مقال: البنوك ومكاتب الصرافة تحت طائلة ملاحقة السلطة الفلسطينية

د. عدنان أبو عامر

يعتمد الفلسطينيّون في معاملاتهم الماليّة على البنوك ومكاتب الصرافة، في استلام مستحقّاتهم الماليّة وحوالاتهم الشخصيّة، من قبل الجهّات التي يعملون لديها وأقربائهم، وربّما حوالات ماليّة ترسلها الفصائل الفلسطينيّة في الخارج إلى عناصرها في داخل الأراضي الفلسطينيّة، ممّا قد يواجه أحياناً فرض سياسات متشدّدة من السلطة الفلسطينيّة على البنوك ومكاتب الصرافة، خشية وصول الأموال إلى بعض الشخصيّات والمؤسّسات التي تراها مؤيّدة لحماس أو تابعة لها.

وقد كشفت مصادر سياسية فلسطينيّة مطّلعة عن إحباط ما قالت إنها تحويلات ماليّة كبيرة بملايين الدولارات لحسابات شخصيّة ومؤسّسات فلسطينيّة لتنفيذ أنشطة مناهضة للسلطة الفلسطينيّة، ممّا حدا بالأجهزة الأمنيّة لتشديد إجراءاتها الرقابيّة على هذه الحسابات، وتقوم بفحص عمل المصارف والتدقيق به، بإجراءات عالية المستوى، خشية تحويل أموال إلى جهّات معادية للسلطة الفلسطينيّة.

يرتبط هذا الخبر بالأزمة الناشبة في الأراضي الفلسطينيّة منذ أيّار/مايو 2015، بين الجمعيّات الخيريّة العاملة الفلسطينيّة من جهّة، وبين السلطة الفلسطينيّة من جهّة أخرى، وتمثّلت باحتجاز البنوك الفلسطينيّة الحوالات الماليّة الواردة إلى هذه الجمعيّات فيها، وعدم صرفها، بسبب تعليمات أمنيّة وصلتها من السلطة الفلسطينيّة، لأنّها تريد أن تعاقب غزّة والمؤسّسات الخيريّة فيها، لاعتبارات سياسيّة.

وقد شملت ضغوط السلطة الفلسطينيّة على البنوك 31 جمعيّة خيريّة، وترفض فتح حسابات جديدة لـ50 أخرى، وأرجعت مئات الحوالات الماليّة الواصلة من الجهات المانحة، وقد تأثرت هذه المؤسسات سلبياً من عدم استلامها للحوالات المالية، فلم تعد قادرة على توفير خدماتها المعتادة، وتسبّبت بوقف 40 ألف كفالة للأيتام والفقراء والمرضى والمعاقين، بقيمة مليوني دولار شهريّاً، بعد رفض البنوك تسليم هذه الجمعيات لحوالاتها المالية القادمة من الخارج الخاصة بهذه الفئات المستهدفة، وتضرّر 11 مدرسة للأيتام والمعاقين تضمّ 9 آلاف طالب، وتضرّر 20 مركزاً صحيّاً يتردّد عليها نصف مليون مريض سنويّاً، وحرمان 7 آلاف طالب جامعيّ من المساعدات النقديّة.

يسود اعتقاد بين الفلسطينيين أن السلطة الفلسطينيّة تعتبر هذه المؤسّسات الخيريّة مورداً هامّاً ماليّاً لحماس، حتّى لو لم تستفد الحركة منها بصورة مباشرة، لكنّها تأخذ عنها عبئاً ماليّاً كبيراً، لأنّها تتكفّل بعشرات الآلاف من العائلات المحتاجة في غزّة، وبالتالي تسدّ عنها ثغرة كبيرة في أجواء الحصار المفروض من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية ضد الحركة منذ عشر سنوات، وهو ما يدفع السلطة إلى فرض القيود على البنوك والجمعيات، للتضييق على حماس في صورة أساسيّة.

وقد زادت إجراءات السلطة الفلسطينيّة بمراقبة الحسابات المصرفيّة للشخصيّات والمؤسّسات بداية عام 2016، لمعرفة طبيعة الحوالات وحجمها، خصوصاً لما يزيد عن نصف مليون دولار للحوالة الواحدة.

وقد وصلت شكاوى عدّة من فلسطينيّين حول وجود تعليمات أمنيّة من السلطة الفلسطينيّة تجاه البنوك، ممّا يكشف التغوّل الأمنيّ من السلطة الفلسطينيّة على قضايا إنسانيّة بحتة تقوم بها الجمعيّات الخيريّة، وترفض البنوك العاملة في غزّة اعتماد تواقيع وزارة الداخلية بغزة على الحسابات المصرفيّة.

لم تقتصر المتابعة الأمنيّة الفلسطينيّة على البنوك، بل توجّهت نحو مكاتب الصرافة المنتشرة في الأراضي الفلسطينيّة، فقد تعرّضت محلّات صرافة في الضفّة الغربيّة إلى مداهمات إسرائيليّة بين حين وآخر، بزعم نقلها أموالاً لنشطاء حماس، واعتقلت الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة أحد الصحافيّين من رام الله بتهمة تهريب أموال بمئات آلاف الشواكل لصالح حماس عبر محلّات الصرافة، وواجه العديد من الصحافيّين الفلسطينيّين احتجاز حوالاتهم الماليّة من الجهّات التي يعملون معها، بناء على طلب الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة.

أصحاب محلات الصرافة العاملة في الضفة الغربية، ذكروا أنه منذ بداية عام 2016، وصلتهم تعليمات من جهّات أمنيّة فلسطينيّة، بوضع بعض الشخصيّات والمؤسّسات في قوائم سوداء لعدم تسليمهم حوالاتهم الماليّة، وبين حين وآخر يتم تحديث هذه القوائم بأسماء جديدة، ويتطلّب صرف حوالة بألفي دولار لأي مواطن فلسطيني، موافقة الأجهزة الأمنيّة، ومعرفة مصدرها، مع أنّ بعضها لعائلات شهداء وأسرى وأيتام.

أخيراً... باتت البنوك ومكاتب الصرافة جبهة جديدة من المواجهة بين حماس والسلطة الفلسطينيّة، حيث تمعن الأخيرة بفرض المزيد من ظروف الحصار على الحركة، التي تعيش أزمة ماليّة خانقة، وتحاول إدارة شؤونها في غزّة بكثير من إجراءات التقشّف القاسية غير المسبوقة.

البث المباشر