قائمة الموقع

في فناء "حبيب" بطولة ثلاثية الأبعاد

2014-09-08T12:14:47+03:00
منزل عائلة حبيب
الرسالة نت- محمد أبو زايدة

في تمام الخامسة من فجر العشرين من يوليو/ تموز، وصلت تعزيزات عسكرية "إسرائيلية" من القوات الخاصة شرق حي الشجاعية، تعداد جنودها يزيد عن الأربعين، تمركزت آلياتها في فناء منزل عائلة حبيب، ونزع أفرادها عن أكتافهم العتاد، واتفقوا على أخذ "استراحة محارب" يسرقون خلالها عنبٍ من "كَرْمِ عائلة حبيب"، ليفطروا عليه.

داخل أحد المباني المجاورة لكروم العنب، مجموعة قسامية مكونة من ثلاثة أفراد -فريد وفادي حبيب (شقيقان)، وإسماعيل محمدين- ترقب تحركات الجنود "الإسرائيليين"، لتصطادهم.

قائد المجموعة "فريد"، جهّز خطةَ سريعة للقتال، اتفق على أن يفتح كل واحدٍ من المجموعة، "مسمار الأمان" لقنبلتين، ويطلق ثلاثتهم القنابل على الجنود، ثم يعيدوا الكرة مرة أخرى بعد 10 ثواني.

جنود الاحتلال تجمعوا في فناء البيت بجانب بعضهم، فنظرت المجموعة القسامية لبعضها بإيماءات، ثم هزوا رؤوسهم معلنين بداية التنفيذ، وأطلقوا القنابل صوب الجنود، ثم أعادوا الكرة مرة أخرى، حتى سمعت أصوات صرخات جنود الاحتلال تعلو بكاءً في المكان.

أشباح القسام

لم يستطع أحدٌ من "جنود غولاني" الذين قتلوا في فناء بيت عائلة حبيب أن يطلق رصاصة واحدة صوب مجموعة "فريد"، والسبب أنّهم "يقاتلون أشباحًا، ولا يعرفون مصدر القنابل من أين وصلت".

الشوق في إثخان العدو بقي قيد الاشتعال في قلوب المجموعة، فرصدوا المكان ونزل ثلاثتهم إلى حيث جثث جنود الاحتلال الملطخة بالدماء في فناء المنزل،  فوقفوا على أقدامهم، واستل كل واحدٍ منهم خنجره وجعلوا يغرسونه في أجساد وقلوب الصهاينة. حتى عدّوا من المقتولين 41 جثة هامدة. ونقل جنود القسام الفرحة التي غمرت المجموعة وهم يعدون القتلى، مبدوءة من "قتلنا الخنزير الأول، وهي الثاني.. الله أكبر 41 خنزيرًا قتلنا.. ماتوا جميعهم".

اتفقت المجموعة على أن يتراجع "فادي وإسماعيل" إلى البيت المجاور لمكان الحادث، قبل قدوم التعزيزات "الإسرائيلية"، وأن يغطي عليهم فريد من المكان.

وصل "فادي وإسماعيل" للبيت المجاور بعد أن أحدثوا ثقبًا في جدار احد المنازل ليتسنى لهم الوصول بسرعة وبدون أن تكشفهم طائرات "الاستطلاع" "الإسرائيلية". وبقي فريد يحمي ظهرهم.

كانت الساعة تشير إلى السابعة بعد انتهاء الجولة الأولى من المعركة، حتى وصلت تعزيزات "إسرائيلية" للمكان، مكونة من مجموعة يزيد عددها عن 25 جنديا "إسرائيليا"، وبدأت بالاشتباك مع "فريد".

قلق باقي أعضاء المجموعة على مصير حياة فريد، فتواصلوا من خلال "شيفرات قسامية" يفهمون إشاراتها، إن بقي على قيد الحياة يبلغهم بإطلاق رصاصة واحدة في السماء، وفعل ذلك، وبعدها بدقائق اشتد وطيس الاشتباكات بين (فريد و جنود الاحتلال)، فطلب فادي أن يطمئنه شقيقه على مصيره بإطلاق رصاصتين في الهواء، وكان له ما طلب. ثم قصفت آليات الاحتلال المكان الذي يتمركز فيه فريد.

الانتقام

بقيت الاشتباكات تدور رحاها بين فريد وجيش الاحتلال لساعتين متواصلتين، حتى ارتقى فريد شهيدًا، فعلموا أنه استشهد بعد فقد الاتصال به.

