قرابة 500 منزل جلها في منطقة الشجاعية

البيوت الآيلة للسقوط.. خطر الموت بانتظار الإزالة

(صورة من الأرشيف)
(صورة من الأرشيف)

غزة- شيماء مرزوق

بدت الحياة منعدمة في المنزل المتوشح بسواد النيران التي التهمته، لكن أصوات الطرقات المتعالية من جنباته وسط صمت الحي الذي قصفت فيه الحياة، وشظايا الحجارة المتطايرة مع كل طرقة، دفعت "الرسالة" للاقتراب أكثر وسؤال الشاب العشريني عما يفعله في المنزل المهدد بالسقوط في أي لحظة بفعل القصف الذي طال أجزاء كبيرة منه والنيران التي أتت على ما تبقى فيه.

"الإسكان أبلغتنا ان البيت آيل للسقوط وستتم ازالته وأنا احاول إخراج أي شيء نستفيد منه ولم أجد سوى البلاط والابواب"، كلمات الشاب محمد العجلة من حي الشجاعية لم تخل من نبرة خوف خشية انهيار المنزل أثناء وجوده فيه، خاصة بعد انهيار عدد من المنازل في الحي الذي تعرض لقصف عنيف خلال العدوان على غزة.

البيوت الآيلة للسقوط باتت مشكلة تؤرق الكثير من المواطنين خاصة وأن بعضهم يسكنها رغم علمه المسبق بأنها قد تنهار في أي لحظة، إلا أن أزمة الإيجار وارتفاع أسعاره الى جانب عدم قدرتهم على دفع هذه المبالغ أجبرتهم على البقاء في منازلهم التي لا تقيهم برد الشتاء ولا أمطاره.

وتقدر وزارة الاسكان والاشغال العامة عدد البيوت الآيلة للسقوط في قطاع غزة بفعل الحرب الأخيرة بحوالي 500 منزل أزيل منها حتى الآن قرابة 150 منزلاً، في حين ما زال 350 منزلاً في الانتظار.

معلقة في الهواء

انهيار عدة بيوت في القطاع اثنين منها في منطقة الشجاعية أسفر عن عدة اصابات خفيفة زاد من مخاوف أصحاب البيوت الآيلة للسقوط، فقد كادت أن تودي هذه الانهيارات الى كارثة لولا اخطار السكان بخطرها ومغادرتهم لها.

الرسالة تجولت في منطقة حي الشجاعية صاحب الحصة الأكبر من الدمار الذي طال قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة التي استمرت 51 يوماً، ويحوي بين جنباته وطرقاته عددا كبيرا من البيوت الآيلة للسقوط.

ويمكن للمواطن العادي أن يلحظ حجم خطورة هذه المنازل التي تبدو متهالكة تحت وقع القصف الذي طال معظم أعمدتها، ويتجنب عدد كبير من المواطنين المرور أسفل بعض البنايات التي بدت معلقة في الهواء على عدد قليل من الاعمدة فيما البقية بدت مبتورة.

الجهات الحكومية المختصة وعلى رأسها وزارة الاسكان تؤكد أن الاقتراب من هذه المنازل يشكل خطرا شديدا على الجيران أو حتى من يمرون بجانبها الا ان الخطر الأكبر يكمن في وجود بعض السكان يقطنون داخل هذه المنازل.

أثناء تجول الرسالة في شوارع الحي صادفت منزل "المناصرة" المكون من طابقين محترقا بالكامل وأتت القذائف على أجزاء كبيرة منه ورغم ذلك ملابس أطفال تتدلى من حبال الغسيل أمام باب المستودع أسفل المنزل.

الرسالة دخلت المستودع ولاحظت أن عددا من المواطنين يقطنون به رغم وجود العديد من الثغرات والشقوق في السقف والجدران ما يعني أنه لا يقي من برد ولا مطر، ورغم ذلك أصر الحاج أبو خالد المناصرة أن يبقى فيه برفقه نجله وزوجته وأطفالهم الأربعة بعد أن تقطعت بهم السبل ورفضوا أن يبقوا في المدارس بعد انتهاء الحرب.

"يشير الحاج السبعيني بعكازه إلى السقف المتشقق ويقول " كل ليلة أنام وأخشى أن يسقط سقف المنزل علينا لكن لا مكان آخر نأوي إليه وأسعار شقق الإيجار مرتفعة".

ويضيف "وزارة الاسكان ومؤسسة UNDP أبلغونا أن المنزل بحاجة لإزالة عاجلة ونحن بانتظار التنفيذ وطالما المنزل قائما سنبقى فيه وبعد ازالته سنبحث عن شقة رخيصة للإيجار وان لم نجد سنضع خيمة ونسكن بها".

