تستضيف الرياض قمة عربية ـ إسلامية، يفترض أن تستكمل ما أنجزته قمة الرياض الأولى، التي جرت في اليوم نفسه من العام الماضي، أي بعد قرابة شهر من التطوّر الخطير الذي جرى في قطاع غزة.
كانت القمة السابقة ردة فعل أولية مع ظهور أشكال من الانتقام الهمجيّ والحصار وتجاهل أي ضغوط دولية، وتوازت مع بدء «حرب الإسناد» التي بدأت تُدخل لبنان واليمن، وإلى درجات أقل، سوريا والعراق، في مجريات الحرب.
أدانت القمة الأولى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية، وطالبت بوقف الحرب فورا، ورفض توصيفها دفاعا عن النفس، وطالبت حينها بكسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية، ودعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وطالبت مجلس الأمن باتخاذ قرار ملزم بفرض وقف الحرب، كما طالبت جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر الى إسرائيل. كلفت القمة في حينها وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا واندونيسيا ونيجيريا وفلسطين ببدء تحرك دولي فوري باسم أعضائها، لوقف الحرب والضغط لإطلاق عملية سياسية لتحقيق السلام وفق المرجعيات الدولية، والتقت اللجنة مسؤولين عالميين كبارا في الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا واسبانيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي.
بدل توقّف الحرب تحوّل الانتقام الإسرائيلي إلى عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي للفلسطينيين، وبدل توقف الحصار احتلت إسرائيل محور صلاح الدين (فيلادلفيا) فأغلقت القطاع بشكل كامل (منتهكة اتفاقيات السلام مع مصر). تحقق أحد مطالب القمة السابقة مع صدور قرار مجلس الأمن رقم 2728 الذي طالب بوقف الحرب لكن إسرائيل تجاهلت القرار، كما تجاهلت كل الضغوط والمطالب الدولية، بما فيها الأمريكية والغربية لوقف إطلاق النار، كما استمرت الأسلحة والذخائر تتدفق على إسرائيل (مع استثناءات قليلة وجزئية) وواجهت إسرائيل مطالب العرب والمسلمين دعم الأونروا بإعلانها منظمة إرهابية، وفي أثناء ذلك وسعت الحرب لتشمل لبنان، وقصفت اليمن بشكل مباشر، وصعّدت المواجهة المباشرة مع إيران مرتين مما قرّب مخاطر حرب إقليمية تهدد مصالح العديد من الدول العربية والإسلامية.
إضافة إلى هذا التصعيد الإسرائيلي الهائل الذي طال جغرافيا عربية وإسلامية واسعة، وإلى المواجهة المفتوحة مع كل ما ورد في بيان القمة العربية – الإسلامية الأول، انضاف عامل كبير جديد يتمثّل بانتخاب دونالد ترامب، حليف رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، مع ما يحمله هذا من احتمالات خطيرة على الفلسطينيين خصوصا، وعلى اللبنانيين، وعلى العرب والمسلمين عموما.
ما تواجهه القمة العربية ـ الإسلامية في الرياض اليوم، بهذا المعنى، هو أخطر بكثير مما واجهته القمة الأولى، وهو ما يجعل أعضاء المنظمتين، والدول الإسلامية والعربية الوازنة فيهما، أمام تحديات وجودية خطيرة، تتطلب تغيّرات استراتيجية عميقة، وتحضرا لاحتمالات كبرى.
يمكن، في هذا الصدد، ملاحظة تحرّكات تقودها السعودية، التي إلى كونها الدولة المستضيفة لهذه القمم، فقد قامت بإنشاء «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين» وهي تلعب دورا مهما في التواصل مع أمريكا، والغرب، وكذلك مع إيران، الدولة التي يمكن أن تهدد حرب إسرائيلية – أمريكية معها (والتي تتزايد احتمالاتها مع حكم ترامب الثاني) كل المشرق والخليج العربيين.
لكنّ هذه التحرّكات، وجولات اللجنة الوزارية قبلها، لا تتناسب مع حجم الصدوع الدولية واحتمالات الطوفان الكبير الذي يمكن أن يغرق المنطقة، وهي احتمالات ستضطر الدول العربية والإسلامية الوازنة في معادلات الاشتباك الراهنة أن تنظر إلى أبعد من مصالحها الآنية، وأن تتحسب من حجم المخاطر الهائلة المحيطة، التي ستفيض بالتأكيد عن الضحايا المباشرين للعدوان الإسرائيلي.