رفض مجلس النواب الليبي المنعقد بمدينة طبرق شرقي البلاد حكما من المحكمة العليا، أبطل الشرعية لصالح المؤتمر الوطني العام في طرابلس. وأثار الحكم ابتهاجا واسعا لمؤيدي الثورة، في حين دعا تكتل فدرالي إلى إعلان "دولة برقة" شرقي ليبيا.
وقال مجلس النواب المنحل في بيان، إنه يرفض الحكم الصادر اليوم الخميس من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، معتبرا أنه "صدر تحت تهديد السلاح"، باعتبار أن طرابلس تخضع لما سماها "مليشيات" خارج سيطرة الدولة، في إشارة إلى القوات التابعة لرئاسة الأركان وقوات "فجر ليبيا".
وأضاف البيان أن المجلس والحكومة المنبثقة عنه برئاسة عبد الله الثني سيستمران في عملهما. وكان المؤتمر الوطني قد شكل في سبتمبر/أيلول الماضي حكومة إنقاذ وطني برئاسة عمر الحاسي، وهي مدعومة من الثوار.
وجاء البيان بعد ساعات من حكم المحكمة العليا -غير القابل للنقض- بقبول طعون تقدم بها نواب ومحامون في صحة انعقاد مجلس النواب -الذي تم انتخابه في يونيو/حزيران الماضي- وفي كل ما اتخذه من إجراءات وقرارات، بما فيها تشكيل حكومة الثني في سبتمبر/أيلول الماضي.
وصدر الحكم عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، إثر جلسة بثت على الهواء وعقدت في طرابلس في ظل إجراءات أمن مشددة.
وبالتزامن تقريبا مع بيان مجلس النواب، أعلن التكتل الاتحادي الوطني -وهو تجمع فدرالي- عن قيام ما سماها "دولة برقة"، وطالب نواب المناطق الشرقية في مجلس النواب بالانضمام إليه.
واعتبر في بيان أن قرار المحكمة العليا جاء تحت تهديد السلاح، وأنه "هدم آخر أواصر العلاقات السياسية والإدارية بين أقاليم ليبيا"، في إشارة إلى التقسيم الإداري الفدرالي الذي كان قائما في ليبيا حتى مطلع ستينيات القرن الماضي.
من جهتها، قالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برئاسة الدبلوماسي الإسباني برناردينو ليون، إنها "أخذت علما" بقرار المحكمة العليا الليبية، وهي بصدد دراسته. وأضافت أنها بصدد إجراء مشاورات مع مختلف الأطراف الليبية ومع شركائها من المجتمع الدولي بشأن هذا التطور.
وفي طرابلس، قال رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين، إن الحكم الصادر بإبطال انتخابات يونيو/حزيران الماضي وما انبثق عنها من مؤسسات وقرارات، يجب أن يُستخدم لفتح حوار وطني، وأضاف في مقابلة تلفزيونية أن المؤتمر يدعو للحوار.
وجاء في الحكم أن القانون المنظم للانتخابات البرلمانية الماضية الذي أعدته ما تعرف بـ"لجنة فبراير" في المؤتمر الوطني ملغى، وهو ما يعني حل مجلس النواب الحالي، وكل ما ترتب على هذا المجلس من قرارات تشمل تشكيل حكومة الثني، والإعلان عن انتخابات رئاسية.
يشار إلى أن مجلس النواب وحكومة الثني كانا معترفا بهما رسميا في الخارج. لكنهما واجها معارضة شديدة من الأطراف الليبية المحسوبة على ثورة 17 فبراير/شباط 2011، والتي كانت ترى في قرارات المجلس -بما فيها دعم ما يسمى "عملية الكرامة" التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي- انقلابا على الثورة.
وضع جديد
ونقل مراسل الجزيرة محمود عبد الواحد عن صالح المخزوم -النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني-، أن المؤتمر استأنف نشاطه، وسيستمر إلى أن يصدر الدستور -المتوقع صدوره في 24 ديسمبر/كانون الأول القادم- وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، لكنه أكد في المقابل أن هذا لا يعني عدم تحديد تاريخ لانتهاء ولايته.
وأفاد المراسل، بأن مظاهرات حاشدة خرجت في ميدان الشهداء بطرابلس ترحيبا بقرار المحكمة العليا.
كما تظاهر الآلاف في مدن مصراتة والزاوية وغريان وزوارة وفي مدن أخرى بالجبل الغربي (جبل نفوسة) ابتهاجا بالحكم.
وكانت أولى ردود الفعل صدرت عن النائب الثاني لرئيس المؤتمر الوطني، الذي قال إن الحكم انتصار للوطن وليس لطرف على حساب آخر، مؤكدا أن كل ما صدر من قرارات وإجراءات عن مجلس النواب -الملغى بحكم القانون- "صارت في حكم المعدومة".
من جهته، قال الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني عمر حميدان، إن المؤتمر هو صاحب القرار والشرعية، مضيفا أنه سيسعى إلى حلول سياسية للوضع الراهن بما فيها دعم حكومة الإنقاذ برئاسة عمر الحاسي.
وفي اتصال مع الجزيرة، قال أستاذ العلوم السياسية الليبي عبد الحميد النعمي، إن حكم المحكمة العليا يعرّي مجلس النواب المنعقد في طبرق من كل غطاء قانوني، بما في ذلك الاعتراف الدولي به.
وكان المجلس والحكومة تعرضا لاتهامات بالخيانة من قبل القوى الداعمة لثورة فبراير لدعوته للتدخل الأجنبي في ليبيا، وأشارت تلك القوى إلى دعم عسكري مباشر من مصر والإمارات لحكومة الثني.