منظر جثث جنود الاحتلال وهي ملقاة في فناء بيت عائلة حبيب؛ أفزع "قوات النخبة الإسرائيليين"، فأرادوا الانتقام من قائد المجموعة الذي قصفوه، فذهبت مجموعة "إسرائيلية" للبحث عن جثة "فريد" وإحضارها، تحت تغطية الطائرات والآليات العسكرية الحربية، من خلال إطلاق حممها على بيوت الآمنين.

وصلت "قوات النخبة" للمكان، وجدوا جثة "فريد" ملآى بالشظايا، حملوها ووضعوها في فناء بيته، وسيّروا آلياتهم المجنزرة فوق جثته لشدة غضبهم، حتى أن أهله لم يجدوا سوى "كفة يده" هي التي دلت عليه.

القتال مستمر

في الجانب الآخر من المعركة تمركز "فادي وإسماعيل" في بيتٍ مجاورٍ من مكان العملية السابقة، وبدأوا برصد القوات الخاصة، ونظموا فكرة عملية استشهادية في منزلٍ مليء بأنابيب الغاز، وضعوا خطة سريعة ومحكمة، وتسلق كلاهما "سدة" المطبخ - وهو مكان مرتفع يخزن فيه أثاث البيت القديم-، يرقبان وصول "جنود النخبة الاسرائيليين".

بقي فادي وإسماعيل لنصف ساعة يترقبان وصول "النخبة" للمكان، حتى وصلت ومشّطت المنزل بسرعة، وأعادوا خطيئة من سبقوهم، فنزعوا عن أجسادهم عتادهم وأسلحتهم، وذهبوا للمطبخ لتناول الطعام، لكنّ طعامهم كان القتل.

كانت خطة فادي تقتضي بأن يطلق؛ رصاصة واحدة على كل أسطوانة غاز وزعاها في البيت، لتنفجر على إثرها وتقتل مَن حولها مِن الجنود، وبدأت ساعة الصفر للتنفيذ، فأطلق وزميل دربه إسماعيل رصاصة على كل أسطوانة غاز، حتى انفجرت أكثر من واحدة، ولحقها انفجار أصوات بكاء "جنود النخبة".

وبدأ استكمال الخطة بإطلاق الرصاص الحي على الجنود لقتل من بقي منهم على قيد الحياة، فكان ما يقارب الـ25 جنديًا ما بين "محروقٍ وقتيل".

نجحت العملية، فكانت الخطة التالية أن ينسحب فادي وإسماعيل إلى البيت المجاور لهذا المكان، فقفز الاثنان، إلا أن إسماعيل كسرت قدمه بعدما كانت مصابة.

إسماعيل كان مصابًا بكسور في قدمه اليمنى قبل تنفيذ العملية، وأجبروه الأطباء على تجبيرها، لكنّه رفض المكوث في بيته و عندما خرجت مجموعته المكونة من "فريد وفادي" إلى الاشتباك مع قوات الاحتلال أمسك سكينًا وفك الجبص عن قدمه، وبقي يقاتل بقدمٍ واحدة.

لحظة الوداع

خرج القساميان متأثران بجروحٍ خلال الاشتباكات، وصولًا لمجموعة ثانية على الجانب الآخر، فسردوا لهم تفاصيل الاشتباك مؤكدين مقتل 41 جنديًا بقيادة "فريد"، ثم مصرع ما يزيد عن 25 آخرين بين "قتيل. ومحروق" في عملية مشتركة بين فادي وإسماعيل.

الطائرات في سماء الشجاعية لم تتوقف برهة من الزمن، فبدأت جولات الرصد تتوسع لتنتقم ممن قتل ما يزيد عن ستين جنديًا من أفضل ما يمتلك الاحتلال من مقاتلين.

في تمام العاشرة صباحًا اتّحدت المجموعتان القساميتان لتكملان المسير، ولكن "استطلاعًا أرضيًا-عميل- أبلغ المخابرات الاسرائيلية" عن مكان المقاومين، فأطلقت طائرة حربية صاروخًا على تجمعهم، فانقسموا على إثر ذلك مجموعتين، الأولى كما هي "فادي واسماعيل" والثانية مكونة من ثلاثة آخرين.

قائد المجموعة الثانية أراد الاطمئنان على فادي وإسماعيل، فنادى بأعلى صوته " هل ما زلتم على قيد الحياة"، فأجابوه بـ "نعم". وما أن انتهى صدى صوت "الطمأنة"، حتى أطلقت الطائرات الحربية "الإسرائيلية" ثلاثة صواريخ من طراز F16 على المجموعة الأولى ليلقوا ربهم شهداء.

انتهت معركة أبطال القسام الثلاثة في حي الشجاعية، لتنقل تفاصيلها المجموعة التي نجت إلى أهاليهم، وبدورها "الرسالة نت" زارت عائلة حبيب، واستطلعت مكان معركة فريد، وفادي وإسماعيل، والأرض التي قتل عليها ما يزيد عن 60 "إسرائيليًا".

