قائمة الموقع

مقال: ثقافة العداء المقدس

2010-03-29T06:31:00+03:00

أ. يوسف علي فرحات      

لعل هذا العنوان يثير الاستغراب لأول وهلة ، كون الإسلام يحارب العدوان ولا يحب المعتدين ، ويدعو إلى التسامح  لقوله تعالى : ﴿إن الله لا يحب المعتدين ﴾ 0 ولكن يزول هذا الاستغراب إذا علمنا أن الإسلام أعطى الضوء الأخضر لأتباعه لكي يدافعوا عن أنفسهم ويردوا العدوان بالمثل ، لقوله تعالى﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى  ﴾ ، وقوله تعالى﴿ َوالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾0

وقد يصل العداء أحياناً نحو الآخرين إلى مرتبة الوجوب والقداسة ، كالشعور بالعداء نحو اليهود ، بل يجب أن يساهم كل مسلم في إشاعة ثقافة العداء نحو الكيان اليهودي الصهيوني القائم على أرض فلسطين ، وذلك لعدة أسباب :

1- إن اليهود قد أعلنوا العداء للمسلمين من جانب واحد وذلك منذ دعا النبي صلى الله وسلم الناس للإسلام ، ولم يكتفوا بالعداء الشعوري ، بل مارسوه بصورة مؤامرات ومحاولة قتل للنبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن التحريض على معسكر المسلمين ، لذلك أكد القرآن الكريم هذه الأخلاق اليهودية المشينة في قوله تعالى : ﴿ لَتجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ فاليهود أعداء لله وملائكته وكتبه ورسله ، بل هم أعداء للأمم والشعوب 0 تقول ابنت (موشي ديان ) في مذكراتها : " إن أبي كان يكرهني ، ويكره أمي ويكره البشرية كلها " 0

2- إن طبيعة الكيان الصهيوني يقوم على التوسعية 0 فاليهود لم يكتفوا باحتلال فلسطين بل يطمعون بالوصول إلى الحجاز ـ لذلك ، لما دخلت القوات الصهيونية مدينة القدس في عام 1967م بقيادة ( موشى ديان ) صرح حينها ونُشرت تصريحاته عبر الصحف العالمية : " نحن استولينا على أورشليم وبقي أن نستولي على يثرب وخيبر " 0 ويقول ( حاييم وايزمن ) في كتابه ( التجربة والخطأ ) : " عندما استولينا على القدس في عام 1967م فاوضنا امرأة حسن أبي السعود على بيتها فرفضت المرأة ، ثم أجبرت على الخروج ، وتركت البيت ولحقت بأحفادها في السعودية ، فلقيها (هرتسوك ) رئيس بلدية القدس ، فقال لها يا امرأة : إذا لقيت الملك فيصل فأخبريه بأننا قادمون إليه لأن لنا بقايا وآثار لآبائنا نريد أن نستردها وجدنا إبراهيم هو الذي بنى الكعبة 0

وقد رأينا هذه الطبيعة التوسعية في سياسة ابتلاع أرضي الفلسطينيين ومصادرتها وإقامة المستوطنات عليها حتى أصبحت مدن الضفة الغربية اليوم مطوقة بأحزمة من المستوطنات 0 هذا على صعيد الضفة ، أما على صعيد القدس فتتعرض اليوم لحملة من التهويد للمقدسات والأرض ويُطرد أهلها ويرحلون عن أرضهم0

3-  الطبيعة الدموية للكيان الصهيوني 0 حيث قام هذا الكيان على العدوانية والدموية ،والذي يقرأ القرآن الكريم ، لا يعجب كثيراً من هذه الدموية ، لأن هذا خلق لليهود ، الذين وصفهم القرآن الكريم ، بأنهم قتلة للأنبياء 0 هذا القتل تُأصلُ له توراتهم المحرفة ، حتى أن ما جاء في هذه التوراة أصبح مرجعاً لبعض الحاخامات اليهود لتحريض الجيش الصهيوني على قتل الفلسطينيين كلهم شباباً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً 0 فالتوراة تعلم اليهود : " إذا وقعت مدينة في يدك اقتل أفضل الأغيار- يعني غير اليهود " 0 لذا يقول أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني : (ديفيد بن غوريون ) : " الجيش الإسرائيلي هو أفضل شارح ومفسر للتوراة " وهو نفسه الذي قال : " إسرائيل تعيش على الحرب وتموت بالسلام " 0 من هنا وجدنا تاريخ هذه الدولة حافلاً بالمجازر البشرية وبالهول والإرهاب ، بداية من مذبحة ( دير ياسين ) و( كفر قاسم ) و(قبيا ) و(صبرا وشاتيلاً ) و( بحر البقر) و(قانا ) و( المسجد الإبراهيمي ) وأخيراً ( الحرب على غزة ) 0 وهكذا فإن هذا الكيان يقوم على العنف والقسوة ، فهي آفة ملازمة له ، لذا فهم لا  يعترفون بقيمة أخلاقية ، ولا إلزامية أخلاقية ، لا يعترفون إلا بالمنفعة ، والغاية عندهم تبرر الوسيلة ، فكل الوسائل عندهم مشروعة ، حتى الأعراض والأموال ، فلا يتورعون عن شئ في سبيل غايتهم ، وهذا ما قاله لهم تلموذهم 0

