو مجازات، وبحياتهم قبل مماتهم عَلَّمُونا أن الصدق حين يَتَجَذَّر في أفئدة الرجال، يُنْبِت ويُثمِر أفعالاً تتجاوز أفعال الجيوش، وأصحاب العروش، أولئك القابعين فوق رؤوسنا كرؤساء أو زعماء أو أمراء دول..، الممسكين بزمامِ جيوشٍ لم تنتصر في معاركها أبداً، إلا ما كان منها على شعوبها.

(2)

كانا يتصارعان

هما لم يتصارعا على كُرسيٍ أو منصبٍ أو منصةٍ لحكم، كانا يتصارعان أيهما يكون الأكثر قرباً من منصة صاروخ.

وكان لصراعهما تداعيات أخرى:

كانا يتجادلان تحت السماء المُرَصَّعة بالطائرات، وعلى الأرض المكتظة بالدبابات الموغلة في التقدم نحوهما.

كان الأول يسأل: هل حقاً أن الألم المصاحب لمغادرة الروح من الجسد يعدل قرصة نحلة؟!

وكان الثاني يقول: حتى لو تفتتت الأجساد واحترقت.

وجاءهم الخبر بصاروخٍ أُطلِق عليهم من السماء... أُصيبَ الأول، وكان الثاني يستمع إليه وهو يصرخ ويقول:

والله أدنى من قرصة نحل... ووالله والله والله أشهى من مذاق العسل.

(3)

كان في نفقِ قريبٍ أو بعيدٍ منهما.

عدته بندقية، وحزامٌ ناسف، ومنظار يُبصر من خلاله تَقَدُم الأعداء.

ولن ننسى أيضاً زاده وزواده، ففي النفق بجواره كيلو جرام واحد من التمر، وقارورة مياه بالكاد تكفيه لكي يشرب، ولكي لا يتوضأ!

جال في خاطره تساؤل حتماً كان سيؤرق مضاجع الفقهاء:

هل يجوز الوضوء بِعَرَق الأجساد؟!

وحتماً...قبل أن يُغادر بلحظات، وبعد أن أبصر الذي يمسحه عن جبهته لكي يتوضأ، أعاد صيغة السؤال:

هل يجوز الوضوء بدماء النازفين من الرجال؟

(4)

لسنا نعرف إن كانت "أم محمد" أُمَّاً لأيِّ من الشهداء السابقين.

كل الذي نعرفه أن "أم محمد" فقدت زوجها في الحرب الأولى، وفقدت ابنها في الحرب الثانية، وأنها كما في كل مرة، وَدَّعَت ابنها هذه المرة أيضاً قبل أن يذهب إلى ميادين القتال.

هذه المرة لم يمنحها الزمان فرصة الانتظار

أو أنه رحمها من تداعيات الاختباء تحت سقف بيتٍ مُعَرَّضٍ للقصف.

قُصِفَ بيتها، فذهبت للاحتماء عند أخيها، فلاحقها القصف إلى هناك.

كان من الممكن أن يأتي العيد ليزورها أخوها

ليواسيها أو ليكفكف دمعها، أو ليخبرها أن ابنها الأخير لم يستشهد بعد.

لكننا نكتب هذه الكلمات

وقد غاب المُواسِي والمُوَاسَى

الزائر والمزور

المضيف والمضاف.

(5)

"أم محمد" لم تُحَدِّث نفسها: إن كان حظها العاثر هو الذي لم يجعلها بوذيةّ!

فأتباع بوذا حتماً كانوا سيستحون وسيهبون لنجدتها لو أن ضَيْمَاً أصابها.

ولم تحدث "أم محمد" نفسها: إن كان الخليفة المعتصم قد هَبَّ ذات مرة لنجدة امرأة مُسْلِمة مثلها، أصابها عُشر معشار ما أصابها.

"أم محمد" صَدَّقَت الشيخ الذي سمعته ذات يومٍ وهو يتحدث عن الخليفة المعتصم. سَلَّمَت مثلُه بالرواية، ولم تبحث مثلُه عن السند!

لكنها عندما رأته يسخر من صواريخ المقاومة، قررت أن تعيد قراءة التاريخ بمجرد نهاية الحرب.

أما فيما يتعلق بحاضرها ولحظتها الراهنة، فإنها ظلت مؤمنة بالله، وظلت مؤمنة بالدين، وإن كان إيمانها برجال السلاطين قد تزعزع.