ويختلط الجد بالهزل في حديث الحاج مع زوجة ابنه في التي لا يفارقها الخوف على أطفالها وتطالبه كل يوم "خلينا نطلع من البيت قبل ما يقع علينا " فيمازحها قائلاً " بس يوقع علينا بنتلاقى بالجنة شو بدك أحسن".

فصل يدوي

أكثر من 150 منزلا أزالتها وزارة الاسكان والاشغال العامة تفادياً للكارثة التي كان سيسببها انهيار هذه المنازل خاصة أن بعضها يتواجد بين عدد من المنازل المأهولة بالسكان ما يعني أن انهيارها يمكن أن يؤدي لأضرار بالغة واصابات.

الوكيل المساعد للشؤون الفنية في وزارة الأشغال سعيد عمار أكد أن عمليات الهدم تتم على ثلاث مراحل "المرحلة الأولى كانت أثناء الحرب بهدف إزالة الركام لاستخراج جثامين الشهداء والمواطنين من تحت الأنقاض، والثانية كانت فتح عشرات الشوارع المغلقة لتسهيل حركة المواطنين، والثالثة هدم البيوت الآيلة للسقوط والتي تشكل خطراً على المواطنين حيث حاولت الوزارة إزالة البيوت التي تشكل الخطر الأكبر.

ويوضح في حديث للرسالة أن هذه المهمة تتم بصورة بدائية للغاية عن طريق عمال يقومون بفصل يدوي لأركان المنزل والتعامل بشكل متتال مع طوابقه وهو ما يحمل مخاطر كبيرة على سلامتهم.

وتلجأ الوزارة لهذه الأساليب في الإزالة بسبب افتقاد قطاع غزة للآليات القادرة على إزالة المباني الآيلة للسقوط أو تقنيات التفجير الداخلي الحديثة بهذا المجال، بحسب عمار الذي لم يخل مكتبه من المراجعين الذين يقدمون شكاوى يومية ويطالبون الوزارة هدم منازلهم خشية انهيارها.

مؤسسة UNDP المسئولة عن عملية إزالة الركام تعتبر أن البيوت الآيلة للسقوط تشكل خطرا كبيرا وازالتها ستكون أول مرحلة في المشروع. 

المهندس عمران الخروبي مدير مشروع إزالة الركام في مؤسسة "UNDP" أكد أن البيوت الآيلة للسقوط ستكون بمثابة المرحلة الأولى من عملية ازالة الركام لما تمثله من خطورة على حياة المواطنين خاصة القريبين من هذه المنازل.

وشدد على أن بدء موسم المطر باكراً هذا العام يزيد من خطورة هذه المنازل ويجعل امكانية انهيارها أكبر بسبب الضغط الذي يمثله المطر الشديد، معتبراً أن هذه البيوت عبارة عن كتل من الخرسانة متشابكة ووجود المطر قد يؤدي الى خلل في هذا التشابك الى جانب أن تسلل المياه الى الاساسات قد يؤدي لانهيارها.

ولفت إلى أن وجود الامطار يزيد من خطورة الانهيارات كما ان المنخفضات والمطر الشديد يحول دون عمل الطواقم في الازالة ولذلك من المتوقع ان تأخذ العملية وقتا أطول.

وشدد على ضرورة إخلاء جميع المنازل الآيلة للسقوط لأنها تشكل خطورة بالغة وحتى لا يشكل وجودهم عائقا أمام عملية الازالة التي من المفترض أن تبدأ بها المؤسسة منتصف نوفمبر القادم.

وقال " الاساس في العمل ألا تتكفل الوزارة باي مصاريف تشغيلية ونحن سنغطي تكاليف عملية الازالة كاملة لكن بحكم أننا مؤسسة دولية فهناك اجراءات وشروط للسلامة تأخذ بعض الوقت والوزارات لا تحب الانتظار ولذلك تقوم الوزارة بالإزالة من حين لآخر".

ولفت إلى أن المشروع الاجمالي لإزالة ركام الحرب بما فيها البيوت الآيلة للسقوط يقدر بـ20 مليون دولار، موضحاً أن تكلفة ازالة المنزل ترتفع كلما زاد عدد الطوابق فيه، فالمنزل المكون من ثلاثة طوابق تكلفة إزالته عادية أما اذا كان مرتفع جداً مثل برج مجمع الايطالي فإن تكلفته ستكون عالية لأنه يتطلب حماية خاصة ومدة عمل أطول وامكانيات كبيرة من معدات وغيره وهي غير متوفرة حتى الان.

