فاجأ حادث مقتل 31 جنديا مصريا في هجومين بسيناء يوم الجمعة الماضي، الأوساط السياسية الفلسطينية "المنشغلة" في حلّ القضايا الداخلية من مصالحة وإعمار. وقطع "سيف القدر" الطريق عليها، لتنصرف إلى متابعة تداعيات الحادث، انطلاقا من الرأي القائل: "إذا احترق منزل جارك، فإنما المقصود أنت".
كتلة اللهب الأكبر للحادث ستهبُّ دون أدنى شك نحو غزة، خاصة أنه وقع على الحدود الشرقية لمصر، المشتركة مع القطاع. وما يجعل تداعياته أكثر خطرا على غزة مما سبقه من تفجيرات، أنه الأسوأ ضد قوات الأمن المصري منذ مقتل 25 شرطيا بسيناء في أغسطس/آب 2013، علما بأن الجنود الـ 31 قتلوا في هجومين منفصلين، استهدفا حاجزين أمنيين شمال شبه الجزيرة.
ثم إن توقيت الحادث سيزيد شقاء غزة التي خرجت "منهكة" بعد عدوان (إسرائيلي) صنّفه مراقبون أنه "الأعنف على الإطلاق"، خصوصا أنه تزامن مع موعد انطلاق مفاوضات التهدئة غير المباشرة في القاهرة، عدا عن أن الإشارة بأصابع الاتهام نحو غزة، وإن كان بشكل غير مباشر، سيفقدها توازنها وسيضطرها إلى دفع أثمان هي اليوم في أمسّ الحاجة إلى تحصيلها.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هدد بأنه سيتم اتخاذ إجراءات جديدة مع قطاع غزة "لحل مشكلة الإرهاب من جذورها"، واتهم أطرافا خارجية -لم يسمها-بالوقوف وراء هجمات سيناء.
دفع الثمن
أول تلك الأثمان التي دفعتها غزة قبل أن توارى جثامين الجنود المصريين الثرى، كان إغلاق السلطات المصرية معبر رفح البري "إلى أجل غير مسمى"، ومن المتوقع -كما أخبر "الرسالة" ماهر أبو صبحة، رئيس هيئة المعبر والحدود في غزة-أن تطول فترة الإغلاق، تحت ذريعة تدهور الأوضاع الأمنية بمحافظة شمال سيناء، رغم أن وزارة الداخلية الفلسطينية أكدت ألا صلة للقطاع بما يجري داخل مصر، وأن الأنفاق الحدودية بين الجانبين "أصبحت جزءا من الماضي".
وقال المتحدث باسم الوزارة إياد البزم في تصريح صحفي، إن حدود غزة الجنوبية مع مصر مضبوطة وآمنة، وتخضع لمراقبة وإجراءات مشددة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وشدد على أن وزارته لا تسمح بالمساس بأمن الحدود، وتعتبر الأمن القومي المصري أولوية فلسطينية، لافتا إلى أنها أغلقت الحدود بشكل كامل منذ وقوع الحادث.
هالة الخشية لدى الفلسطينيين بغزة كانت تتركز حول إمكانية إلغاء جولة المفاوضات غير المباشرة بين الاحتلال (الإسرائيلي) والوفد الفلسطيني المفاوض، التي كانت مقررة اليوم الاثنين، قبل أن تبلغ القاهرة حركة حماس بتأجيلها؛ بذريعة تعذر سفر وفدها إلى الأراضي المصرية عبر معبر رفح بسبب الظروف الأمنية في سيناء.
يعني ذلك تأجيل البحث للمرة الثانية في ثلاث قضايا رهنت المقاومة في غزة وقف إطلاق النار في المعركة الأخيرة بإنجازها، وهي: الميناء والمطار، والإسراع في جهود إعمار القطاع، وثالثا إجراءات الاحتلال "التعسفية" ضد الفلسطينيين بالضفة، من بينهم محررو صفقة "وفاء الأحرار" والنواب في المجلس التشريعي.
بدائل
آذان فصائل المقاومة في غزة كانت صاغية لتوصيات المراقبين السياسيين حين حثّوا على ضرورة المباشرة بإصدار بيان شجب وإدانة للحادث، لكنه اتضح أن الإدانة وحدها لا تكفي، والشاهد أن ردّة الفعل المصرية كانت قاسية ضد غزة رغم أن التهمة لم تثبت عليها، وإن كانت الإجراءات التي اتخذتها القاهرة اعتيادية، يسلكها أي نظام أمني عند حدوث أي طارئ.
وهنا يقول المحلل السياسي الدكتور هاني البسوس لـ "الرسالة" إن على الفصائل البحث عن بدائل لتأجيل المفاوضات غير المباشرة، ذكر منها ما صرّح به القيادي في حركة حماس يحيى موسى، أن تتولى السلطة الفلسطينية المفاوضات مع الاحتلال كونها أعطيت الشرعية من النظام الإقليمي، لكن اختلاف المواقف بين حماس والسلطة ممثلة بحركة فتح، بشأن عدد من المطالب التي أفرزتها معركة "العصف المأكول"، يستثني ذلك من خيارات الأولى.
ويرى حبيب أن إغلاق السلطات المصرية معبر رفح "خطوة سلبية" من شأنها أن توحى للرأي العام بأن لغزة علاقة بالحادث، فضلا عن التأثير على العلاقة الفلسطينية-المصرية، مع الإشارة إلى أن من ضمن "سلة الثمار" التي جنتها حركة حماس من المعركة الأخيرة، كانت فتح صفحة جديدة مع القاهرة، بعد الحملة الإعلامية "الشعواء" ضدها، لعلاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، التي حُظرت في مصر.
أما المحلل السياسي مصطفى الصواف، فاعتقد أن تحميل غزة أخطاء القيادة المصرية وإخفاقها في معالجة المشكلة السيناوية "هروب من تحمل المسئولية الناتجة عن سوء الإدارة، واتباع الحل الامني كخيار وحيد".
ودعا الصواف، القيادة المصرية إلى ضرورة البحث عن "العدو الرئيس" الذي له مصلحة من الحادث، في إشارة إلى (إسرائيل). وقال: "العدو الحقيقي هي (إسرائيل)، التي تريد كسر هيبة الجيش المصري وإضعاف مصر، ويشاركها في ذلك الإدارة الامريكية".
ما يُجمع عليه المراقبون أن التهميش وانعدام التنمية في سيناء كانوا مغذيات لنمو الإرهاب في شبه الجزيرة، لكن الإرهاب طال مصر كلها ولم يتركز فقط على الحدود الشرقية لها مع قطاع غزة، بدليل العملية "الإرهابية" التي حدثت في تموز الماضي بصحراء مصر الغربية على الحدود مع ليبيا، وهي شبيهة لحادث سيناء الأخير.