كلما وقعت حادثة في فلسطين، ألقى أحد قيادات فتح تصريحًا مثقلًا بالاتهامات. مُزخرفًا الأحداث وفق رأيه لا ما تحاكيه الوقائع على الساحة. ونافيًا بالوقت ذاته أي تصريحٍ يختلف مع أهوائه. وآخرها ما تحدث به رئيس السلطة محمود عباس حول اتهاماته لحركة حماس.
" خطف مستوطنين.. تفجيرات غزة.. تدمير المصالحة". هي النقاط الأساسية التي اتّهم بها عباس، حركة حماس، خلال خطابه في رام الله بالضفة المحتلة أثناء احتفال إحياء الذكرى العاشرة لوفاة الراحل ياسر عرفات.
حماس وعلى لسان عضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، أدانت تسرع فتح في اتهامها بالوقوف وراء التفجيرات التي استهدفت منازل قيادات فتحاوية في قطاع غزة، داعية إلى وقف التحريض الإعلامي.
اتهامات فتح لحماس، ليست وليدة اللحظة، فكلما "دق الكوز بالجرة"، وانتصبت الكاميرا أمام المسؤول، يبدأ بسرد أحداثٍ نصفها من نسج الخيال، ليحنِنَ قلب جماهيره عليه، ولتزداد شعبيته في وسطه الدولي بشكل عام، و"الإسرائيلي" خصوصًا.
في الثاني عشر من يونيو/ حزيران لعام 2014، اختفى ثلاثة مستوطنين "إسرائيليين" جنوب الضفة المحتلة، وسارع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو باتهام حركة حماس بالمسؤولية عن خطفهم. لكن الغريب بالأمر هو توجيه اتهام من رئيس السلطة محمود عباس لحماس دون أي أدلة.
ساعات فصلت بين اتهامات نتنياهو وعباس، ولكنّ حماس باركت العملية، دون ذكر أي تفاصيل حول تبنيها، وبعد أشهرٍ على ذلك، والأخيرة ما زالت متشبثة برأيها حول المستوطنين الثلاثة، إلا أنّ رئيس السلطة وجد أمامه فرصة لنبش الماضي، وتجديد تصريحاتٍ عفا عليها الزمن، فهاجم حماس من جديد.
عباس يجدد الاتهامات حول تبني حماس لخطف المستوطنين الثلاثة بالضفة، واضعًا عقباته اتجاه عجلة المصالحة، وممسكًا بتلابيب كل ما يشوّه صورة حماس، إن كان ذلك صحيحًا أو خاطئًا. فلا يهم سوى التشويه.
فجر السابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وقعت تفجيرات في منازل لقيادات من حركة فتح، اعتبرتها حماس أمرًا خارجًا عن القانون، وتصفيات بين التيارين "الدحلاني. والعباسي". لكنّ رئيس السلطة يقذف حماس، ويتهمها بالوقوف وراء التفجيرات، رافضًا نتائج التحقيق التي توصلت اليها أجهزة الأمن الفلسطينية بغزة.
خمسة عشر بيتًا هي عدد المنازل التي استهدفتها التفجيرات، وكردٍ أولي أدانت حماس الحادث "الإجرامي"، داعية للشروع بالتحقيقات، وملاحقة المتورطين وتقديمهم للعدالة.
أبو مرزوق، وخلال اجتماع مع ممثلي الفصائل ومؤسسات المجتمع المدني في غزة السبت الماضي، اعتبر أن التفجيرات كانت تهدف إلى ضرب المصالحة ومنع حكومة التوافق من بسط مسؤولياتها على غزة.
من جديد يحظى عباس بأضواء الكاميرات تقف أمامه في حشدٍ برام الله يحتفل بمرور عقد من الزمان على وفاة الراحل عرفات، ويشن اتهاماته من جديد اتجاه حماس، مؤكدًا.. ومشددًا.. ومهددًا.. أنّ الأخيرة هي من تقف وراء التفجيرات. ثم قال "لا أريد منهم نتائج تحقيقات لأنهم هم المسؤولون عنها".
وأضاف عباس، أن "حماس تتحمل المسؤولية الكاملة على الجريمة التي ارتكبت في غزة، مهددًا بتعطيل إعادة إعمار ما خلفته الحرب على القطاع.
حماس نفت. ثم استنكرت خطاب عباس في هذه المناسبة، معتبرة ذلك "خطابًا فئويا حزبيا توتيريا وغير مسؤول، وفيه تهرُّب واضح من مسؤولياته اتجاه غزة وحصارها ومعاناتها، وإفشاله للمصالحة".
وقالت حماس على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم "عباس يبرر تعطيله للإعمار بفتح جبهة مواجهة وافتعال أزمة مع حماس، لا تخدم سوى العدو الإسرائيلي"، مؤكدةً أن ما حصل من تفجيرات أخيرة في غزة هو امتداد للخلافات داخل حركة فتح ولا علاقة لحماس بها.
وفي سياق متصل، علّق مشير المصري القيادي في الحركة على تصريحات عباس التي اتهم فيها حماس بتفجيرات غزة، قائلا "خطاب الرئيس احتوى على كثير من المغالطات، ولو كان عرفات حيا لما قبل ما قاله عباس".
وأضاف المصري "عباس وصف نتنياهو بالسيد وحماس بالقتلة، والشمس لا تغطى بغربال وقريبا ستظهر حقيقة من وراء التفجيرات (..) بعد إصرار عباس على النهج التحريضي أقول إن فلسطين ينقصها رئيس شجاع".
إلى حيث المجهول تدور رحى المشاحنات بين التيارين، فالأوّل يتهم، والآخر ينفي الاتهام، وأهالي المنازل المدمرة، يضعون أكفهم تحت ذقونهم، منتظرين نهاية التراشق الاعلامي بين الطرفين، وإنهاء ملف الإعمار.. دون وضعه "شمّاعة" خلافاتهم.