(6)

مع الاعتذار "لعبد الحليم حافظ"، وللموسيقار الفذ "بليغ حمدي".

العلماء حائرون... يُفكرون... يتأملون: أشياء وأشلاء ودماء.

يفكرون... يتأملون: ماذا يصنعون؟

ثم قرارهم يأخذون: "كل مَن يتآمر على غزة كافر وزنديق".

العلماء بعدها ما عادوا يتساءلون، وما عادوا يفكرون بالدماء أو الأشلاء... وغدوا بعد فتواهم نائمين.

يا أبناء الغُثاء... والغثاء سيدكم ومسودكم:

متى تفهمون؟

تكفيركم للناس لا يحل قضايانا.

(7)

ويقول الشيخ المنكوب بعقله:

"المقاومة لم تعد العدة... وجهادها فوضى... ما هكذا يكون الجهاد... الجهاد بحاجة إلى علماء راسخين لكي يكون!"

ولو أن الشيخ جاء إلى غزة ليعد العدة لصدقناه

ولو أنه أعد العدة بكلمة في بلده لأيدناه

بعد الخميس الجمعة... ولذا بتنا نكره كل أيام الأسبوع.

أيا مشائخ الكبسة... أيها الرائعون الماجدون:

أُمِرْنا بإحسان الظن بالمسلمين، وَأَمران اثنان يجعلانا لا نُحسن الظن بكم.

كنتم مُحَامِين فشلة لكل القتلة الذين كانوا في التاريخ.

ولم تكتفوا... أمعنتم في حاضرنا أيضاً...حين جلستم على موائد السلاطين.

***

لكن ولماذا أغضب من الخميس والجمعة أنا؟

وكتب عقيدتي تعلمني ألا فارق كبير بين عثمان وعلي!

(8)

لا يوجد كائن في الدنيا أغبى من حيوان يرى أن المقاومة تُقاتِل من أجل إيران.

(9)

عندما طال مكوثهما في النفق، نَضَبَ كيلو التمر المُعَد لهما، لم يتبقَ منه سوى ثمرةٍ واحدة.

وتصارعا:

أيهما يتنازل عن الثمرة لأخيه

وبعد التهدئة عادا ليعودا

والثمرة باقية

تُثبت أن الإيثار وكل خصال البذل أو البطولة التي تنقلها كُتُبُ التاريخ ليست مستحيلة.

وتُثبت أيضاً أن الذين فتحوا القدس، والذين حرروها بعد ذلك، كانوا بشراً عاديين، لن تعجز الأمة أن تنجب مثلهم.

وأن هناك فارقاً، وأَيُما فارق بين أن يحدثنا العلماء الساكتون عن قصص الأولين، وبين أن نراها مُجَسَّدة في الشباب المتواجدين أمامنا.

إنجاب الأبطال ليس مهمة صعبة.

لكن تنقية الأمة من جوقة الكذبة مهمة تكاد تكون مستحيلة.

(10)

"معظم التاريخ ظن، وبعضه من إملاءات الهوى"

الكلمة للمؤرخ الأمريكي الكبير "وِل ديورانت"

أما الفعل فلرجال المقاومة:

معظم الذي حَدَث... حَدَث

وبعضه يفوق التصور والخيال.

(11)

هناك أقوام وكأنهم يعيشون في ستوكهولم أو أمستردام.

يُقَيِّمون المقاومة بمنطق مَن عاش هناك... فَسَكِر.

لكل مكان ولكل زمان ولكل ظروف منطقها الذي يصلح لأن يكون قاعدة استدلال تنجم عنها نتائج.

أرقب كلماتهم، فترتسم في مخيلتي صورة لشخص، يُفسر الحضرات الصوفية من خلال نظرية القيمة وفائض القيمة لكارل ماركس.

(12)

كنا في الطائف، فَهُنَّا على الناس.

قاومنا... وآثرنا أن يرجمنا الأنجاس.

لأن المطعم بن عُدي لم يكن في انتظارنا.

(13)

أخرجوها من تحت أنقاض البيت المُهال على رؤوس أهلها كلهم.

أين أبوها؟

لقد تَفَتَّتْ.

أين أمها؟

ها هي جثة مطرزة بالشظايا.

أين أخوتها؟

أولهم استشهد في الحرب قبل الأخيرة، والآخر استشهد في عملية الإنزال الأخيرة.

أين أختها الصغيرة؟

واضح أنه لم يتبقَ منها سوى الرأس.

