يجور التاريخ على الفلسطينيين بعدما انتدب عليهم المحتل البريطاني الذي سمح لنفسه منح أرضهم لليهود كي يقيموا وطن قومي لهم فيها، فيما بات يعرف بوعد بلفور في العام 1917، وقال وزير الخارجية البريطاني في حينه آرثر بلفور، إن حكومته «تؤيد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين».
فيعيد التاريخ نفسه وظلمه بعد 100 عام بعودة بلفور جديد، فمع تعاقب رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية على التعامل مع الملف الفلسطيني كان انحيازهم واضح للطرف الإسرائيلي، لكنهم جميعهم رفعوا شعار حل الدولتين كأساس لحل القضية الفلسطينية وقد قبل بها الأطراف الدولية والعربية والفلسطينية.
وبعد 100 عام على وعد بلفور جاء دونالد ترمب الرئيس الأمريكي ليعطي إسرائيل وعدا جديدا يلغي حل الدولتين ويفتح شهيتها نحو اسرائيل الكبرى.
وقد استهل ترمب ولايته بوعد تضمن ثلاث نقاط لصالح الاحتلال عبر ما وصف بصفقة القرن:
الأول: الغاء حل الدولتين وعدم اعتباره الحل الوحيد المطروح في أي تسوية قادمة وفتح الباب أمام سيناريوهات مغايرة لتصفية القضية الفلسطينية.
الثاني: يضمن لإسرائيل أمنها وحمايتها وتأمين وجودها على ارض فلسطين.
الثالث: حماية إسرائيل من جيرانها العرب وذلك عبر تشجيع التطبيع معهم وتعزيز فكرة انها لم تعد العدو المشترك لهم
وتؤكد الباحثة في العلاقات الدولية وحقوق الإنسان، أماني السنوار التي تحدثت في منتدى الجزيرة بمناسبة "مئة عام على وعد بلفور: ماذا يعني وجود إسرائيل في المنطقة؟" إلى أن أطروحات الإدارة الأميركية الجديدة بشأن الاستيطان تتماهى مع اليمين المتطرف الذي يحكم إسرائيل؛ حيث منح الرئيس دونالد ترامب الضوء الأخضر لقانون تبييض المستوطنات الذي يمهد لضمِّ بؤر استيطانية جديدة غير شرعية وفق القانون الإسرائيلي.
وأوضحت أن إسرائيل فشلت في خطة تسويق نفسها للغرب، وتعيش لأول مرة مشكلتين يجب عدم الاستهانة بهما، هما:
هاجس الشرعية الذي تواجهه لأول مرة منذ سبعة عقود على تأسيسها.
بعد عقود طويلة من ترويج الرواية الصهيونية للصراع وماهيته بدأت إسرائيل تنشغل بالرد على الرواية الفلسطينية منذ 2006 عبر:
1. الرد على تشبيه إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
2. الرد على حركة المقاطعة ونزع الاستثمارات عنها.
3. الرد على محاولة نزع الشرعية عن إسرائيل.
4. الرد على معاداة السامية.
ولاحظت السنوار أن هناك تراجعًا واضحًا لصورة إسرائيل في الغرب ووسط النخب السياسية والرأي العام في أوروبا، لكنها أشارت في المقابل إلى وجود اختراقات لمصلحة إسرائيل في العالم العربي والإسلامي؛ حيث تحاول اللعب على صراعات المنطقة العربية والخروج من حالة التوحش التي تعيشها؛ وذلك بالقول: إن إسرائيل أكثر إنسانية وأخلاقية من إيران أو بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية وإن من مصلحة العرب الاصطفاف في حلف عربي يواجه إيران وخاصة بعد مجزرة خان شيخون.
في عام 2008 انتشرت خطة تعود لعهد الثمانيات وضعها عوديد إينون وهو باحث صهيوني تتحدث عن طريقة لسيطرة إسرائيل على كل المناطق المجاورة لها وتكوين إسرائيل الكبرى.
وتفيد الخطة الى الهدف هو تفتيت تركيا ولبنان ومصر وليبيا والسودان ثم الانتقال إلى شمال افريقيا، وباكستان، لتكون إسرائيل قوة احتلال إقليمية بعد تشظية الدول العربية والإسلامية.
الخطة التي يبدو ان إسرائيل تعمل عليها وتسوقها لاقت اهتمام من ترمب الذي تعهد بأن يسعى لتحقيق إسرائيل الكبرى التي تمتد حدودها من النيل للفرات وتتحقق بإحدى وسيلتين، الاولى بتفتيت ما حولها والثانية بالسيطرة على حكومات ما حولها، وفي كلتا الحالتين تكون "إسرائيل الكبرى" قد تحققت، وما يجري في المحيط العربي والإقليمي هو مزيج بين الحالتين وسيرا متوازيا بمشروع التقسيم وكذلك بزرع عملاء في حكومات الجوار.
وتدعم الاحداث الدائرة في المحيط الوعد والخطط الغربية برأسه ترمب حاليا لتحقيق الوعد والحلم الذي بدأه بلفور قبل مئة عام في حين أن قرن من الزمان على الوعد لم يكن كافياً ليغير العرب والفلسطينيين مسار القضية إقليميا ودولياً لصالحهم.