مكتوب: عام على وعد ترمب: انقلاب الحقائق التاريخية

ترامب
ترامب

الرسالة نت - محمود فودة

أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبل عام من الآن أن يحدِث انقلابا في الحقائق التاريخية، بمنح الاحتلال شرعية دائمة بإعلانه القدس عاصمة لـ(إسرائيل)، وتبع ذلك بجملة من القرارات التي تضرب القضية الفلسطينية في مفاصلها، إلا أن أمريكا وجدت نفسها وحيدة في هذا المسار.

وبعد قرار ترمب بإعلان القدس ونقل السفارة إليها، توالت القرارات الأمريكية بحق القضية الفلسطينية، في موجة سياسة هجومية ليس لها مثيل على صعيد القضية، ولم تيأس الإدارة الأمريكية من الرفض الدولي للقرارات، بل استمرت في مسارها حتى في الذكرى السنوية الأولى للإعلان، لتمنى بفشل جديد بعدما فشلت في تمرير قرار يدين المقاومة الفلسطينية.

في أعقاب قرار ترمب، صعدت سلطات الاحتلال من سياساتها العدوانية بحق الفلسطينيين وأرضهم، بشكل غير مسبوق، سيما في القدس المحتلة، ابتداء من زيادة وتيرة الاستيطان، مرورا بالإمعان في التنكيل بأهالي المدينة المقدسة، وليس انتهاء بفرض مزيد من القوانين غير الشرعية بحقها منها: قانون "القدس الموحدة" ومشروع قانون "شطب إقامات المقدسيين"، إضافة إلى مشروع قانون "ضم مستوطنات الضفة" للكيان، وثلاثتها صدرت في أقل من شهر عقب الإعلان الأمريكي بشأن القدس. تبعه إصدار قانون "القومية" الذي يعتبر "إسرائيل دولة لليهود فقط".

ومن ضمن المشاريع التي تلت قرار ترمب، مشروع التلفريك في محيط البلدة القديمة الذي بات في مراحله الأخيرة من المصادقة، وكذلك الأنفاق التي بدأ الاحتلال حفرها، بالإضافة إلى البؤر الاستيطانية في الأحياء الفلسطينية تزداد بشكل كبير جدًا باستخدام كل القوانين التي وضعتها، فيما تتوسع المستوطنات بشكل كبير جدا، ومنها ما يتضمن بناء 85 ألف وحدة استيطانية، والمصادقة على مخطط القطار الخفيف، وهناك جزآن منه قيد الإنشاء في منطقة الشيخ جراح، والجزء الثاني في القدس الغربية".

وفي ذلك، يقول الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص إنه بمرور عام على قرار الاعتراف، لا تجد تلك السفارة لها رفيقةً سوى نظيرتها الغواتيمالية، ولم يتغير الموقف الدولي من القدس بل وقفت الولايات المتحدة فيه منفردة في مجلسي الأمن والجمعية العمومية، أما نقل السفارة فكان رمزيًا وإلى مبانٍ ليست مستعدة لاستقبالها، فيما بقيت البيروقراطية الأمريكية على تحفظها تجاه القرار وتوقيته.

ويضيف "في مقابل ذلك كله مشهد عربي مأزوم يتركز في دول الخليج العربي باستثناء الكويت، ويدفعها للهرولة نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني بحثًا عن استدامة مظلة الحماية الأمريكية أو بحثًا عن غطاءٍ أمريكي لانتقالٍ داخلي للسلطة فيها"، لافتاً أنه يضطر رغمًا عن ذلك للإفصاح عن موقف مختلف فيما يتعلق بالقدس. عام شهد الكثير من المحاولات لتغيير المكانة القانونية للقدس، لكنه انتهى حتى الآن -رغم كل التهويل- إلى إعادة تأكيدها.