(14)

لو أن دماء الأطفال في غزة كانت نَفْطاً مُسَالاً ومهدراً في شوارع الرياض أو أزقة جَدَّة، لَخَرَجَ علينا مشائخ أولي الأمر شاجبين للمبذرين الذين هم أخوان الشياطين.

ولو أن دماءهم كانت دماءً لعاهرات شارع الهرم في القاهرة، لَخَرج شيخ الأزهر باكياً وَمُنَدداً وَمُتَحدثاً عن حرمة الدم، وعن سماحة الإسلام.

ذلك لم يحدث، ولكن الذي حدث أن أحد جحافل السلف الصالح المعاصرين، سُئِلَ عن نُصرة وإغاثة أهل غزة، فأجاب أن أهل غزة شيعة، ولذا لا يُنصرون ولا يُغاثون!

وبعد هذا، سألني أحد الذين يقتربون من نقطة الإلحاد في العربي الكبير:

"هل الإله الذي يؤمن به الناس في غزة، هو الإله نفسه الذي يعبده الشيخ السديس ويُصلي له في الحرم المكي، وهل النبي الذي يقتفي أثره شيخ الأزهر الشريف في القاهرة، هو النبي نفسه الذي يُصلي عليه الناس في غزة في صلواتهم وبعد أدعيتهم؟

وقبل هذا وذاك: هل الجنة التي سيدخلها أطفال غزة، هي الجنة نفسها التي سيدخلها العلماء والمفكرون الساكتون في أدنى مستويات قذارتهم، والمتآمرون والمُحَرِّضون في أعلى المستويات لسلم القذارة؟!"

قلتُ له: أسئلتك بحاجة إلى نبي لكي يُجيب عنها!

(15)

أيها الفلسطيني تَذَكَّر:

فلسطين ليست سوريا لكي تنهمر الفتاوى الداعية للجهاد على أرضها، وهي ليست أفغانستان ولا كشمير.

كما أن دولة الاحتلال ليست ميدان رابعة، لكي يتحالف رجال الكنائس مع شيخ الأزهر مع جيش العرب الأكبر.

والذين يقصفون أبناءها ليسوا حوثيين، لكي يرتدي الشيخ العريفي "جعبة" ناسفة، وليسوا إيرانيين أو لبنانيين، لكي تنهمر دموع الشيخ السديس في الحرم المكي وهو يدعو عليهم.

(16)

زعماء العرب يؤمنون بمناهج البحث العلمي.

كانوا بحاجة لعشرة أيام لكي يشعروا بالمشكلة.

وكانوا بحاجة إلى عشرٍ أخريات لكي يحللوا أسبابها.

وعندما انقضت العشرات الأخيرة، اكتشفوا أنهم أصغر من المشكلة.

(17)

كان من العاشقين لمصعب بن عُمير، ذلك الصحابي الجليل الذي كان أعطر فتيان مكة، والذي بُتِرَت يَداه في معركة أحد قبل أن يستشهد.

كما أنه كان معجباً بالصحابي الجليل غسيل الملائكة "حنظلة" . ذلك الذي خرج في معركة أحد جُنُباً في ليلة دخلته على زوجته ملبياً داعيَ الجهاد.

كان جُنُباً، ولهذا غسلته الملائكة كما تقول الروايات الحديثية.

***

شَهِيدُنَا.....

أعطر فتيان المخيم كان...، أما زوجته فلم يدخل بها.

أيا حنظلة، وأنتَ يا مصعب بن عمير

يداهُ بُتِرِتَا، وجسده لم يتبقَ منه شيئاً...، ولهذا لم يتسنَّ للملائكة أن تُغَسِّله أو تُصلي عليه.

***

هل قرأ شهيدنا على مسامع خطيبته قصيدة المرحوم نزار قباني: "صباحُكِ سُكَّر"

 

إذا مَر يومٌ ولم أتذكر

به أن أقول صباحك سكَّر

فلا تَنْعَتِينِي بموتِ الشعورِ

ولا تحسبي أن قلبي تَحَجَّر

أحبك فوق المحبةِ لكن

دعيني أراكِ كما أتصور؟

(18)

خرجوا جميعاً من البيت، وذلك بعد أن جاءهم اتصال الضابط الإسرائيلي، آمراً إياهم بالخروج، لأن بيت "أبو رامي" سيتم قصفه بعد خمس دقائق من الآن.

