مدارس الناشئين.. "زَرْعٌ" دون ثمار!

جانب من تدريبات إحدى المدارس في غزة
جانب من تدريبات إحدى المدارس في غزة

الرسالة نت - فادي حجازي

يشهد قطاع غزة خلال السنوات الأخيرة ازديادًا ملحوظًا في عدد مدارس الناشئين، في خطوة تعكس مدى التوجه نحو تأسيس جيلٍ رياضيٍ مؤهَّلٍ يرتقي بلعبة كرة القدم، أكثر الرياضات شعبية في العالم.

ورغم إنشاء عددٍ من المدارس داخل الأندية، إلا أن نتائجها لم تظهر في "المستطيل الأخضر"، وهذا ما تؤكده الفرق الغزية بعد نهاية كل موسم عندما تدخل في صراعاتٍ توصف بـ"الشرسة" لضم النجوم مقابل آلاف الدولارات، دون أي اعتبار لوجود لاعبين صغار السن يحتاجون الفرصة؛ للمشاركة وإثبات أحقيتهم بالظهور في الدوري.

موقع "الرسالة نت" يفتح ملف الناشئين الذين لا يلقون اهتمامًا من أنديتهم، خاصة أن التدقيق فيه أثبت عدم اعتماد أغلب الفرق عليهم، ما يعني أن جهود مدارس الناشئين تذهب أدراج الرياح.

غير مرخصة

في بداية بحثنا عن أطراف الملف، التقينا عامر أبو رمضان مدير عام الشؤون الرياضية بوزارة "الشباب والرياضة"، الذي أكد أن أغلب المدارس في قطاع غزة تعمل دون ترخيص، كونها تتبع للأندية، كاشفًا عن إرسال الوزارة مذكرة رسمية للحكومة لفرض قانون الترخيص خلال الأشهر المقبلة.

وأوضح أبو رمضان أن عدد المدارس العاملة في القطاع يبلغ حوالي 20 مدرسة، وتُقسّم إلى 3 أنواع: أولها تابعة للأندية، وثانيها خاصة كـ"تشامبيونز"، وثالثها مشتركة (خاصة – أندية) مثل التي تتبع لنادي الهلال وشركة "أيكونز" معا، متوقعا أن تزداد بعد سنوات.

وذكر أن السبب الرئيسي لإنشائها هو تطوير مستوى الناشئين (6-16 عامًا) بهدف الرقي بلعبة كرة القدم، إلا أن الذي يحدث في غزة هو العكس، محمّلًا الاتحاد الفلسطيني المسؤولية عن ذلك، بسبب قلة تنظيم المسابقات الرسمية لهذه الفئة.

"الرسالة" واجهت الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بحديث أبو رمضان، فأبدى محمد العمصي رئيس لجنة المسابقات فيه، رفضه "لهذه الاتهامات" جملة وتفصيلًا، قائلا: "نحن نعمل على الاهتمام بالناشئين، لكن المشكلة الكبرى تتعلق بقلة الملاعب المتاحة لإطلاق الأنشطة الرسمية عليها".

تجارب ناجحة

وفي حصر لجميع الأندية في الدوري بدرجاته المختلفة (الممتازة والأولى والثانية والثالثة)، تبيّن أن 8 فقط من أصل 56 ناديًا في القطاع (بنسبة تقارب الـ14%)، تعتمد في المباريات على عدد من الناشئين، الذين تدربوا مع الفريق منذ صغرهم، وحققوا نجاحات كبيرة.

ويبرز فريقا الصداقة وخدمات رفح كأكثر الأندية إشراكًا للناشئين في مباريات هذا الموسم، الأمر الذي لاقى قبولًا كبيرًا لعشاقهما، خاصة أن الأول أنهى الدوري بطلًا، بينما حصل الثاني على مركز الوصافة.

كذلك لم يظهر الناديان بقوة في سوق الانتقالات الماضي، على غرار شباب خانيونس "رابع الدوري"، الذي لا يزال يعتمد بقوة على أبنائه.

وفي المقابل، تضطر 86% من الأندية وخاصة التي تلعب في الدرجة الممتازة، لشراء اللاعبين خلال الانتقالات.

والجدير بالذكر أن هناك فرقًا أنفقت أموالًا طائلة، لكنها خرجت خالية الوفاض أو لم تحقق طموحاتها في الموسم الأخير، رغم أن لديها مدارس تضم مئات الناشئين.

مصاريف بلا فائدة

وخلال مقابلات مع مدربين، اتضح أن المقابل المادي الذي يدفعه الناشئ نظير انضمامه للمدارس المنتشرة داخل الأندية هو 100 شيكل في المتوسط، باستثناء أكاديمية "تشامبيونز" الخاصة، التي يضطر اللاعب لدفع حوالي 120 دولارا كي يلتحق بها.

