منذ السابع من أكتوبر 2023 صعدت سلطات الاحتلال (الإسرائيلي) من عمليات هدم المنازل السكنية والمنشآت التجارية في مدينة القدس المحتلة، مستغلة انشغال العالم العربي والدولي بحرب الإبادة على قطاع غزة.
إذ يسعى الاحتلال من خلال تكثيف عمليات الهدم في أرجاء مدينة القدس المحتلة، وخاصة بلدة سلوان وحي البستان إلى تهجير الفلسطينيين من منازلهم وأرضهم لصالح عدد من المشاريع الاستيطانية التي ستغير وجه المدينة المقدسة.
عمليات هدم وحشية!
ووفق معطيات نشرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بالأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا)، فإن أكثر من 40 ألف مواطن تضرر من عمليات الهدم (الإسرائيلية) التي نفذت في المدينة المقدسة المحتلة.
وأوضح المكتب أن سلطات الاحتلال هدمت في القدس أكثر من 226 منزلا ومنشأة، وهو ما أدى إلى تهجير 621 فلسطينيا وتضرر 40 ألفا و767 آخرين.
وأشار المكتب الأممي إلى أن من بين المنشآت المهدومة 125 منزلا مأهولا و28 وحدة سكنية غير مأهولة، و39 منشأة تساعد أصحابها في توفير سبل العيش، و34 منشأة زراعية.
أما عن السبب، فقد هدمت أغلب المنشآت بذريعة البناء دون الحصول على ترخيص من سلطات الاحتلال بواقع 218 منشأة.
ووفق "أوتشا" فإن عمليات الهدم نفذت في 24 بلدة وحيا في القدس لكنها تركزت أكثر في حي جبل المكبر واستهدفت 37 منزلا ومنشأة منها 21 منزلا مأهولا، ثم بلدة سلوان بواقع 31 منشأة منها 21 منزلا مأهولا، ثم بلدات الولجة وبيت حنينا والعيسوية وباقي بلدات وأحياء القدس الشريف.
ويشار إلى أن الاحتلال يواصل حملته المستعرة بحق بلدة سلوان الحامية الجنوبية للمسجد الأقصى المبارك، ويتعرض المقدسيون لشتى أنواع التضييقات في سبيل حمله على الرحيل عن البلدة.
تهجير عرقي!
وقال فخري أبو دياب رئيس لجنة الدفاع عن أراضي سلوان وعضو رابطة أمناء الأقصى،: "إن هدم منازل المقدسيين يأتي ضمن خطة ينتهجها الاحتلال للتهجير العرقي بحق الفلسطينيين بالمدينة المقدسة".
وأضاف أبو دياب في حديث لـ"الرسالة"،: "أن الاحتلال يسعى بكل الطرق إلى تهجير المقدسيين لإفراغ المدينة المحتلة وإحلال المستوطنين المتطرفين بدلًا من الفلسطينيين في إطار التغير الديمغرافي للسكان".
وأوضح أن بلدية الاحتلال والمستوطنين المتطرفين الذين يستولون على منازل المقدسيين بالقوة تعمل وفق خطة وبمصادقة من حكومة بنيامين نتنياهو الذي تضم وزراء متطرفين مثل "بن غفير" و"سموتريش".
ومن ضمن خطط الاحتلال الاستيطانية في بلدة سلوان مشروع "الحوض المقدس" الذي يمتد من منطقة وادي الربابة في بلدة سلوان مرورا بحيي البستان ووادي حلوة في البلدة، ثم نحو منطقة طنطور فرعون والمقابر اليهودية على سفوح جبل الزيتون، وتبلغ المساحة المستهدفة بهذا المشروع نحو 2 كيلومتر.
الدرع الحامي للأقصى
وأكد أبو دياب أن بلدة سلوان هي أكثر بلدة مقدسية يستهدفها الاحتلال بعمليات هدم المنازل والمنشآت التجارية والزراعية في الوقت الحالي لصالح بناء عدد من المشاريع الاستيطانية والحدائق التلمودية.
وحذر من خطورة استهداف الاحتلال للأحياء المقدسية وخاصة في المنطقة الجنوبية للمسجد الأقصى لأنها الدرع الواقي والحامي للمسجد، داعيًا إلى الأهالي في سلوان إلى ردع الاحتلال ووقف مخططه الهادف لطرد وتهجير أكثر من 1550 نسمة من البلدة الواقعة جنوب المسجد الأقصى.
وقال أبو دياب: "إن حي البستان يعاني منذ 20 عاما من عمليات الهدم والتهجير، لأن الاحتلال يريد حسم قضية سلوان ويعمل على تهويد المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى لإبعاد خط الدفاع الأول عنه المتمثل بالوجود الفلسطيني في بلدة سلوان".