نادى "أبو رامي" على كل المتواجدين في البيت، أمرهم أن يخرجوا، لأن الطيار الإسرائيلي سيقصف البيت.

كان من الخارجين أخوه "أسامة"، خرج مودعاً البيت، وقف على مرمى حجر منه، وعندما فعل، تَذكَّر أن ابن أخيه –الطفل الصغير- لازال متواجداً هناك: هناك في البيت!

وَتَخيَّل البيت مقصوفاً على رأس الطفل الصغير، فلم ينتظر...، أطلق لقدميه العنان، وجرى بأقصى ما يمتلك من سرعة لإنقاذ الصغير. ذلك على الرغم من كل تحذيرات الأهل والأقارب والجيران: "ارجع يا مجنون... ماذا تفعل... إنهم سيقصفون البيت... إلى أين أنت ذاهب؟!"

كل الذي سمعوه منه وهو يجري نحو البيت بأقصى سرعة: "ابن أخي متواجد داخل البيت، سأنقذه الآن... الآن".

وكان المجرم الإسرائيلي الممتطي لطائرته في السماء يرى أسامة وهو يجري ببسالة منقطعة النظير نحو البيت.

لم يسأل الطيار الإسرائيلي نفسه: ما الذي يجعل أسامة يجري بعنفوان نحو البيت المُعَرَّض للقصف. وكل الذي فعله المجرم أنه أطلق صاروخاً على البيت لحظة دخول أسامة إليه.

غادر أسامة، استشهد أسامة، ولعل الطيار الإسرائيلي لم يسأل نفسه:

تُرى لو كان كل سكان إسرائيل متواجدين في البيت المُعَرَّض للقصف، هل كان رئيس وزراء دولته، أو هل كان أيٌّ من قواد جيشه، سيفعل الذي فعله أسامة؟!"

(19)

"وتمر عيوني في البلدان

وفؤادي مذبوحٌ عطشان

وَسَفِيني تجفوها الشطآن

عذراً يا أهل الأرض السَكرى بالدوران

مهما ظلت أجفان بلادي تطمسها القضبان

وطني لا أقبل غيره آلاف البلدان"

 

الكلمات للشاعر الفلسطيني كمال غنيم.

(20)

كان هناك... في أقصى الأمام... هناك حيث الأعداء.

فَرغَت ذخيرته

تماماً كما نفد زاده وزواده... لا ماء ولا تمر ولا أي شيء يملأ المعدة التي اعتادت ألا تجوع.

أجالَ بصره في الفضاء:

كانت الطائرات فوقه، والدبابات حوله.

امتحن ذخيرته فخانته، كانت نافذةً، فآثر أن يبيت تحت الرمل...، دفن نفسه، ولم يُبْقِ سوى بعضاً من مليمترات تكفيه لأن يتنفس.

ثمانٌ وأربعون ساعة تحت الرمل

ثمانٌ وأربعون ساعة ولا ماء ولا تمر

ثمانٌ وأربعون ساعة والطائرات فوقه، والدبابات حوله

حتى جاءت الهدنة... تراجع اليهود. أما هو فتراجع إلى البيت ناجياً... لا لشيء إلا ليعود إلى ميادين القتال.

(21)

بقدمي سأصنع مِتراساً للدبابة

وبعينيَّ اللتين سَتَتَبَقَّيَان في رأسي، سأبصر الطريق لكل العابرين.

(22)

بين يدي الأطباء استقر جسده المثخن بالجراح.

كان غائباً عن الوعي: روحٌ ترفرف في حنايا ما تبقى من الجسد.

لم يدرِ الأطباء إن كان مَيتاً أم أن فيه روحاً لازالت تُتَعْتِع.

كل الأجهزة الطبية كانت تخبرهم بموته، إلا ما كان يدوي في مسامعهم من الكلمات المنبعثة من لسانه.

إنه إنسانٌ ميت... لكنه يتلو القرآن.

وعندما استغربوا، أخبرتهم أمه بخبره، قالت لهم:

ليست كرامة!

إنه دائم التلاوة للقرآن. هذا هو حاله وهو صاحٍ وهو نائم.

أَيَكونُ شهيداً لو حرمه الله نعمةً في مماته، بعد أن حباه الله بها طيلة حياته؟!

(23)

أيها الفلسطيني: أيهما يحلو لك أكثر؟

نصرٌ تبحثُ عنه

أو شهادة تنتظرها في كل مكان؟!

