أ. يوسف علي فرحات
لعل هذا العنوان يثير الاستغراب لأول وهلة ، كون الإسلام يحارب العدوان ولا يحب المعتدين ، ويدعو إلى التسامح لقوله تعالى : ﴿إن الله لا يحب المعتدين ﴾ 0 ولكن يزول هذا الاستغراب إذا علمنا أن الإسلام أعطى الضوء الأخضر لأتباعه لكي يدافعوا عن أنفسهم ويردوا العدوان بالمثل ، لقوله تعالى﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى ﴾ ، وقوله تعالى﴿ َوالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾0
وقد يصل العداء أحياناً نحو الآخرين إلى مرتبة الوجوب والقداسة ، كالشعور بالعداء نحو اليهود ، بل يجب أن يساهم كل مسلم في إشاعة ثقافة العداء نحو الكيان اليهودي الصهيوني القائم على أرض فلسطين ، وذلك لعدة أسباب :
1- إن اليهود قد أعلنوا العداء للمسلمين من جانب واحد وذلك منذ دعا النبي صلى الله وسلم الناس للإسلام ، ولم يكتفوا بالعداء الشعوري ، بل مارسوه بصورة مؤامرات ومحاولة قتل للنبي صلى الله عليه وسلم فضلاً عن التحريض على معسكر المسلمين ، لذلك أكد القرآن الكريم هذه الأخلاق اليهودية المشينة في قوله تعالى : ﴿ لَتجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ فاليهود أعداء لله وملائكته وكتبه ورسله ، بل هم أعداء للأمم والشعوب 0 تقول ابنت (موشي ديان ) في مذكراتها : " إن أبي كان يكرهني ، ويكره أمي ويكره البشرية كلها " 0
2- إن طبيعة الكيان الصهيوني يقوم على التوسعية 0 فاليهود لم يكتفوا باحتلال فلسطين بل يطمعون بالوصول إلى الحجاز ـ لذلك ، لما دخلت القوات الصهيونية مدينة القدس في عام 1967م بقيادة ( موشى ديان ) صرح حينها ونُشرت تصريحاته عبر الصحف العالمية : " نحن استولينا على أورشليم وبقي أن نستولي على يثرب وخيبر " 0 ويقول ( حاييم وايزمن ) في كتابه ( التجربة والخطأ ) : " عندما استولينا على القدس في عام 1967م فاوضنا امرأة حسن أبي السعود على بيتها فرفضت المرأة ، ثم أجبرت على الخروج ، وتركت البيت ولحقت بأحفادها في السعودية ، فلقيها (هرتسوك ) رئيس بلدية القدس ، فقال لها يا امرأة : إذا لقيت الملك فيصل فأخبريه بأننا قادمون إليه لأن لنا بقايا وآثار لآبائنا نريد أن نستردها وجدنا إبراهيم هو الذي بنى الكعبة 0
وقد رأينا هذه الطبيعة التوسعية في سياسة ابتلاع أرضي الفلسطينيين ومصادرتها وإقامة المستوطنات عليها حتى أصبحت مدن الضفة الغربية اليوم مطوقة بأحزمة من المستوطنات 0 هذا على صعيد الضفة ، أما على صعيد القدس فتتعرض اليوم لحملة من التهويد للمقدسات والأرض ويُطرد أهلها ويرحلون عن أرضهم0
3- الطبيعة الدموية للكيان الصهيوني 0 حيث قام هذا الكيان على العدوانية والدموية ،والذي يقرأ القرآن الكريم ، لا يعجب كثيراً من هذه الدموية ، لأن هذا خلق لليهود ، الذين وصفهم القرآن الكريم ، بأنهم قتلة للأنبياء 0 هذا القتل تُأصلُ له توراتهم المحرفة ، حتى أن ما جاء في هذه التوراة أصبح مرجعاً لبعض الحاخامات اليهود لتحريض الجيش الصهيوني على قتل الفلسطينيين كلهم شباباً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً 0 فالتوراة تعلم اليهود : " إذا وقعت مدينة في يدك اقتل أفضل الأغيار- يعني غير اليهود " 0 لذا يقول أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني : (ديفيد بن غوريون ) : " الجيش الإسرائيلي هو أفضل شارح ومفسر للتوراة " وهو