بين خريف العمر "وخراريف السياسة" يقود الرئيس محمود عباس الشعب الفلسطيني بطريقة واهنة، بدليل أن مسيرته تخلو من أي إنجاز سياسي، فضلا عن أن جميع مواقفه تُعيدنا إلى "المربع الأول".
وكنتيجة "حتمية" لذلك، فإن أبو مازن بات منبوذا لدى الشعب الفلسطيني، ولم ينل احترام الدائرة المحيطة به، ولا حتى القريبين من آذانه.
ربما، تكون "خراريف الرئيس" واحدة من أهم الأسباب التي هوت بمكانته لدى الناس، فلا يكاد يخلو حديث له من "سقطات"، بقدر ما تثير السخرية، فإنها تعكس حجم "الإحباط السياسي" الذي يعيشه الرجل، أو "المُسن" بالتعبير الأصح.
وإن مررنا سريعا على محضر الاجتماع الذي نشرته حديثا، صحيفة الأخبار اللبنانية، لأمير قطر بأبي مازن ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل في الدوحة، فإننا سنلحظ بعضا من تلك "السقطات"، أو قل "نماذج من الردح السياسي"، الذي يبدو أن الرئيس لا يُتقنه سوى مع أبناء جلدته.
"لهون واصلة معي (يشير إلى أنفه)، ردد أبو مازن هذه الجملة مرات عدة في الاجتماع، ومع كل مرة كانت حرارة الرئيس ترتفع، وتنساب معها التعبيرات التي لا تليق برئيس شعب، يعد أعظم الشعوب وأكثرها تجارب سياسية.
وحين سئم مشعل ترديد أبو مازن لهذه الجملة، بادره قائلا: "ما هكذا تعالج الأمور، يا رجل أنت الرقم واحد في الشعب الفلسطيني"، وكله في سبيل أن يعود إلى صوابه ويهدّئ من روعه، لكنّ ردّ الرئيس أثبت أنه فقد كل شيء، بما فيها صوابه وأعصابه، حيث قال: "بدي أخلص من هذه القصة، بدي أخلص منكم ومن أميركا".
جُنّ جنون الرئيس "ولم يعد عنده قدرة على الصبر مع (إسرائيل) والأمريكان أو مع حماس"، كما صرح بذلك في لقاء غير مصوّر مع إعلاميين مصريين أمس الأول، وهو الذي كان يقدم نفسه على أنه "شريك معتدل"، لكنه في موسم الحصاد، لم يجن غير الإهانات.
عدا عن ذلك، يواصل عباس التنكر للفصائل الفلسطينية وإلغاء الآخرين، بإعلانه دوما أنه "الشرعية"، وأن لن يقبل سوى بحكومة واحدة وسلطة واحدة وسلاح واحد، وأنه لا سلاح شرعيا سوى الذي في إيدي السلطة، الذي هو بالأساس مصوّب نحو صدر المقاومة في الضفة فقط، إلى جانب إصراره على الإمساك بكل الملفات الفلسطينية (الإعمار، وقرار الحرب والسلم).
ثم إن معارك الرئيس وخصوماته ليست مع حماس فحسب، داخل حركة فتح نفسها، فتح أبو مازن أكثر من جبهة تحت مسميات عدة، المفصولين مرة، و"الدحلانيين"، و"المتجنحين"، فجعل الجسد الفتحاوي هزيلا، وغير قادر على التأثير في الحياة السياسية الفلسطينية، وكذلك أسهم في تدني شعبية الحركة على المستوى الجماهيري، وصرَف التعاطف نحو المقاومة والحركات الإسلامية.
كل ذلك، مهّد طريق الإحباط إلى نفوس الفلسطينيين، الذين أخذوا يستحضرون مواقف الرئيس الراحل ياسر عرفات، ويتحسرون على "سائح صفد"، الذي اختصر الوطن في الضفة الغربية وأخرج قطاع غزة من حساباته، وقدّم تنازلات مجانية من أجل إرضاء (الإسرائيليين)، في ازدراء واضح للشعب الفلسطيني ومشاعره الوطنية.
وإن كان عرفات يلقّب بـ "الختيار"، إلا أنه رغم كل الخلافات والإشكالات مع خصومه على الساحة الفلسطينية، لم يكن يخرج عن طوعه ويصاب بالجنون، والأهم من كل ذلك، أنه كان على "مسافة صفر" من شعبه، على عكس أبو مازن الذي بات رأس ماله بين الصفر والسُمعة السيئة.
الرئيس عباس خاض معارك على كل الجبهات، لكنه لم يخض أي مواجهة على جبهة الأعداء، وهذه هي المحصلة.