ويحصل الناشئ فور التحاقه بالمدرسة على حقيبة رياضية تتضمن القميص والشورت والحذاء، وبعد ذلك يدفع رسومًا شهرية يبلغ متوسط قيمتها 80 شيكلا تقريبا.

فهد العامودي ناشئ في إحدى المدارس، كشف عن تركه التدريبات، عقب إخفاقه في الاختبارات النهائية لمنتخب فلسطين للأيتام، الذي سيشارك في بطولة كأس العالم، التي تستضيفها المغرب مطلع يوليو المقبل.

وقال العامودي "13 عامًا": "والدي متوفى منذ أربع سنوات، ووالدتي تتكفل بمصاريفي الشهرية للمدرسة، وكنت آمل بالانضمام للمنتخب، لكن لم يحالفني الحظ، فلماذا أُكمل التدريبات؟".

ويعتبر انسحاب العامودي من الحالات التي تحدث بشكل متفاوت مع الناشئين على مدار العام، وفق ملاحظات "الرسالة نت"، بسبب غياب الحافز والداعم الحقيقي الذي يجعل اللاعب الناشئ يتمسك بممارسة كرة القدم في غزة، نظرا لقلة البطولات الرسمية التي ينظمها الاتحاد الفلسطيني لهذه الفئة.

مشاريع ربحية

جزء من مشكلة المدارس أيضا هو عدم وضوح الرؤية الحقيقية لعملها، الأمر الذي جعل أحمد عبد الهادي المدير الفني لمنتخب الناشئين 2003، يصفها بـ"المشاريع الربحية"، قائلا: "أغلبها تهدف للحصول على الأموال، لأن ليس لديها بطولات رسمية على الملاعب المعشبة، وهذا لوحده كفيل برحيل عدد من اللاعبين دون حصولهم على الاستفادة في كرة القدم".

وأضاف عبد الهادي: "العديد من مدربي المدارس ليسوا أكفاء، ويعملون دون أسس علمية في اللعبة (...)، يجب أن يكونوا حاصلين على شهادة تدريب C على الأقل لضمان الرقي بمستوى الناشئين".

وأوضح أنه عانى الأمرّين برفقة زملائه المدربين لاختيار أفراد منتخب الناشئين، معللًا ذلك لتعوّد اللاعبين على الملاعب الخماسية "الاسفلتية" بدلًا عن الملاعب المعشبة.

مدربون بلا شهادات

واكتشف كاتب التقرير أن العديد من المدربين الذين يعملون في مدارس الناشئين، لا يحملون أي شهادات تدريبية.

وقال المدرب (س.ي) –نتحفّظ عن ذكر اسمه- إن إدارة ناديه كلّفته بالإشراف فنيًا على الفرق في مدرسة الناشئين التابعة لها، لأجل تقليل المصاريف الداخلية.

وأوضح المدرب البالغ من العمر "27 عامًا"، والذي يلعب في صفوف النادي، أنه لا يملك أي شهادة تدريب معترف بها محليًا، لكن الذي دفعه للعمل في مدرسة الناشئين هو المقابل المادي الذي وعدته الإدارة بالحصول عليه، وفق تأكيده.

وبيّن أن أغلب الأندية تعمل بنفس الطريقة، إذ تضطر لتكليف لاعبين لديها بتدريب الناشئين، مقابل مبلغ مالي بسيط؛ بحجة التخفيف من الأعباء المادية المترتبة على استقدام مدرّب مؤهل وذي خبرة فنية، ومن خارج أسوار النادي.

اتحاد غائب

بدوره، عاد العمصي رئيس لجنة المسابقات بالاتحاد ليؤكد أنهم غير مخوّلين بأي دور رقابي على عمل مدارس الناشئين، في الوقت الذي تشهد فيه انتشارًا واضحًا بالمواسم الأخيرة.

وقال: "رغم الضعف الكبير في البنية التحتية الرياضية، إلا أننا نحرص على الاهتمام بالقدر المعقول بالناشئين، والآن بات لديهم عدة مسابقات ثابتة سنويًا".

ولم ينظم الاتحاد سوى بطولة واحدة فقط للناشئين هذا الموسم، وهي لمواليد 2001، والتي حصل عليها شباب رفح، بانتظار الإشراف على بطولتي مواليد 2004، و"طوكيو 2" مواليد 1997، اللتين ستجريان بعد عدة أشهر، وفق العمصي.

وتوقع أن تساهم ملاعب "الفيفا" المعشبة، البالغ عددها 20 ملعبًا في غزة، في تنظيم المزيد من بطولات الناشئين الموسم المقبل.

ومن خلال تأكيد الوزارة على تطبيق قانون الترخيص للمدارس قريبًا، ووعود الاتحاد بالاهتمام أكثر بالناشئين، بات الجمهور الرياضي يترقب تطبيق الأمر على أرض الواقع لضمان الارتقاء بالرياضة الفلسطينية، فهل تدخل كلماتهم منطقة التنفيذ، أم تبقى على الدكّة؟

البث المباشر