سرت ـ الرسالة نت
الاستثناء الأبرز في قمة سرت، هو المتعلق بمكانها وراعيها. فحتى لحظة وصول الوفود الرسمية أرض المدينة المضيفة كان الإبهام سيد الموقف، وذلك في ما يخص الترتيبات والتنظيم ومقرات الإقامة وغيرها من المسائل التي تشغل بال كل مسافر في مهمة عمل.
كما كانت التساؤلات لا تتوقف حتى لحظة انعقاد القمة فيما إذا كان الرئيس الليبي معمر القذافي يخبئ أية مفاجآت لضيوفه، من قبيل تلك التي شاعت قبل أيام من القمة، وكادت تثير أزمة دبلوماسية مع الكويت. وكان مضمونها أن القذافي يرغب في إزاحة ستار عن تمثال للرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حفل افتتاح القمة.
إلا أن أجواء القمة، الميسرة والمقبولة التنظيم، كما ابتكارات اللحظة الأخيرة ستسجل للقمة الـ22.
ومن بين هذه الابتكارات استئجار باخرة إيطالية عبرت المقطع البحري بين البلدين نحو خليج سرت، لتضم الصحافيين وغالبيتهم من غير المسجلين بين الوفود الرسمية. أما الإعلاميون المرافقون، كما حال مراسل «السفير»، فسكنوا شققا مفروشة نصبت حولها خيم بإدارة تركية تقدم الوجبات الثلاث، لكن لم يوجد وقت لها. لكن أعمال المراسم بقيت مترددة بين أمر وآخر. وظلت الجماهيرية الليبية تضع خيارين لكل تحرك، ولكل قاعة بابين، ولكل قمة بدلا عن مدينة مدينتين، إذ بات معروفا أن طرابلس بقيت خيارا للقمة حتى اللحظة الأخيرة، حتى تغلب العامل الأمني واللوجستي في سرت.
كما ظلت ترتيبات المراسم متغيرة، وتأخرت مواعيد الجلسات (وهذا معتاد جدا في القمم العربية)، كما أشرف القذافي بنفسه على بعض الأمور، وبينها رؤيته يوم الاحتفال يوجه العمال لنقل لوحة كبيرة الحجم من موقع لآخر ليراها القادة العرب لحظة دخولهم قاعة المؤتمرات، وتضم تواريخ محاولات الوحدة والاتحاد العربية في القرن الماضي. وهي سبع محاولات بالمناسبة.
وأحاطت ليبيا القمة بأجواء احتفالية. ففي قاعة واغادوغو، حيث اقيمت القمة، كانت سيدة تؤدي رقصات شعبية امام مئات من اعضاء الوفود والصحافيين الذين وفرت لهم شركة فندقية تركية، استأجرها المنظمون، خدمة خمسة نجوم.
اما التلفزيون الليبي، فظل يذيع اغنية عبد الحليم حافظ «بركان الغضب» بعد ان بث على مدى اليومين الماضيين اغاني وطنية مصرية قديمة تمجد الوحدة العربية من بينها الاوبريت الشهيرة «وطني حبيبي» للموسيقار محمد عبد الوهاب.
وفي الجلسة العلنية تفادى المضيف القذافي إثارة غضب أحد، فلم يتحدث عن «الأصول الإيرانية لكل دول الخليج»، أو لم يعد للتشبيه بين «مصير صدام حسين ومستقبل بعض القادة العرب»، بل ظل هادئا وبمزاج رائق، واكتفى بتعليقات ساخرة متعالية وصلت مسامع الجميع، الذي استجاب بالضحك والتصفيق.
وعندما أنهى أمير قطر كلامه عن القمة، تحدث القذافي قائلا إن القمة لم تعط الشيخ حمد الصلاحيات، لذا لم ينجز شيئا، مشيرا إلى أن ما فعله الأمير هو «ملء الفراغ» وهو ما سيقوم به أيضا. لكنه عقب مازحا أن الأمير أكثر منه قدرة على ملء الفراغ، في إشارة لحجم الأخير الذي ضحك للنكتة أيضا.
وأبدى الرئيس الليبي احتراما كبيرا لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وكلمته. فقام القذافي من كرسيه وألقى التحية على ضيفه معانقا، وقد حذا حذوه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أيضا، كما فعل أمراً مشابهاً مع رئيس وزراء إيطاليا سيلفيو برلوسكوني «باعتباره صديقا شخصيا» وعاد إلى مقعده لمتابعة الجلسة.
واستمر مزاج القذافي هادئا فأعطى فرصة الكلام لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (وكان رفض استقباله لحظة وصوله في مطار سرت). وعندما انتقد الأخير حركة حماس، وتحدث عن العودة للتفاوض، علق العقيد «إننا يا أخ عباس لا نستطيع أن نطلب من الفلسطينيين في حركات فتح وحماس والجهاد وفتح الانتفاضة» ومن بقيت لهم «أرزاق وعظام أجدادهم في حيفا ويافا وتل أبيب أن يقبلوا بما نقرره»، في إشارة إلى الرأي الشعبي الفلسطيني.
ومنح القذافي قبل ختام القمة العلنية بقليل حصة من وقت الجميع للرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي دعا لاتحاد عربي شبيه بالاتحاد الأوروبي. ورد الرئيس الليبي «المهم هو ان اقتراحك حصل على موافقتي» في اشارة الى رفضه على ما يبدو من بقية الدول العربية. وعلى الاثر دوى تصفيق وهتاف «شعب عربي واحد» من الحضور الليبي في القاعة، في حين لوح القذافي بقبضته تأييدا قبل ان يرفع الجلسة الافتتاحية للقمة.
وضحك الجميع بشدة حين اقترح القذافي إلغاء الإجماع في قرارات الجامعة وترك كل مجموعة عربية تقرر ما تريده وإذا كان للآخرين أن يلحقوها فيستطيعون ذلك أو لا. وحين صفق الجمهور الليبي للاقتراح، سأل القذافي المصفقين «هل هذا للذين يذهبون باتجاه أم للذين يرفضون؟».
كما أصاب القذافي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتعليقاته حين صحح له أن مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم تبدأ في عام 1967 كما ذكر بل في عام 1948، وكان أن صفق له الحضور. وأحنى بان كي مون رأسه بآلية الأخلاق الآسيوية الاعتيادية، لكن ليضيف القذافي ضاحكاً إنه «قبل التصحيح».
وأخيراً اختتم الرئيس الليبي الجلسة التي استمرت ثلاث ساعات، معلنا موعد جلسة الاجتماعات المغلقة في الخامسة مساء في قاعة صغيرة وبمستوى واحد زائداً اثنين، أي رئيس الوفد مع اثنين من معاونيه، وذلك «لكي يتسنى لنا الكلام بعضنا مع بعض بحرية وفي مساحة ضيقة». وقيل عن هذه الجلسة إن القذافي جدد رغبة بلاده في العمل على إصلاح بنيان الجامعة العربية، وهو ما يبدو أنه سيكون ميزة عـام ولايته في رئاسة القمة.
إلا انه ووفقا لما تبين فقد خبأت قمة ليبيا مفاجأة حتى النهاية. وهو عبر الاختتام المفاجئ والسريع لها. وكان تم الاتفاق على أن تجري جلسة علنية، ولكن القذافي اقترح ان توزع الكلمات والاكتفاء بالكلمات مطبوعة وموزعة على الإعلام. وافق الموجودون وفق ما قاله الأمين العام للجامعة العربية عمــرو موسى لـ«السفير». اختتمت القمة بالنشــيد الوطــني. غادر الزعماء وأفواه الصحافيين فاغرة.
المصدر: السفير