حينما فتح معبر رفح أبوابه أمام سكان قطاع غزة سارعت بعض العائلات إلى السفر في محاولة منهم للوصول إلى دول أوروبية بطرق غير شرعية عبر القوارب البحرية المنطلقة من شواطئ عربية.
بداية الحكاية كانت عبر وكالات ومكاتب سياحية في أماكن مختلفة سواء بمصر أو وسطاء غزة تواصلت مع المهاجرين على أساس وعد بالوصول إلى أوروبا بسفن آمنة ومريحة مقابل مبالغ مختلفة تراوحت بين ألفين و أربعة آلاف دولار، حيث اقتنع المهاجرين بذلك في ضوء نجاح عدد من معارفهم في الوصول إلى أوروبا بنفس الطريقة.
وفّر المهاجرون الأموال بطرق مختلفة فمنهم من باع ممتلكاته واقترض، وبعضهم أمّن المال من المبلغ الذي دُفع لهم كتعويضات لترميم منازلهم التي دمرها القصف (الإسرائيلي) خلال العدوان الأخير على غزة.
تنوعت جنسيات المهجرين الذين فقدوا وأغرقوا في الحادثة الأخيرة التي أعلن عنها في العاشر من سبتمبر الحالي، فمنهم مصريون وبعضهم الآخر من السوريين الذين لجؤوا إلى مصر أو ليبيا في الآونة الاخيرة.
أما المهاجرين من أصول غزية وبينهم عدد من العوائل فقد كان عدد كبير منهم متواجدا بشكل مسبق في العريش أو محافظات مصرية أخرى، ووصل عدد آخر معبر رفح إما تحت بند العلاج أو إكمال الدراسة أو حصوله على تأشيرة إلى دولة ما، ومنهم من دفع 1500 دولار للخروج من المعبر بينما وصل عشرات آخرون عبر أنفاق الحدود المصرية مع قطاع غزة.
وبحسب الناجين فإن المهرِبين يأخذون المال ويختفون ثم يتصلون بعد أيام ويبلغون طالب الهجرة أن يلتقيهم في وقت ومكان محددين.
جريمة متعمدة
اقترب موعد الرحلة حيث تجمع معظم الضحايا في مدينة دمياط ثم نقلتهم باصات كبيرة إلى شاطئ دمياط والاسكندرية وكان بانتظارهم مراكب صغيرة بمحرك لتقلهم إلى شاطئ اخر في عرض البحر، وخلال نقلهم من الباصات إلى المراكب تم سرقة ممتلكات بعضهم .
انطلقت القوارب الصغيرة في الساعة العاشرة من مساء يوم السبت السادس من أيلول، واحدا تلو الاخر باتجاه القارب الكبير، وقد استغرقت الطريق معهم قرابة الساعة، ووفقا للإحصائيات المتوفرة التي جمعها المرصد الأورومتوسطي من الناجين فإن عدد المهاجرين عند الاجتماع في القارب المكون من طابقين كان ما بين 400 إلى 450 شخصا منهم نحو مائة طفل، تكدس منهم نحو 250 في الطابق العلوي والبقية في السفلي.
بعد ساعتين من انطلاق القارب الصغير تم نقل الركاب إلى آخر بناء على طلب المهربين وبعد يوم ونصف من المسير انتقلوا مرة اخرى عبر قارب اخر ليكمل طريقه بهم إلى ايطاليا الذي غرق فيما بعد.
وأثناء الرحلة توقفت مضخة المياه وقلّ ماء الشرب ونفد الطعام الا القليل من التمور كانت بحوزة الركاب تقاسموها، وفي عصر يوم الواقعة طلب المهربون من الركاب الانتقال الى المركب الاخير وبدا للركاب أنه صغير ومتهالك فرفضوا الانتقال اليه، وحدثت مشادة عنيفة بين المهربين والمهاجرين انتهت بإكمال المسيرة على نفس القارب .
لم تمض ساعة حتى ظهر قارب صغير يحمل اسم الحاج رزق دمياط على متنه من 5 لـ 10 أشخاص عند اقترابه من الركاب اخذوا يصرخون عليهم بلهجة مصرية، ثم صدم قارب الركاب ثلاث مرات بشكل متعمد مما أدى إلى فتح ثغرة فيه وبدأ تسرب المياه إلى داخله حتى اختلطت مياه البحر بالزيت والوقود الذي كان يستخدم للمركب.
انتظر الاشخاص ليتأكدوا من غرق قارب الركاب قبل مغادرتهم وقال الناجون إن هؤلاء الاشخاص ظلوا يلتفون حول القارب وهو يغرق بينما هم يضحكون ساخرين.
الحادثة التي وقعت تعد جريمة متعمدة هدفت إلى التخلص من المهاجرين في عرض البحر، ويظهر ذلك جليا من خلال صدم القارب أكثر من مرة وعدم مغادرته إلا بعد التأكد من غرقهم.
يذكر أن البحرية المالطية أكدت أن المركب كان في المياه الدولية على بعد 300 ميل بحري جنوب شرق مالطا عندما وقع الحادث.
الدول الغنية
مدير مركز الأورومتوسطي رامي عبده ذكر "للرسالة" أنه لا يمكن المطالبة بلجنة تحقيق دولية بشأن الغرقى كون هناك لجنة تحقيق أوروبية تقودها إيطاليا.
وأكد أن غالبية العائلات الغزية التي خرجت أوضاعهم المالية جيدة، فقد خرجوا بناء على تشجيع معارفهم الذي سافروا بنفس الطريقة قبلهم.
وبحسب عبده فإن عددا من المهاجرين الغزيين يقبعون داخل السجون المصرية بعدما ألقي القبض عليهم وهم يحاولون الهجرة بطرق غير شرعية، محملا في الوقت ذاته السلطات الايطالية والمالطية مسئولية تأخرها في التدخل من اجل انقاذ اللاجئين أو انتشال الجثث.
وأوضح أنهم لم يستطيعوا الحصول على إفادات حول وجهة أو مصير المهربين على قارب الركاب الغارق، داعيا الاتحاد الاوروبي الى تقديم المساعدة العاجلة من اجل العمل على انتشال الجثث وضمان احترام حق الاسر.
وطالب عبده بضرورة بتعديل اللوائح الجديدة المقترحة لمهمة "الوكالة الأوروبية" لإدارة التعاون العملياتي على الحدود الخارجية للدول الاعضاء في الاتحاد الاوربي، مطالبا الدول الغنية في المساهمة في تحمل عبء أعداد اللاجئين المتزايدة في العالم سواء فتح المجال لاستقبال عدد منهم او تقديم الدعم المادي للدول التي تقوم باستقبالهم بأعداد كبيرة.