الرواية السابقة كانت على لسان أم الشهيدين "فادي وفريد"، والتي نقلتها بوساطة جنود قساميين مجهولين، ما زالوا يعدون لحربٍ أشد ضراوة مما شاهده الاحتلال بعائلة حبيب.

وتوافقت رواية أم الشهيدين مع رواية الموقع الإعلامي لكتائب الشهيد عز الدين القسام عن تلك المعركة.

تكشف لنا أم الشهيدين تفاصيل حياة ابنيها، فتقول " كانا ملائكة تمشي على الأرض، لسانهم القرآن، وأفعالهم كذلك".

نشأة (فادي وفريد)

تجلس أم الشهيدين على كرسيها الذي نجى من معركة حاسمة، في أرضٍ قتل بها أبناؤها عشرات الجنود الغزاة، فتروي مفتخرة نشأتهم " بدأوا الرباط خفية منذ السادسة عشر من عمرهم، لم نعلم بذلك في بادئ الأمر، إلا أننا كشفناهم بعد خروجهم منتصف الليل وقبل الفجر للرباط".

وتبتسم مستحضرةً ذكرياتِ أولادها الذين رحلوا "عندما نسألهم عن ذهابهم، يجيبون أن المسجد ينظم اعتكافًا، ويذهبوا ليرابطوا على الثغور" توقفت أم فادي عن الحديث لثوانٍ معدودات. ثم أخبرتنا عن لحظة اكتشافها لأبنائها أنّهم من "جنود القسام". فتقول:

"في إحدى الليالي ذهبت أتفقد أبنائي، لكنّهم غير موجودين، ثم انتظرت حتى بعد الفجر، فدخلوا البيت ليناموا، أردت الاطمئنان عليهم، فوجدت "العصبة" –قطعة قماش يكتب عليها شعار القسام- على جبينهم، سألتهم عن ذلك، فأنكروا بادئ الأمر، حتى اعترفوا أنّهم من جند القسام".

كانت تتحدث بقوة قلب الأم التي تضحي بأبنائها غير آبهة بالدنيا وملذاتها، فتشير على جبينها وتقول " كانوا يقبلوني قبل ذهابهم للرباط، وأدعو الله أن يحفظهم".

سِرّية وضفادع بشرية

"يصومان اثنين وخميس، ويتحدثان باستمرار عن الدين وفقهه (..) وكانت حياتهم مليئة بالغموض، لا يعرف أحدٌ منا ما كانوا يفعلون". وتتحدث أم الشهيدين عن ابنها الراحل فريد " يخبرني دومًا أنه يخاف على وطنه بعد عودته من الرباط إلى بيته، وكلما بقي على الثغور يشعر بالسعادة والطمأنينة".

كانت بأناملها تطهي أم فادي الطعام للمجاهدين، وترسله مع زوجها، أو أحد أبنائها ليوصله لهم، وتذهب إلى "كروم العنب" في بيتها، لتقطف الثمار لهم، سعيًا لراحتهم.

تخبرنا أم فادي عن لحظة اتصال قيادة القسام بـ"فريد"، وطلبهم منه الحضور لوحدة الضفادع البشرية، والتي كان يتدرب فيها "صيفًا وشتاءً"، لكنّهم ارتأوا في اللحظات الأخيرة أن يبقى في الحدود الشرقية لغزة.

وعن الضفادع البشرية تخبرنا أم الشهيدين "كلما سألناه أين تذهب في الشتاء، يخبرنا أن هنالك دورة سباحة، ولم نعلم أنه في الوحدة إلا بعد استشهاده، وعندما شاهدت زوجته الملابس التي كان يرتديها تُبثُ على الفضائيات، فأخبرتنا أنها ذاتها التي تغسلها لزوجها بعد عودته من الدورة".

وعندما أرادت الأم أن تزوج أبناءها، أخبروها أنهم مشاريع شهادة، لكن إلحاح الأم وضعهم تحت الأمر الواقع، فزوّجت فادي 32عامًا ولديه من الأبناء ولدين وبنت، ومن بعده فريد 29عامًا ولديه من الأبناء ولد وبنت كذلك.

تسند بظهرها على كرسيها الذي وجدوه تحت الركام، فتشدو بصوتها " وَقَبـّل شَهيدا على أرضهــا، دعا باسمها اللهَ واستشهـدا، فلسطينُ يفدي حِماكِ الشّبابُ، وجلّ الفدائيُّ والمُفتدى، فلسطينُ تحميكِ مِنّـا الصـدورُ، فإمَّـا الحيــاةُ و إمَّـا الــرّدى".

اخبار ذات صلة