وبمرور عام على القرار الأمريكي، ذكرت تقارير محلية فلسطينية أن 346 فلسطينيا استشهدوا برصاص الاحتلال منذ إعلان ترمب القدس عاصمة للاحتلال، ومن بين الشهداء، أكثر من 215 فلسطينيا استشهدوا برصاص الاحتلال في مسيرات العودة التي انطلقت في قطاع غزة، بالتزامن مع يوم الأرض الخالد، 30 آذار/مارس 2018. وتتواصل حتى اليوم. بينهم عشرات الأطفال، و3 نساء، وصحفيين ومسعفين.

 وتشمل الإحصائية كذلك 43 مواطنا استشهدوا جراء قصف صهيوني استهدف منشآت وأراض فلسطينية خلال جولات تصعيد العدوان على قطاع غزة. وخلال العام الأخير استشهد 7 أسرى في سجون الاحتلال، التي شهدت كذلك تصعيدا في السياسات القاسية بحق المعتقلين.

وفي المقابل، لم يسجل أن السلطة الفلسطينية حتى اللحظة قد اتخذت أي إجراءات حقيقية ترتقي لمستوى الإعلان الأمريكي الذي يحاول انتزاع الشرعية القانونية في القدس لصالح الاحتلال، ولم يصدر منها سوى بيانات الاستنكار والتنديد، وهو ما يشير إلى ضعف السلطة دبلوماسيا وقانونيا في مواجهة الخطر الأمريكي العامل لصالح الاحتلال.

ويشار إلى أن إدارة ترمب قطعت الدعم عن منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأونروا" وطالبت بإلغائها وإعادة تعريف اللاجئين، في محاولة لإلغاء ملف اللاجئين بصورة كاملة، والذي يعد أهم ملفات الحل النهائي، ويضاف إلى ما سبق قطع مساعدات لمستشفيات القدس المحتلة.

وفي التعقيب على ذلك، يقول الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني السابق محمود العجرمي إن فشل الدبلوماسية الفلسطينية مهد الطريق أمام إدارة ترمب في ضرب القضية الفلسطينية من مفاصلها، من خلال الركون إلى أمريكا كوسيط في عملية التسوية، برغم أنها المعيق الأبرز لكل القرارات التي كانت لصالح الفلسطينيين، وبعد ذلك فشلت مرة أخرى في آلية التصدي للقرارات الأمريكية بحق القضية، حيث عملت على زيادة البعد بينها وبين الأطراف الدولية الداعمة للقضية.

وأضاف العجرمي في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن السلطة الفلسطينية لا ترفض صفقة القرن التي تشمل كل القرارات الأمريكية الصادرة والقادمة؛ لأنها هي أصلا اتفاق أوسلو، ولكن بصيغة جديدة، وإنما ترفض تمريرها بعيدا عن بوابتها، في ظل التزامها بالخطوط العريضة القائمة على انهاء ملف الأسرى من خلال قطع رواتبهم، أو زيادة حصار غزة الرافضة للصفقة بشكل عملي من خلال فعالياتها المستمرة.

وأكد أن الرد العملي على القرارات الأمريكية المستمرة يتمثل في تحقيق الوحدة الوطنية من خلال عقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، ووقف كل الإجراءات التي تزيد من عمق الانقسام الفلسطيني، وتنشيط الدبلوماسية الفلسطينية بما يجعلها قادرة على الوقوف في وجه العدوان السياسي الأمريكي، خصوصا في المؤسسات الدولية والقانونية، بعد الفشل الذي أظهره مشروع القانون الأمريكي الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وفي نهاية المطاف، يبدو أن مهمة التصدي للمشاريع الأمريكية ضد القضية الفلسطينية ستبقى في حجر غزة إلى أن تفيق السلطة من السير في مسارها الخاطئ، فيما يتطلب الوقوف في وجه الصفقة الأمريكية دعما عربيا وإسلاميا على كافة النواحي، وهذا ما لا تظهر بوادره في المنظور القريب

متعلقات

أخبار رئيسية

المزيد من تقارير

البث المباشر