4- دولة عنصرية 0 بالإضافة إلى ما سبق ، فإن دولة صهيون تقوم على العنصرية ، فهم يؤمنون أنهم شعب الله المختار ، وأن الله لهم وحدهم 0 فهم شعب عنصري ، يقولون : لليهودي لا تقرض بربا ، ولغيره تقرض بالربا ، فالحلال يختلف والحرام يختلف باختلاف الناس ، وقد أفصح القرآن عن هذا الخلق في قوله تعالى : ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾ 0

لهذا كله نقول إن الأمانة ملقاة اليوم أكثر من ذي قبل على عاتق العلماء والمثقفين والمربين في إشاعة ثقافة الغضب والعداء المقدس في نفوس الأجيال نحو هذا الكيان ، لأن هذه الثقافة من أهم مقومات الانتصار على هذا الكيان وإزالته 0 فلابد أن تبقى شحنة الغضب والعداء لهذا الكيات تعتمل في صدورنا ، تغلي في قلوبنا ، نريد أن يظل هذا القِدر يغلي ، ويغلي وهو مسدود مكتوم لا نسمح له بأن يتنفس 0 وإذا ظلت النار تتقد والقِدر يغلي ، فلا بد أن يتفجر هذا القدر يوماً أو يتكسر 0

لا بد أن تزيد النار وينفجر القدر ، لا يمكن أن تظل هذه الأمة على ما هي عليه ، لا بد أن تنفجر القدر يوماً وأن يثور البركان الهادئ0

إن أمتنا بخير وفيها مخزون من القوة والطاقة ، ما لا تملكه أمم أخرى ، لذا لا بد أن نشيع في الأمة ثقافة المقاومة وعدم الاستسلام وقبول الذل الهوان ، فإما أن نعيش أعزاء سعداء ، وإما أن نموت شهداء 0 لا يجوز لخير أمة أخرجت للناس أن تقبل الذل والهوان بحال من الأحول 0

يجب أن تتمكن هذه المشاعر من نفوسنا ، وألا نستسلم أبداً ، هذا الشعور نفسه نعمة عظيمة ، وغنيمة عظيمة ، ومكسب كبير 0 هم يريدون أن يقتلوا فينا هذا الشعور ، أن يحس كل منا باليأس والإحباط ، أن يقول : ليس هناك فائدة  فإسرائيل تملك ترسانة نووية ، هم يريدون أن نصل إلى هذا الحد من اليأس والإحباط والشعور بالقنوط 0

لذا لا غرو أن رأينا فئة من المحبطين الذين سئموا طول الطريق والجهاد والكفاح ، وسعوا وراء سلام هزيل ، أعرج ، لا يعيد الحق لأهله ، سلام عُلِّقت فيه القضايا المهمة والمفصلية : قضية القدس ، واللاجئين المشردين والمستوطنات والحدود 0

هذا السلام الذي رضي به المُحبطون القانطون من أمتنا تركله اليوم الحكومة الصهيونية بقدميها ، لا تبالي به ، ومع هذا لا يزال هؤلاء المخدوعون يحسنون الظن بهذه الكيان ويلهثون وراء السراب ويبررون كل ذلك بقولهم : " سنصبر على إسرائيل " 0

     وللأسف الشديد ليت هذا صبر الأحرار وإنما صبر الحمير ، الذي عبر عنه الشاعر قديماً حينما قال :

أقولُ كما يقولُ حمارُ سَوْءٍ        وقد ساموه حِملاً لا يطيق

سأصبرُ والأمورُ لها اتساعٌ       كما أن الأمورَ لها مَضيقُ

   فإما أن أموتَ أو المُكارِي        وإمـــــــــا ينتهي هذا الطريقُ

اخبار ذات صلة