لقد باتت معروفة الأسباب التي أدت إلى قبول رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار بعد حربه الفاشلة على غزة، في مقدمتها أنه لم يكن يريد حرباً طويلة تستنزفه سياسياً، خصوصاً بعد أن اتضح فشل جيشه في تحقيق أي من الأهداف التي كان أعلنها قبل وفي بداية الحرب. ولأنه تيقن أن الحرب البرية ستكون مكلفة بالنسبة إليه وقد تدمر مستقبله السياسي، أصبح يبحث عن مخرج سريع بأقل كلفة ممكنة. إضافة إلى أن مجازره في غزة أجبرت الكثيرين من أصدقائه، والرأي العام العالمي، على التنديد بها وبجرائم الحرب التي ارتكبت فيها.
لكل تلك الأسباب، قبل نتنياهو وقف إطلاق النار من دون أن يعرضه على حكومته المصغرة، أو يفكر في أخذ موافقتها عليه، واكتفى بوزير دفاعه ورئيس أركان الجيش. لكنه كان ينوي عدم الالتزام بالاتفاق أو تنفيذ بنوده. ظهر هذا في تصريحاته فور سريان الاتفاق، معتقداً أنه يستطيع أن يتنصل منه ربما أثناء مفاوضات القاهرة، تحت الرعاية المصرية.
وفي الأسبوع الأول من سريان اتفاق وقف النار، لم يتغير شيء على الأرض، وظلت آلية فتح المعابر كما كانت، علماً بأن الاتفاق نص على أن تفتح جميع المعابر فوراً.
من جهة أخرى، ارتكبت قوات الاحتلال في هذا الأسبوع أربعة خروق، توغلين في أراضي رفح، وإطلاق نار على الصيادين في البحر، وعلى المزارعين قرب السياج، ما كشف النوايا (الإسرائيلية) المبيتة. وما جاء على لسان نتنياهو أمام أعضاء حكومته المصغرة، ونقلته صحيفة (هآرتس) الصادرة يوم 2-9-2014، وأيضا بثته القناة العاشرة للتلفزيون (الإسرائيلي)، وضع النقاط على الحروف في هذا الموضوع. فقد ذكرت الصحيفة (الإسرائيلية) أن نتنياهو لا ينوي إرسال وفد إلى القاهرة لاستكمال المفاوضات مع الوفد الفلسطيني للبحث في القضايا المؤجلة، ومنها قضيتا المطار والميناء.
وجاء في (هآرتس) أن "نتنياهو تحدث أمام أعضاء الحكومة المصغرة عن هزيمة سيلحقها بحماس من خلال عدم تحقيق أي من مطالبها التي قدمتها في المفاوضات" على الاتفاق. ووصفت الصحيفة تصريحاته بأنها أصبحت (بعد الاتفاق) أكثر صقرية مما كانت! وإضافة إلى الدعم الذي يتلقاه نتنياهو من قادة اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي ومن خارجه، من أجل هذا الهدف، أيده من يفترض أنهم أقل تطرفاً، مثل وزير المالية يائير لبيد، الذي قال في الجلسة نفسها: "إذا أراد القطاع أن يبني نفسه من جديد، فسيكون عليه أن ينزع أسلحته"!
ويصبح السؤال المطروح على المقاومة الفلسطينية، هو: ماذا لو تنصل نتنياهو من اتفاق وقف إطلاق النار وبنوده؟ كيف سيكون موقفها، وماذا ستفعل إزاء ذلك؟!
قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 26-8-2014، ظهر قائد كتائب القسام، محمد الضيف، في فيديو ووجه كلمة مختصرة، قال فيها: على العدو الصهيوني أن يستجيب لكل طلبات المقاومة، وإلا فسيذهب إلى حرب استنزاف طويلة. بعد ذلك بأيام أعلن التوصل للاتفاق.
بعد الاتفاق مباشرة، رد المتحدث باسم حركة حماس، سامي أبو زهري، على سؤال حول ماهية الضمانات بالتزام حكومة نتنياهو تنفيذ الاتفاق، وقال: إحدى الضمانات يمثلها الراعي المصري، ثم "إن للعدو بضاعة لدينا"، وكان يقصد الجنديين اللذين يقول الجيش (الإسرائيلي) إنهما قتيلين لدى حركة (حماس)، مضيفاً: إن للمقاومة خياراتها التي يمكن أن تجبر بها الحكومة (الإسرائيلية) على الالتزام بالاتفاق.
وكان لعضو الوفد الفلسطيني الموحد إلى مفاوضات القاهرة خالد البطش، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، تصريحان بعد الاتفاق. قال في الأول: "إن لم يلتزم العدو بالاتفاق، فالمقاومة يدها حرة وطليقة... وهي تعرف ما عليها أن تفعله، وماذا في إمكانها أن تفعل". والتصريح الثاني قال فيه: "لا أحد يضمن (إسرائيل)، ولكن نطالب الراعي الرسمي المصري أن يلزم الاحتلال بتطبيق كافة بنود اتفاق وقف إطلاق النار... وفي حال ماطل الاحتلال، فالخيارات كثيرة". (30، 31-8-2014 - الموقع الإلكتروني لحركة الجهاد الإسلامي).
في الإطار نفسه، كثر الحديث عن دور "الوفد الفلسطيني الموحد" الذي ترأسه عضو مركزية فتح عزام الأحمد. الآن، وفي ظل الترقب لبدء المفاوضات في القاهرة، لوحظت عودة الخلافات بين حركتي فتح وحماس حول كل شيء تقريباً، ولفتت الأنظار بصورة خاصة اتهامات الرئيس محمود عباس و"تهديداته"، بحيث يبدو أنه لو استؤنفت المفاوضات فعلاً، فإنه من الصعب أن يظل الموقف الفلسطيني موحداً، إلى جانب "رزمة الشروط" التي سيحملها الوفد (الإسرائيلي) المفاوض معه.
هكذا يصبح مؤكداً أنه "لا يصلح آخركم إلا بما صلح به أولكم". بعبارة أخرى، تظل المقاومة واستعدادها للمواجهة هي كل ما يمكن الاعتماد عليه. والطبيعة الصهيونية المخادعة، ونوايا حكومة نتنياهو المعلنة، تتركان الإصبع على الزناد وتجعلان الحذر سيد الأخلاق. وإذا كانت تصريحات فصائل المقاومة ظلت "دبلوماسية" وغامضة، ولم تتحدث عما يمكن أن تفعله فيما لو تأكد عدم التزام الحكومة (الإسرائيلية) ببنود الاتفاق، سوى القول: إن "للمقاومة خياراتها" وهي "تعرف ما عليها أن تفعل"، فإن الجواب الوحيد لا يخرج عما قاله محمد الضيف، من أن خيار المقاومة حتى لا تخسر كل شيء، زائداً مصداقيتها، لا يمكن أن يكون سوى "الذهاب إلى حرب استنزاف طويلة".
وفي تلك اللحظة، يصبح السؤال: هل لدى المقاومة الإمكانات القتالية لمباشرة هذا الحل؟ نأمل ذلك.
صحيفة الخليج الإماراتية