(24)

كان العدو أقرب من حبل الوريد... وعند نقطة الصفر اجتمع القائد بالجند ليشرح الخطة.

قال لهم:

سأتقدم أنا نحو الجند المختبئين على مرمى نظرة... وستشغلونهم أنتم برصاصكم المنهمر. سيخافون منكم ولذا سيختبئون وسينبطحون وسيخفضون رؤوسهم.

واصلوا إطلاق الرصاص عن يمني وعن يساري، ولا تتوقفوا إلا لحظة أصل أنا إليهم.

لحظة يقف رصاصكم، سيرفعون رؤوسهم، وبتواجدي على رؤوسهم سيتفاجؤون،وببندقيتي سأجتث المتواجدين.

تقدم وفعل، تقدم وقتل كل الجند المتواجدين هناك...، أفرغ كل الذي يمتلك من رصاص، وعندما فكر بالعودة، كانت عربات العدو تتقدم نحوه. امتحن بندقيته، فوجدها قد نضبت من الرصاص!

كانوا يتقدمون نحوه، والبندقية ناضبة... ندم أن لم "يتحزم" بحزامٍ ناسف.

تظاهر بالموت، بعد أن غرف بيديه دماً من أحد جنود العدو النازفين المقتولين.

لطخ جبهته بدم الجندي المقتول، مسح ثيابه بالدماء القذرة، وتظاهر بالموت.

جاء العدو... سحب جثث جنوده، وعندما نظر إلى القائد، وجده ميتاً، فقام جندي العدو بالذي تمليه عليه حنكته العسكرية، أطلق على الجسد المسجى رصاصاتٍ معدودات، ليتأكد أن القائد قد قُتِل.

لم يمت القائد، وجاءت الرصاصات على طول يده ورجله وجنبه الأيسر.

وعاد... كما يعود كل الرائعين.

(25)

عدم رؤيتنا للأشياء لا يعني أنها ليست موجودة، ورؤيتنا لها لا يعني أننا أبصرنا كافة الحقيقة.

يا رجال المقاومة: أخبرونا بربكم... عن الذي لم نَرَه... وعن الذي من الممكن أن نبصره، وعن الذي نعجز أن نتخيله.

(26)

على أنقاض بيته المقصوف جلس، أشعل سي جارة، ثم حوقل واستغفر وأناب.

قال بعدها: "كله فدا المقاومة".

ومر عليه رسول الخليفة القاطن في بلاد الرافدين، لم يُواسِه، ولم يطالبه بالاحتساب، لأن المدخن محتسب أصلاً.

قال الرسول:

أَتُدَخِّن هنا والمجاهدون يقطعون رؤوس الكفر في سوريا والعراق؟!

نظر إليه، وأطلق غيمة دخان، ملأت أرجاء المكان، ثم قال:

قطعتم الرؤوس فَكِدْنَا نَشُك بدين محمد.

وأبصرنا جِهَاد الأنقياء، فَعُدْنا إلى الجادة.

(27)

عندما عاد، صادف في طريقه فارساً مُضرجاً بالدم.

كان يجود بآخر أنفاسه، حاول أن ينقذه وهو المثخن بالجراح.

قال له الفارس المضرج بالدم:

لا ... دعني... لأنني سألقى الله هنا.

سَلّم على الشباب، وقل لهم: أنني رأيت النبي عليه السلام الآن، ولقد حَنَكني بتمرتين.

(28)

لا تظلموها

ضفة العياش لم تَخُن

ولكن الزمان خانها.

(29)

توفي أبوه عندما كان في المهد صبيا

وتُوفي جده –لأمه- عندما بلغ من العمر عشر سنين

لا ترثوه... وارثوا أمه التي فقدته بعد عشر سنين أُخريات.

(30)

متى تُلقي أمريكا قنبلةً من قنابلها النووية؟!

-لماذا؟

لكي تعود الحياة لدورتها الأولى.

-ماذا؟

لكي نجاهد على السنة

فالسلف الصالح كانوا لا يركبون الدبابات ولا الطائرات.

***

لا تتورطوا:

القائل لا يحيا في دائرة الزمان أو المكان.

إنه يحيا في دائرة البطيخة.

