مقال: كم أنت جميلة يا غزة

مصطفى الصواف
مصطفى الصواف

مصطفى الصواف

رغم ضنك العيش، والحصار الظالم، وقلة ما في اليد، وإرهاب الاحتلال، وظلم ذوي القربى، تعيش غزة لحظات من العظمة والعطاء والجود والإيثار والتعاون وفوق ذلك تسارع نحو الله تقربًا وطاعة، قدمت نماذج عدها كثيرون أنها دلالة على طبيعة الشعب الفلسطيني المعطاء والذي يتمتع بميزات جعلته متفردًا بين شعوب المنطقة العربية والإسلامية وسابقًا لكل شعوب الأرض، بعد أن ظن الآخرون أنه سيستسلم ويرفع الراية البيضاء ليعيش مهزومًا ذليلًا ولكنه شعب يحب الحياة الكريمة ويعش الكرامة، معتزًا بدينه ونفسه عاشقًا لترابه ساعيًا لتحريره رغم التخلي عنه من القريب والبعيد متيقنًا أنه سينتصر على عدوه ويحرر أرضه ويطرد عدوه ويقيم دولته.

هذه اللحظات التي يعيشها شعبنا الفلسطيني هي لحظات ما قبل النصر، لأن شعبًا بهذه الصفات يستحق الحياة ولن يتخلى عنه الله ما تقرب إليه، قد يستغرب البعض من هذا القول، وقد يسميه نوعًا من التخدير ودغدغة للعواطف وبعيدًا عن الواقع، ويسأل البعض هل من لا يجد ما يقيم صلبه يمكن له أن يواجه عدوًا وينتصر.

نقول إن القوة والعتاد ليست وحدها عوامل النصر، أو من أسبابه الرئيسة رغم أهميتها، امتلاك القوة أمرًا مطلوبًا؛ ولكن من لم يستطع جمع كل القوة عليه أن يجمع ما استطاع منها مصداقًا لقول الله عز وجل "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ " وهنا جاءت القوة نكرة وهي دعوة لامتلاك القوة والسعي نحوها لا أن ننتظر حتى نجمع كل القوة ،ولن نقدر عليها؛ ولكن بعد جمع ما نستطيع من هذه القوة دون تكاسل أو تباطؤ أو تسويف وخلق الأعذار نكون بذلك أعذرنا إلى الله ونقول هذا ما استطعنا إليه سبيلًا يا ربنا فانصرنا ، ولذلك نحن علينا العمل بكل ما لدينا من قوة والنتائج مرهونة بإرادة الله، وثقتنا بالله عالية فهو الغالب على أمره.

ونعتقد أن أهلنا في غزة يعدون العدة اليوم للمواجهة مع العدو ويبذلون كل الجهد للحصول على القوة الممكنة ويقدمون لأجل ذلك كل غالٍ ونفيس من مال وأرواح وممتلكات معتمدين في ذلك على الله في أن يكون معهم في معاركهم مع عدوهم آملين منه نصرًا مؤزرًا بعد أن استنفدوا كل ما لديهم من طاقة معتمدين على الله لا على قوتهم، وحملة الفجر قد تكون أول الطريق نحو نصر الله من خلال نصر دينه مصداقًا لقول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" فمن ينصر الله فالله ناصره.

ذهبنا غربًا وشرقًا وقدمنا لهم كل ما يثبت حسن النوايا وخذلونا ولم ينصرونا بل نصروا عدونا علينا لأننا لجأنا إلى من لا يملك النصر ، فهل جربنا أن نلجأ إلى الله ونصرنا حق نصره من خلال نصر دينه ودعوته ، يا أيها الناس فروا إلى الله ليس فرار المُتواكل بل فرار العامل المجتهد المتوكل على الله الواثق بنصره.

"سامح تؤجر" واحدة من الأمور التي بدأت تسري بين الناس وتتفاعل بشكل كبير يدلل على عظمة الشعب الفلسطيني ، سامح تؤجر حملة تكافل وتعاون يحمل فيها القوي الضعيف، يعينه ويقدم له ما يستطيع فيبارك الله الصنيع وهذا الصنيع لن يضيع ، والله يقول في محكم التنزيل " وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ".

مجتمع غزة، مجتمع فلسطين يجب أن يكون متكاتفًا متماسكًا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، لأننا جميعًا في مركب واحد لن ينجو أحد منا لو غرق المركب ، وأعتقد أن هذا الأمر أدركته غزة ففعلت ما فعلت وهو فعل ذاتي لم يكن بقرار من أحد بل هي رغبة وشعور بالمسئولية واستشعار للخطر ، فتحرك من تحرك ونأمل أن يشمل الحراك الجميع ، فلماذا لا نكون كالأشعريين والذي قال فيهم رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ (عن أبي موسى _رضي الله عنه_ قال: قال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "إن الأشعريين إذا أَرْمَلُوا في الغزو، أو قلَّ طعام عِيَالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسويّة، فهم مني وأنا منهم".

نعم خلق نحن باحوج الحاجة إليه في ظل ما نحيا من ظروف حياة قاسية تحتاج منا أن نتقاسم رغيف العيش حتى نكون كالأشعريين والذين اعتبرهم رسول الله أنهم منه وهو منهم ، ألا تحبون أن تكونوا من رسول الله ويكون هو _صلى الله عليه وسلم_ منا؟

البث المباشر