واعتبر الخروبي أن العمل سيسير في عملية الإزالة وفق الطرق التي تم ابتكارها لإزالة بعض المباني المدمرة أثناء حرب 2008 مثل الوزارات والمجلس التشريعي وذلك من خلال الونشات ووضع صناديق خاصة للتأقلم مع الظروف وحتى الان من غير المتوقع ان تدخل آليات جديدة وبالتالي فان العمل سيتم بالطرق القديمة والتي تستغرق وقت أطول لكنها تبقى آمنة.

الأيدي العاملة في القطاع المتعطشة للعمل بعد توقفه لسنوات، قادرة على ازالة هذه الكم الكبير من الركام واعادة تدويره واعمار القطاع بحسب المهندس نبيل أبو معيلق رئيس اتحاد المقاولين الذي أكد أن "UNDP" طرحت مناقصتين لإزالة البيوت الآيلة للسقوط والركام.

ولفت إلى أن UNDP هي الراعي لهذه المناقصات، معرباً عن عدم تفاؤله من سير عملية الاعمار التي قد تطول بسبب الاجراءات التي تحاول جهات دولية فرضها بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية والاحتلال (الإسرائيلي) ما يعني ان العملية ستسير ببطء شديد وقد تمتد الى سنوات.

ويتوقع نقيب المقاولين ان يجري العمل على ازالة هذه البيوت قريباً خاصة مع وجود عدد من السكان فيها الى جانب تواجد عدد كبير منها بين منازل مأهولة ما يشكل خطرا كبيرا عليهم.

وحول الامكانيات التي يحتاجها القطاع أكد أبو معيلق ان هناك حاجة كبيرة للمعدات خاصة الثقيلة لتحسين الاداء والسرعة في ازالة هذه البيوت وهناك وعود من الجانب (الإسرائيلي) بإدخالها.

خيمة في انتظار الهدم

وضع خيمته مقابل منزله الكبير المكون من خمسة طوابق رصت فوق بعضها وبقيت معلقة في الهواء بينما وقفت الجهة الخلفية للمنزل شاهدة على حجم الجريمة التي تعرضت لها عائلة شمالي بعدما قصف منزلهم بالطائرات الحربية واستشهد خمسة من أفراد عائلتهم.

الحاج أبو إبراهيم شمالي ينتظر إزالة منزله ليضع خيمة كبيرة مكانه تأويه وعائلته المكونة من خمسين فرداً معظمهم تشردوا ما بين المدارس والأقارب.

وفي الوقت الذي يتساءل فيه الحاج شمالي عن دور المسئولين في حماية أفراد عائلته وتوفير بديل لهم رد الوكيل المساعد في وزارة الاسكان عمار بين أنه حتى الآن لم تتم عمليات الإزالة الشاملة للمباني بسبب ارتباط عملية الإعمار باتفاقات مؤسسات دولية مثل "UNDP" التي تعمل على التراخي في العمل بسبب الاجراءات الخاصة بهم.

وأشار إلى عدم توفر المعدات اللازمة، والسولار المطلوب للتشغيل والذي يقدر بـ800-1000 لتر يومياً، إلى جانب الصيانة اليومية للمعدات الثقيلة غير المتوفرة بسبب حالة الاختلاف السياسي ما أدى لتهميش وزارات غزة، وعدم دفع حكومة التوافق أي موازنات تشغيلية للوزارة حتى الآن تساعدها على تقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين.

واعتبر ان الوزارة لا يمكنها الانتظار أمام حاجة الناس وشكواهم، خاصة فيما يتعلق بالبيوت التي تشكل خطرا شديدا والتي تجري الوزارة عملية الازالة لها حتى ولو راكمت الديون عليها.

ولفت إلى أن بعض البيوت الموجودة في مناطق سكنية وحيوية تشكل خطورة بالغة وتحاول الوزارة ازالتها باقل الامكانيات، معتبراً أن وزارته تواجه بعض الاشكاليات مع السكان الذين يرفضون اخلاء منازلهم ويرفضون ازالة البيوت الآيلة للسقوط بالقرب منهم لأنها تسبب لديهم اضرارا ما دفع الوزارة لإصلاحها على حسابها.

وحول وجود بعض السكان في البيوت الآيلة للسقوط أكد ان وزارته ابلغت جميع سكان هذه البيوت بضرورة اخلائها لخطورتها ومن رفض الاخلاء وقع على تعهد بانه المسئول عن اي خطر قد يلحق به وبأسرته.

ودعا عمار حكومة التوافق الوطني للتدخل السريع والعاجل لحل هذه الكارثة والكف عن التلكؤ والمناكفات وتحمل مسؤولياتها تجاه قطاع غزة.

