ليسوا حملة سيوفٍ ليجزّوا الرقاب، ولم يسمح لهم بامتلاك سلاحِ رشاشٍ ليدافعوا عن شرف التراب، فما باستطاعتهم سوى "الدعس" على وقود السيارات، ومباغتة جنودٍ ومستوطنين يعكرون صفو حياتهم، والشعب الفلسطيني من خلفهم يردد " يا فلسطيني دوس دوس .. الله يبعتلك عروس".
سياراتُ المقدسيين وُجِدت لمآرب أخرى، فلم تكتفِ بالتنقل بين الشوارع، بل كان أهم أهدافها ما ردده بعض المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي " ادعس وافعص تل أبيب".
ومن التغريدات التي لاقت قبولًا على التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، قول أحدهم "للإسرائيليين"، " إن كانت صواريخ غزة تأتيكم من السماء، فصواريخ القدس تأتيكم من الأرض على هيئة سيارات". وتابع تغريدته بتوجيه نصيحة للاحتلال بقوله "ابحثوا عن صافرات انذار وقبة حديدية للسيارات".
انتفاضة الدعس
انتفاضة فلسطينية ثالثة قد تسمى "انتفاضة السيارات"، وقد يخرج تنظيمًا فلسطينيًا يحمل اسم "داعس"، أما عن الانتفاضة فقد شرعت تأخذ دورها يوم الأربعاء من كل أسبوع، فقد بدأت عمليات "الدعس" من مسافة صفر، على "دعاسة" الشهيد عبد الرحمن الشلودي، يوم الأربعاء، الثاني والعشرين من أكتوبر، لعام 2014.
وكان الشلودي قد تعرض لإطلاق نار بالثاني والعشرين من (أكتوبر/ تشرين الأول)، أطلقه عليه حراس القطار الخفيف بمدينة القدس المحتلة، في أعقاب عملية دهس أدت إلى مقتل "إسرائيليتين" إحداهما توفيت متأثرة بجراحها، وإصابة 8 آخرين بجراح مختلفة.
لم يكن الشلودي الوحيد الذي أعلن انتفاضة في القدس، فقد تبعه بعد أسبوع وبذات اليوم –الأربعاء-، بتاريخ (29/10)، عملية للشهيد معتز حجازي، حيث مسّد أنامله على سلاحه –المسدس-، وضغط على زناده موجهًا حممه في صدر الحاخام الصهيوني المتطرف يهودا غليك.
بمساعدة دراجة
عملية حجازي كانت على دراجة نارية، بعدما أطلق على غليك عياره الناري، لاذ بالفرار متوجهًا لبيته، لكن قوات الاحتلال اشتبكت معه في منزله بحي الثوري ببلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى المبارك، مما أدى الى استشهاده.
والأسير المحرر معتز حجازي قضى 11 عاما ونصف في الأسر، منها 10 أعوام في العزل الانفرادي، بتهمة المشاركة في فعاليات انتفاضة الأقصى، وحكم بالسجن 6 سنوات، وفي عام 2004 اعتدى على سجانه وأصابه حيث حكم عليه لمدة 4 سنوات إضافية، وتحرر من أسره بالخامس من (يونيو/ حزيران) لعام 2012.
بـ"زناد" البنزين
الأمر لم ينتهِ عند هذا الحد، فالمقدسيين ما زالوا يفكرون بطرقٍ ابداعية للهجوم على "الإسرائيليين" والانتقام منهم، وذات اليوم –الأربعاء- له نصيب أن ينال شرف "دعس" مستوطنين بسيارة الشهيد ابراهيم عكاري.
ففي الخامس من (نوفمبر/ تشرين الثاني)، ضغط الشهيد ابراهيم العكاري على "زناد" بنزين سيارته التجارية، ووجّه مقودها على مجموعة من الجنود ورجال الأمن "الإسرائيليين"، معلنًا بذلك انتفاضة تصدح في أرجاء فلسطين.
وعن تفاصيل عملية العكاري، فقد استقل سيارته متوكلًا على ربه أن يرزقه أرواحًا من "الإسرائيليين"، في حي الشيخ جراح بالقدس، وضغط على "دعاسة" البنزين، موجهًا أنظار سيارته على من اغتصبوا الأرض والعرض، وأدى ذلك لمصرع "إسرائيليين" أحدهما ضابط في شرطة الاحتلال، بالإضافة إلى إصابة 13 "إسرائيليًا" وصفت جراح 3 منهم بالخطرة، ومن بينهم جنود في قوات الاحتلال.
العجيب بالأمر أن الشهيد العكاري لم يكتفِ بدعس مجموعة واحدة، بل حوّل مقود السيارة باتجاهٍ آخر لتفترس مركبته مجموعة أخرى، وبعدما توقفت عن السير، خرج من عربته وبيده قضيب حديدي، يضرب من يجده أمامه من المستوطنين، حتى أطلق الاحتلال عليه النار فاستشهد على الفور.
غيرة بالضفة
ويبدو أن الغيرة أخذت مجراها لدى الضفة المحتلة، فقد نفذ مجهول عملية "دهس" قرب مخيم العروب في الخليل جنوب الضفة المحتلة، أصيب على اثرها 3 "إسرائيليين" كانوا بالقرب من نقطة حراسة، فيما تابع السائق الفلسطيني سيره.
وبعدها بساعات قالت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية إن الشرطة "الاسرائيلية" اشتبهت بفلسطيني يحمل حقيبة في إحدى الحافلات على ساحل (بات يام) في مدينة تل أبيب، معتقدة أنه استشهادي ينوي تفجير نفسه.
ومن بعد هذه العمليات المتتالية، رفعت "إسرائيل" صوتها، وأقنعت نفسها، ثم أعلنت على لسان ديفيد بيرل رئيس المجلس الاقليمي "غوش عتصيون" أن الانتفاضة الثالثة بدأت تشق طريقها.
عمليات الاعتقال والإجراءات الأمنية المشددة بالقدس والضفة المحتلة، لم يمنع أهلها من المقاومة، واشعال انتفاضة "الدعس".
لم يستطع أحد منع الفلسطينيين من تطوير أفكارهم، واختراع وسائل قتالية مقاومة للاحتلال، فكلما ضاقت واستحكمت حلقاتها عليهم وحوصروا، تُفْرج بفكرة تؤلم العدو، وتصيب منه في مقتل.