نفسه الذي قال : " إسرائيل تعيش على الحرب وتموت بالسلام " 0 من هنا وجدنا تاريخ هذه الدولة حافلاً بالمجازر البشرية وبالهول والإرهاب ، بداية من مذبحة ( دير ياسين ) و( كفر قاسم ) و(قبيا ) و(صبرا وشاتيلاً ) و( بحر البقر) و(قانا ) و( المسجد الإبراهيمي ) وأخيراً ( الحرب على غزة ) 0 وهكذا فإن هذا الكيان يقوم على العنف والقسوة ، فهي آفة ملازمة له ، لذا فهم لا يعترفون بقيمة أخلاقية ، ولا إلزامية أخلاقية ، لا يعترفون إلا بالمنفعة ، والغاية عندهم تبرر الوسيلة ، فكل الوسائل عندهم مشروعة ، حتى الأعراض والأموال ، فلا يتورعون عن شئ في سبيل غايتهم ، وهذا ما قاله لهم تلموذهم 0
4- دولة عنصرية 0 بالإضافة إلى ما سبق ، فإن دولة صهيون تقوم على العنصرية ، فهم يؤمنون أنهم شعب الله المختار ، وأن الله لهم وحدهم 0 فهم شعب عنصري ، يقولون : لليهودي لا تقرض بربا ، ولغيره تقرض بالربا ، فالحلال يختلف والحرام يختلف باختلاف الناس ، وقد أفصح القرآن عن هذا الخلق في قوله تعالى : ﴿لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾ 0
لهذا كله نقول إن الأمانة ملقاة اليوم أكثر من ذي قبل على عاتق العلماء والمثقفين والمربين في إشاعة ثقافة الغضب والعداء المقدس في نفوس الأجيال نحو هذا الكيان ، لأن هذه الثقافة من أهم مقومات الانتصار على هذا الكيان وإزالته 0 فلابد أن تبقى شحنة الغضب والعداء لهذا الكيات تعتمل في صدورنا ، تغلي في قلوبنا ، نريد أن يظل هذا القِدر يغلي ، ويغلي وهو مسدود مكتوم لا نسمح له بأن يتنفس 0 وإذا ظلت النار تتقد والقِدر يغلي ، فلا بد أن يتفجر هذا القدر يوماً أو يتكسر 0
لا بد أن تزيد النار وينفجر القدر ، لا يمكن أن تظل هذه الأمة على ما هي عليه ، لا بد أن تنفجر القدر يوماً وأن يثور البركان الهادئ0
إن أمتنا بخير وفيها مخزون من القوة والطاقة ، ما لا تملكه أمم أخرى ، لذا لا بد أن نشيع في الأمة ثقافة المقاومة وعدم الاستسلام وقبول الذل الهوان ، فإما أن نعيش أعزاء سعداء ، وإما أن نموت شهداء 0 لا يجوز لخير أمة أخرجت للناس أن تقبل الذل والهوان بحال من الأحول 0
يجب أن تتمكن هذه المشاعر من نفوسنا ، وألا نستسلم أبداً ، هذا الشعور نفسه نعمة عظيمة ، وغنيمة عظيمة ، ومكسب كبير 0 هم يريدون أن يقتلوا فينا هذا الشعور ، أن يحس كل منا باليأس والإحباط ، أن يقول : ليس هناك فائدة فإسرائيل تملك ترسانة نووية ، هم يريدون أن نصل إلى هذا الحد من اليأس والإحباط والشعور بالقنوط 0
لذا لا غرو أن رأينا فئة من المحبطين الذين سئموا طول الطريق والجهاد والكفاح ، وسعوا وراء سلام هزيل ، أعرج ، لا يعيد الحق لأهله ، سلام عُلِّقت فيه القضايا المهمة والمفصلية : قضية القدس ، واللاجئين المشردين والمستوطنات والحدود 0
هذا السلام الذي رضي به المُحبطون القانطون من أمتنا تركله اليوم الحكومة الصهيونية بقدميها ، لا تبالي به ، ومع هذا لا يزال هؤلاء المخدوعون يحسنون الظن بهذه الكيان ويلهثون وراء السراب ويبررون كل ذلك بقولهم : " سنصبر على إسرائيل " 0
وللأسف الشديد ليت هذا صبر الأحرار وإنما صبر الحمير ، الذي عبر عنه الشاعر قديماً حينما قال :
أقولُ كما يقولُ حمارُ سَوْءٍ وقد ساموه حِملاً لا يطيق
سأصبرُ والأمورُ لها اتساعٌ كما أن الأمورَ لها مَضيقُ
فإما أن أموتَ أو المُكارِي وإمـــــــــا ينتهي هذا الطريقُ