وتعهدت الدول المانحة الأحد الماضي بجمع مبلغ 5.4 مليار دولار لصالح الفلسطينيين على أن يخصص نصفها لإعادة إعمار قطاع غزة تحت إشراف ورقابة مؤسسات الأمم المتحدة.

الدراسة تحت الركام

لم تجد أم محمد العجلة بداً من العودة الى منزلها الذي لم يتبق منه سوى غرفة وجزء من الصالة في حي الشجاعية، بسبب اطفالها الذين يدرسون في مدارس المنطقة بعد رفض اجراءات نقلهم، فهي تغادر البيت المهدد بالسقوط في اي لحظة ليلاً وتنام في احدى المدارس وتتوجه مع ابنائها صباحاً لتوصلهم الى مدارسهم وتجلس منتظرة في البيت القريب من المدرسة لتقضي النهار معهم.

أم محمد تقول انها لا تتمكن من تدريس ابنائها المتفوقين أثناء تواجدهم في المدرسة بسبب كثرة النازحين وعدم توفر اجواء الهدوء ما أثر على تحصيلهم الدراسي.

حرص الام على تفوق ابنائها يدفعها للمغامرة بالمكوث طوال ساعات النهار في البيت الذي احتقرت اجزاء كبيرة منه نظرا لتوفر الهدوء الذي يمكنها من مراجعة دروس اطفالها وتدريسهم باستمرار.

وحول مخاطر هذه المنازل بين الخروبي ان انهيار المنزل قد يهدد حياة الناس ومشكلة للبيوت المجاورة خاصة اذا ما كان هناك متفجرات اسفل المنزل والتي قد تنفجر في اي لحظة، مؤكداً أنه أثناء إزالة هذه المنازل سيتم اخلاء المنطقة المجاورة بالكامل لعدة أيام.

واعتبر انه لا يوجد تأخر في عملية الازالة لان عملية حصر الاضرار لم تنته بعد، وهذا ما يسبب التأخير وهناك بعض الحالات الطارئة تقوم الوزارة بإنزالها فقط وترك الازالة لحين ازالة الركام وهذه غالباً تكون غير مكلفة لكنها تزيل الخطر عن الناس.

وبين ان فحص الاضرار في مراحله الاخيرة ومن ثم ستبدأ المؤسسة الالتقاء بالمواطنين بشكل شخصي والتوقيع على تعهد للسماح لفريق المتفجرات الدولي الذي وصل القطاع من الخارج بأن يفحص المنزل الى جانب تدريب بعض فرق الوزارات والمقاولين لهذا العمل.

وعن أبرز الصعوبات التي قد تواجههم اثناء الازالة أكد الخروبي أن المتفجرات تبقى الخطر الأكبر خاصة أن حجم الدمار في هذه الحرب هو الأكبر وكم المتفجرات التي ألقيت هائل.

وتوقع وجود آلاف المتفجرات أسفل هذه المنازل، لافتاً إلى أن جل البيوت الآيلة للسقوط تتركز في منطقة الشجاعية الى جانب مناطق متفرقة من القطاع.

عملية ازالة البيوت ذات الطوابق القليلة لا تشكل إشكالية لدى المقاولين إلا أن ازالة المباني الضخمة مثل برج الايطالي يبقى هو الاشكالية في ظل عدم وجود المعدات اللازمة وهنا اعتبر نقيب المقاولين أبو معيلق ان المشكلة الاساسية أن المقاول الذي سيعمل على ازالة البرج سيستخدم الدرج والمصاعد التي ما تزال قائمة في صعود العمال لأعلى طبقة وازالة طابق تلو الاخر وستجري الازالة يدويا.

وأوضح أبو معيلق أن الاتحاد شريك أساس مع وزارة الاشغال و UNDPوهناك فرق عمل ثلاثية تعمل بشكل مشترك للإسراع في عملية الازالة.

وأكد أن قطاع غزة بحاجة لخمسة ملايين طن من مواد الاعمار، لم يدخل منها الا جزء لا يذكر، مشيراً إلى وجود عدد كبير من الايدي العاملة المهرة في القطاع والمقاولين متعطشين للعمل وهم ذوو خبرات وقادرون على انجاز كل العمل من الازالة للبيوت والركام واعادة اعمار وفي حال الحاجة لأيد عاملة أخرى فمن السهولة جلبها من الخارج.

ويبقى أصحاب المنازل الآيلة للسقوط وجيرانهم تحت خطر انهيارها الى حين تنفيذ الوعود بهدمها، ورغم الحديث عن محاولات تسريع العملية الا ان مضي أكثر من شهرين على انتهاء الحرب وبقاء المئات من هذه البيوت على حالها يشكل تهديدا كبيرا على حياة المواطنين خاصة في الاماكن المكتظة بالسكان.

البث المباشر