(31)

ما هذا ما هذا ما هذا؟

إن أردته طالباً نجيباً... وجدته

إن أردته عامل بناء مُتقناً... وجدته

إن أردته حافظاً لكتاب الله... وجدته

إن أردته حافراً لنفق وجدته

وإن أردته جندياً أبياً... وجدته منغمساً في صفوفهم، مُطْلِقاً للرصاصات أولاً، مفجراً لجسده ثانياً، أستاذا وشيخاً ومعلماً لم أراد أن يقتبس شيئاً من رجولته ثالثاً.

(32)

يا أهل غزة

مرآةٌ للإنسانية أنتم

في كونٍ لا يحلو له أن يرى نفسه إلا في المرايا المكسورة.

(33)

طوبى للماجدات الفاقدات أحبابهن وفلذات أكبادهن.

وطوبى للرجال الذين علموا أبناءهم السباحة والرماية وامتطاء ظهور الدبابات.

(34)

تروي قصص البطولة القديمة ما يلي:

صديقي لم يعد من ساحة المعركة سيدي... أطلب منك الإذن بالذهاب للبحث عنه.

أجابه القائد: الإذن مرفوض!

وأضاف القائد: لا أريدك أن تُخاطر بحياتك من أجل رجل من المحتمل أنه مات.

ذهب الجندي دون أن يعطي أهمية لرفض رئيسه، ذهب لينقذ صديقه.

وبعد ساعة عاد وهو مُصاب بجرح مميت حاملاً جثة صديقه.

قال القائد مُعتزاً:

قلتُ لك أنه مات

قل لي إن أكان يستحق منك كل هذه المخاطرة من أجل العودة بجثته؟!

قال الجن دي مُحتضراً:

بكل تأكيد سيدي... وعندما وصلتُ إليه كان حياً، واستطاع أن يقول لي:

كنتُ واثقاً أنك ستأتي.

***

الحياة ليس رياضيات أو معادلات حسابية يا مُنْتَقِدي المقاومة.

هناك شيء آخر هو أسمى ما فينا... إنه المعنى الذي نُعبر به عن إنسانيتنا في أرقى مراحلها.

***

ماذا تكون الدنيا لو نَضَبَت من المُتَسَامِين؟

إنهم يمنحوننا المعنى الذي قد يَشُح في دواخلنا.

كما أنهم يُعطرون أيامنا بالشذى وعبق الياسمين، في أوطانٍ تبدو وكأنها عقدت هُدنة مع كل شيءٍ رائعٍ وجميل.

***

واحد +واحد قد يساوي ملايين في عُرْفِ مَن يؤمن بقضية. وقد يسمو الصفر عن مجموعهما في عرف المتخاذلين.

لأجل هذا... أبو مازن ليس عرفات.

وعثمان الخميس وعلي جمعة ليسوا أحمد ياسين أو فتحي الشقاقي.

(35)

-لكن وما جدوى المقاومة؟!

.

.

.

عندما يستفز العدو كرامة شعب

تغدو المقاومة دِيناً

ويغدو التغيير والإصلاح مذهباً من المذاهب.

***

ماذا لو بلغ أبوك من العمر عتياً؟

ماذا لو بلغ التسعين أو المائتين؟

وأخبرك الأطباء بحاجته لعملية جراحية.

أكنتَ تبخل؟!

أنتَ أنتَ يا مَن تؤمن بالمعادلات الحسابية.

***

روعة الوطن تكمن في تقبله لكل أبنائه البارين والعاقين.

وإن كان الزمان قد جمعنا معاً في نفس الوطن، فلا أقل مِن أن نتعايش كَمُضطرين.

ولكم علينا ألا نتعامل معكم كَخَوَنة، ولنا عليكم ألا تتعاملوا معنا كمجانين.

***

قبل أن أنتهي

أتدرون ما هو الشيء الذي قد يسرقه النسيان؟

إنها البطولة!

عندما تكتظ دنيانا بمشاغلنا، ننسى في الأغلب كينونتنا، دورنا، وظيفتنا، غايتنا، هدفنا...

ولولا الأبطال

لولا الفدائيون

لولا المتسامون

لولا (المعنى)

لكنا أقرب ما نكون، لأخس شيء من الممكن أن نكون عليه.

"تفنى أجساد العظماء

وتبقى ذكراهم"

ولهذا... عهداً علينا ألا ننساكم أيها الشهداء

عهداً علينا أن نتذكركم، في أفراحنا وفي مآتمنا

عند قدوم الغيث، وعند تأخر المطر،

وعند لحظة التحرير القادمة بإذن الله.

خيمةٌ للشرف أنتم، نستظل تحتها ونفخر.

البث المباشر