منذ ما يقرب المئة عام والشعب الفلسطيني يطور من أدواته الكفاحية لمواجهة المؤامرة على أرضه وتاريخه وهويته ورغم ان دولة الاحتلال تمتعت منذ نشأتها بتحالف دولي وقوة عسكرية مكنتها من طرد الشعب الفلسطيني وتهجيره عنوة عن أرضه ومنع عودته إلى دياره منذ ما يقرب من سبعين عاما ولم يتمكن المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية من إعادة اللاجئين إلى أراضيهم رغم صدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 ونصت الفقرة 11 منه على عودة اللاجئين في أقرب وقت ممكن إلى أرضهم التي هجروا منها، إلا ان شعبنا الفلسطيني ومع اقتراب الذكرى السبعين للنكبة لا زال متمسكا بحقه في العودة ولم يتنازل عن هذا الحق الفردي والجماعي الذي لا يسقط بالتقادم. وقد برزت مؤخرا دعوات جماهيرية وشبابية للزحف السلمي لإنجاز العودة فعليا بعد حشد الجماهير في خيام العودة بالقرب من السياج العازل مع قطاع غزة وبالقرب من الحدود مع الدول العربية التي يكتظ بها اللاجئون الفلسطينيون بالإضافة للضفة الغربية وهو ما بات يعرف "بمسيرة العودة الكبرى". فما هي العوامل التي دفعت الفلسطينيون لتبني الخيار الشعبي السلمي للعودة؟ ولماذا اختيار هذا التوقيت؟
ان أهم الدوافع وراء هذه الدعوات هو انسداد المسار السياسي التفاوضي والذي بدأ منذ ما يقرب من ربع قرن والذي لم يؤد لعودة لاجئ واحد إلى أرضه عوضا عن ترسيخ وجود دولة الاحتلال على الأراضي المحتلة عام 67 وتغول الاستيطان وتهويد القدس، وتوج هذا الانسداد بإعلان الرئيس الأمريكي ترمب اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال وعزمه الإعلان عن ما أسماها "بصفقة القرن" التي يبدو من التسريبات المتتالية انها تتجاهل القانون الدولي وخاصة حق العودة مما يهدد بتصفية قضية اللاجئين ويحقق حلم دولة الاحتلال بتوطين اللاجئين في دول عربية وأجنبية وتأبيد وجودهم في مخيمات اللجوء في غزة والضفة ولبنان والأردن وسوريا. ولعل من العوامل ايضا التي ساهمت في انطلاق هذه الدعوات الأزمة الذي يمر بها مشروع المقاومة المسلحة نتيجة عدم توفر البيئة الحاضنة للمقاومة التي حرمتها من تحقيق إنجازات سياسية بعد سلسلة من المواجهات العسكرية مع دولة الاحتلال وفداحة الخسائر البشرية والمادية المترتبة على خيار المواجهة العسكرية نتيجة الفرق الكبير في موازين القوة بين الاحتلال والمقاومة وعدم وجود كوابح تمنع الاحتلال من استخدام القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني. ويعتبر اشتداد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ما يقرب من 11 عاما عاملا مهما ساهم في انتشار دعوات التوجه نحو السلك الفاصل خاصة ان قطاع غزة يعتبر من أكثر المناطق في العالم كثافة سكانية يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني ثلثاهم من اللاجئين على مساحة جغرافية تقدر ب 365 كلم وقد تنبأت التقارير الدولية بعدم صلاحية الحياة في القطاع خلال سنوات قليلة. ولا يقل أهمية عامل المعاناة التي يواجهها اللاجئون في سوريا نتيجة استمرار الحرب الأهلية هناك منذ عدة سنوات مما اضطرهم لركوب البحر في لجوء مكرر نحو أوروبا مما أدى لغرق المئات منهم. ولعل الحالة المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في لبنان عاملا آخرا يدفع باتجاه التحشيد نحو الحدود... تلك العوامل وغيرها ساهمت في الدعوات الفلسطينية للاحتشاد على تخوم أراضيهم والزحف السلمي إليها متسلحين بقرارات الشرعية الدولية ومراهنين على سلمية وقانونية وانسانية حراكهم.
فهل هناك فرصة لنجاح هذا الحراك، هذا ما نجيب عليه في المقال القادم بإذن الله.