ملفات ساخنة تثقل حقيبة حركة حماس في عمرها السابع والعشرين، وتغادر عاما يمكن وصفه بالأصعب، الذي يمر عليها منذ تأسيسها عام 1987.
27 عاما فترة قصيرة في عمر حركات التحرر، لكنها كانت كافية بالنسبة لحماس كي تحمل في زمن قياسي أعباء أكثر مما تحتمل، فالعبْء الكبير والتركة الثقيلة التي خلّفتها ملفات بارزة على الساحة الفلسطينية، أهمها المصالحة وتداعيات العدوان، التي تمثل أزمة حقيقية أمام حماس اليوم، لكونها عاملا مثبطا يستنزف قدراتها.
تصريح إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحماس مع بداية هذا العام، الذي قال فيه إنه سيكون عام المصالحة، عكس الى حد كبير الاستراتيجية التي عملت عليها الحركة منذ بداية العام المنصرم، والتي جاءت بعد انحسار أوراق القوة، وتضييق مساحات المناورة أمامها، حيث برزت الأزمة بعد سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، وما تبعه من حملات تشويه ومحاولات إقصاء، بل والقضاء عليها.
اقتنصت الفرصة
بقيت حماس تناور وتلعب على وتر المصالحة، التي لا تلقى ترحيبا حقيقيا لدى رئيس السلطة وحركة فتح محمود عباس، حتى تسنت للحركة فرصة تعثر جولة المفاوضات الاخيرة بين السلطة و(إسرائيل) وانسداد الافق مجدداً أمام مسار التسوية، التي اقتنصتها حماس وقدمت ما لم يتوقعه أبو مازن ولا فتح لإنجاح المصالحة، وذلك ما تم في اتفاق الشاطئ بشهر أبريل الماضي.
ورغم التفاؤل الحذر الذي ساد أجواء المصالحة الأخيرة، خاصة عقب تشكيل حكومة التوافق، سرعان ما برزت الخلافات مع أول أسبوع مر على ذلك، عندما رفضت صرف رواتب موظفي غزة.
أزمة الرواتب وتنصل حكومة التوافق من أداء واجبها اتجاه غزة وضع حماس أمام معضلة حقيقية، فقد عاد القطاع المحاصر مجددا الى حالة الجمود التي عانى منها في الأعوام الاخيرة، ووضعت حماس أمام خيارات صعبة، بين الإمساك بزمام الأمور في غزة أو تركها للفوضى والفراغ الأمني والسياسي، لكن الحركة اختارت أن تمسك العصا من وسطها، فلم تترك القطاع ضحية الفراغ وبقيت بعيدة عن المشهد الحكومي، وأصرت على أن تأخذ حكومة التوافق دورها.
في الأثناء كان واضح للعيان أن الحرب تلوح في الافق وان طبولها بدأت تقرع في كل من غزة و(إسرائيل).
قرابة شهرين من العدوان الشرس على غزة شكّل مفاجأة كبيرة للاحتلال الذي تلقى ضربات قاسية، ولبعض دول المحيط الإقليمي، التي كانت تعتقد أن (إسرائيل) ستقضي على حماس المنهكة من الحصار المشدد عليها.
وضعت الحرب أوزارها نهاية شهر أغسطس الماضي لكن رحاها بقيت تدور على أصعدة أخرى، وبدا وكأن الاحتلال وأطرافا دولية واقليمية تريد معاقبة حماس على صمودها وانتصارها العسكري، بتحميلها تبعات الوضع الفلسطيني بعد الحرب وأهمها اعادة الاعمار الذي تتعمد الاطراف ذاتها تعطيله.
عامل الوقت
هذه الملفات الثقيلة ستحملها حماس الى سنة 2015 التي تبدو حبلى بالكثير من الأحداث والمستجدات، خاصة على صعيد ملف المصالحة الذي تتبع الحركة سياسة الاسفنجة في التعامل معه، وتمتص بقدر المستطاع الصدمات والاختلافات، فهي لا ترغب أن تكون الجهة التي تفشلها وتحسم الملف سياسيا.
ليس سرا أن حماس عاشت أزمة كبيرة العاميين الماضيين، ما دفعها لتقديم تنازلات لم يكن يتوقعها أكثر المتفائلين لتمرير المصالحة، لكن خصم حماس السياسي، أبو مازن، الذي يحاول تركيعها باعتبارها الطرف المأزوم يعاني في المقابل أزمات متعددة تفوق ما تعانيه الاخيرة.
ورغم كل محاولات الانكار إلا أن الشهرين الأخيرين حملا سلسلة من الأحداث كشفت عن عمق الأزمة الداخلية والسياسية التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني الهش، الذي تشير التوقعات إلى أن العام المقبل سيحمل تغييرات جذرية على هذا الصعيد، ما قد يحدث انفراجًا أو تحركا في المياه الراكدة محليا على أكثر من صعيد.
بهذه الأزمات والأعباء تنتقل حماس للعام الجديد، لكنها تحمل في المقابل أوراق قوة وضغط، خاصة على صعيد نتائج الحرب الذي تسعى الحركة لاستثمارها سياسياً باعتبارها علامة فارقة في مسيرتها، وتسعى لتحصيل أكبر عدد من النقاط، وبرز هذا حديثا من خلال الفيديوهات التي نشرها المكتب الاعلامي للجناح العسكري لحماس كتائب القسام لعدة عمليات نوعية نفذها خلال الحرب.
ورغم التعتيم المتعمد على ما سمّته حماس "الصندوق الاسود" والمتمثل بقضية الأسرى (الإسرائيليين) لديها، فإنه من المتوقع أن يكون هذا الملف أبرز ملامح العام 2015.
وتشكل حالة الصمت من الطرفين حول الملف ضغطا حقيقيا، فـ(إسرائيل) تراهن على الوقت على أمل أن تذهب حماس للمفاوضات غير المباشرة منهكة فتجبر على تخفيض سقف الثمن الذي ستطلبه مقابل الجنود.
وعلى أعتاب العام الجديد تلعب حماس على عامل الوقت الذي يبدو حاسماً هنا، فهي ترقب أي متغير اقليمي او دولي قد يشكل اختراقا تقتنص من خلاله فرصة لتمرير بعض الملفات المهمة.
بالتوازي تعمل حماس على كل الملفات المتشابكة والمترابطة ببعضها، فتبدو المتغيرات الاقليمية في الوقت الحالي من أكثر العوامل المؤثرة في الوضع الداخلي الفلسطيني، لذا من المتوقع ان تمارس حماس دبلوماسية الترميم، لمحاولة إصلاح شبكة علاقاتها والخروج من الضغوط الممارسة عليها.
وتبقى الورقة الرابحة والضاغطة في يد حماس التي صدت محاولات القضاء عليها وجعلت الكثيرين يعيدون التفكير في التعامل معها، خاصة عقب الحرب الأخيرة، التي أثبتت خلالها انها رقم صعب لا يمكن تجاوزه، هي المقاومة.