في الصالون السياسي المتنقل -سيارة الأجرة- قصص وحكاوي ومواقف. فقد انضمت سيدتان بدا من لكنتهما أنهما ضيفتان على غزة، وبمجرد أن استقلتا السيارة أعلنتا أن أهل غزة أصبحوا مجانين بعد الحرب، في تعبير عن الحالة غير العادية التي يعيشها الناس وسط الكم الهائل من الضغوط، وبما أنهما عاشتا أيضا الحرب في غزة فإن مسا من الجنون قد أصابهما بحيث كانت إحداهن تضحك وتتحدث وتغضب في نفس اللحظة.
توصيف السيدة لأهل غزة فتح باب النقاش مع السائق الذي وجد فرصة لإدارة صالون سياسي، وبعد أخذ وردّ في محاولة للتعرف على جنسيتيهما، خمن أنهما مغربيتين، لكن إحداهن ردت: نحن نكره المغاربة معلنة أنها جزائرية، مبررة الكراهية ناجمة عن الخلاف بين الدولتين جراء مشكلة الصحراء الحدودية، بينما المغاربة يتهمون الجزائر بدعمها للانفصال ومساندتها للبوليزاريو.
السيدة الجزائرية أسهبت في النقاش وتحولت لانتقاد بعض جوانب الشخصية الفلسطينية مشيرة إلى أنها لم تعد تحترم المطرب الفلسطيني محمد عساف لأنه كان يغني أغاني العشق في برنامج "أراب ايدول" الأسبوع الماضي، بينما المستوطنون يدوسون ساحات الأقصى والجنود يعتدون على المقدسيات، ثم عبرت عن غضبها أمام صمت العرب والفصائل في حين يتلقط عشرات الجنود الصور داخل الحرم في مشهد يستفز المشاعر.
السائق تفاعل مع السيدة على طريقته من خلال ابتسامة عريضة تظهر ما تبقى من أسنانه المتهالكة التي تشبه منازل غزة المدمرة جزئيا.
الجنون الذي وصفت السيدة أهل غزة به ظهر على أصوله مع السائق الذي كاد يصطدم أكثر من مرة بالسيارات أمامه لانشغاله في نقاش السيدة الجزائرية عبر مرآته الأمامية، لكنه كالعادة الغزاوية كان يرد على كل صرخة تطلقها الجزائرية: "تقلقيش".
الانطباع الذي يخرج به بعض الضيوف عن أهل غزة اليوم، يحمل متناقضات: القوة والبؤس، الصمود والجنون، البطولة والنكبة.
ولأن غزة تظل حالة استثنائية، يظهر في صالون ثان ممرضة تتمنى قبول استقالتها من عملها في الخدمات الطبية العسكرية، بعدما خدمت لشهور دون راتب لتبحث عن رزقها في مكان آخر، فيرفض مديرها الاستقالة، لحاجة في نفسه، وهكذا تبقى معلقة دون راتب ودون استقالة، بينما يتغير المثل الشعبي القديم وبدل أن يقال: "إن فاتك الميري، تمرغ في اترابه" تبحث الممرضة عن واسطة لتهرب من "الميري" وأزماته، ونبحث معها عن جواب لدى المسئولين في وزارة الداخلية.