لم يعد مشهد قلع الاحتلال أشجار الزيتون حكرًا على أراضي الضفة المحتلة, وإن اختلفت أداة التنفيذ من أنياب جرافة إلى براميل متفجرة أحالت ببارودها لون حبات الزيتون الخضراء إلى سوداء ترعب الناظرين!
بعد أن زالت غيمة الموت عن سماء غزة المجروحة, بدأ موسم قطف الزيتون لهذا العام أقل بهجةً وأنقص محصودًا, إذ لم تكن أشجار الزيتون في منأى عن صواريخ القتل والإفساد الإسرائيلية التي لم تدع أخضرًا ولا يابسًا من شرها.
في جوٍ عائلي عمّه الفرح, بدأ أبو محمد قشطة ( 65 عامًا ) وعائلته الممتدة بقطف أشجار الزيتون من أرضه الواقعة إلى الشرق من مدينة رفح جنوب القطاع .
تحدث أبو محمد لـ "الرسالة نت" وقد همّ بالنزول عن غصن إحدى الأشجار: "هينا بنقطف في الأرض الوحيدة الي سلمت من قصف الطيران الحربي, كل أراضينا شرق رفح دمرت" .
"إسرائيل" في هجومها على غزة ألقت آلاف الأطنان من المتفجرات على الأراضي الزراعية في أرجاء قطاع غزة, الأمر الذي أدى لسحق الأشجار وتدمير التربة، ولن تصلح للزراعة لسنوات مقبلة.
مقولة "اخلع نعليك فترابها جُبل بدماء أبنائها" تجلت حقيقة في أرض أبو محمد إذ استشهد فيها 3 شبان من أقربائه بعد أن قصفتهم طائرة إسرائيلية بدون طيار في عدوان إسرائيل المدمر الذي شنته مؤخرًا على غزة .
تحت إحدى الشجرات جلست أم محمد تكوّم ما جمعته أيدي أبنائها وزوجها من حبات الزيتون, تقول في حديثها لـ "الرسالة نت": "نشكر الله الي طلعنا من هالحرب أحياء, وأبقى إلنا هالشجرات إلي هن جزء من حياتنا".
وبعد جولة من العمل, وصلت الحاجة ام سليمان "80 عامًا " تتكئ على عكّازها, فيما وجدت في صنع إبريق الشاي للعاملين متعة منذ أن عرفت قطف الزيتون منذ أيام الصبا.
مراسل "الرسالة نت" استمع بصعوبة لتلك الكلمات التي خرجت من شفاه العجوز: "اليهود يمّا بدهم يبعدونا عن أراضينا بصواريخ طيارتهم", لتلحقها بقول: "لو فيّا قوة لاشتغلت بأيدي مع أولادي".
الحاج أبو جهاد عدوان لم يكن صاحب حظٍ سعيد كأبو محمد, إذ دمرت طائرات الاحتلال بصواريخها أشجار الزيتون والحمضيات في أرضه التي تقع للشرق من معبر رفح البري .
وبعد تنهيدة تهز القلب, تحدث أبو جهاد لـ"الرسالة نت" : "حسبي الله عليهم, حرمونا من خير هالأرض، ودمروا الشجر إلي زرعه والدي وسقيته أنا وأولادي, الله على الظالم" .
إن الحرب الإسرائيلية على غزة انتهت, إلا أن آثارها الممتدة من جراح المصابين إلى آلام الثكالى, مرورًا بتدمير مصدر قوت الآلاف, تحفر في الذاكرة معالم الهمجية الإسرائيلية التي اعتاد عليها الشعب الفلسطينية منذ أن بدأت النكبة .
وتشترك في هذه المهمة كل أفراد العائلة, نساءً ورجال, شيبًا وأطفالا, في لوحة صمود يشكلها الشعب الفلسطيني بدلًا من تلك التي حاول الاحتلال فرضها عليهم بحقد صواريخه, وحال لسانهم يقول "صامد أنا في أرضي رغمًا عن أنفك يا ظالم" .
(عدسة: محمود أبو حصيرة)