كما قال أبو دياب: "إن بلدية الاحتلال تحاول دفع الناس للهدم الذاتي في القدس لأنه يخفف عليها ويسرع من عمليات التهويد في المدينة"، مؤكدًا أن الهدم الذاتي يسرع من عمليات الهدم التي يريدها الاحتلال، ويتسبب بخلل كبير يهدد الوجود الفلسطيني.
وأعلن أهالي سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، قرارهم بعدم هدم منازلهم ذاتيا مهما كان الثمن تحت عنوان "لن نهدم منازلنا بأيدينا"، مؤكدين رفض سياسة الاحتلال في إجبار الأهالي على هدم منازلهم ذاتية.
فرض السيطرة على القدس
ورأى المختص في شؤون الاستيطان خليل التفكجي، أن سلطات الاحتلال تحاول من خلال التضييق على المقدسيين وفرض الضرائب عليهم، إضافة إلى عمليات هدم المنازل والمنشآت التجارية إلى فرض السيطرة على مدينة القدس.
وأوضح التفكجي في حديث لـ"الرسالة"، أن الاحتلال يعمل على مسار هدم منازل المقدسيين بزعم "عدم الحصول على الترخيص"، من أجل استكمال المشاريع الاستيطانية التي يروج لبنائها في بلدات وقرى المسجد الأقصى المبارك.
وأكد أن الاحتلال يستهدف بشكل متعمد المدن والقرى التي تحيط بالمسجد الأقصى المبارك؛ بهدف تفريغها من المقدسيين واستبدالها بالمشاريع الاستيطانية لتطويق المسجد المبارك لتغيير معالم المدينة المقدسة.
وشدد على أن مخططات الاحتلال تأتي للاستيلاء على المنطقة الجنوبية من الأقصى بأكمله، وصولا إلى ربط المسجد المبارك بجبل المكبر؛ ضمن ما تسميه بـ "الحوض المقدس".
وفي سياق أخر، لفت التفكجي إلى أن الاحتلال يمارس سياسة بشعة ضد المقدسيين وهي فرض الضرائب باهظة الثمن على عقارات وممتلكات الفلسطينيين في المدينة المقدسة.
وأوضح أن هذه السياسة تهدف إلى دفع الفلسطيني لبيع منزله أو عقاره بسبب تراكم الضرائب الباهظة عليه، داعيًا المقدسيين إلى الصمود في وجه الاحتلال من خلال رفض هذه الضرائب ورفض أوامر الاحتلال بهدم منازلهم ذاتيًا.
كما طالب المختص في شؤون الاستيطان، المؤسسات الدولية بضرورة فضح جرائم الاحتلال في المدينة المقدسة، فيما وجه رسالة للسلطة الفلسطينية قائلًا: "على السلطة أن تقدم كامل الدعم للمقدسيين من أجل التصدي لمخططات الاحتلال".
وتفرض سلطات الاحتلال بالقدس المحتلة ضريبة "الأرنونا" على المقدسيين الذين يملكون عقارات في المدينة، بمبالغ طائلة بهدف دفعهم لترك القدس تحت ضغط الديون أو بيع عقاراتهم.
جرائم تطهير عرقي!
بدوره، قال هارون ناصر الدين رئيس مكتب شؤون القدس في حركة (حماس)،: "إن عمليات الهدم المتواصلة في مدينة القدس المحتلة وفي محيط المسجد الأقصى المبارك، هي جرائم تطهير عرقي تأتي في سياق مخططات الاحتلال لتهويد المدينة المقدسة".
وأكد ناصر الدين في تصريح صحفي وصل الـ"الرسالة"، أن كل هذه الممارسات العدوانية لن تفلح في ثني إرادة شعبنا، ولن يرضخ لعمليات الهدم والمصادرة والغرامات الباهظة كما حدث مع عائلة سمرين في بلدة سلوان مؤخراً.
وأشار إلى أن الإجراءات التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة تهدف إلى التطبيق العملي لمخطط الضم والتهجير واستكمال تهويد مقدساتنا الإسلامية.
وأضاف ناصر الدين "شعبنا متشبث بأرضه ولن تدفعه جرائم الاحتلال إلا لمزيد من الصمود والثبات". وأوضح أن تصاعد عمليات الهدم والمصادرة للممتلكات الفلسطينية يندرج ضمن حرب الإبادة الممتدة من قطاع غزة إلى الضفة، في ظل الانحياز الدولي والمواقف العربية الهزيلة.
وشدد على ضرورة دعم صمود المقدسيين على أرضهم، والتصدي بكل قوة لجرائم الهدم والمصادرة، وفتح كافة ميادين المواجهة والاشتباك مع الاحتلال ومستوطنيه لردعهم عن جرائمهم المتواصلة.