على هامش السجال الدائر حول التحرك الفلسطيني نحو المجتمع الدولي من أجل وضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال، تلوّح قيادات (إسرائيلية) إلى ضرورة التوصل لتسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية بعد توقف المفاوضات منذ فترة طويلة.
التلويح هذه المرة جاء على لسان وزير الخارجية (الإسرائيلي) أفيغدور ليبرمان، الذي حذر من حدوث "تسونامي سياسي" إذا ما استمرت حالة الجمود في عملية التسوية، داعيا إلى التوصل لتسوية إقليمية بمشاركة من سمّاهم "المعتدلين العرب".
وكانت الولايات المتحدة قد قررت في أغسطس الماضي وقف مساعي استئناف المفاوضات واجراء إعادة تقويم للمسيرة السياسية، بعد فشل المباحثات بين طرفي التفاوض، والتي استمرت تسعة أشهر بعد توقف دام أكثر من ثلاث سنوات.
ليس من حقها
الاحتلال يعتبر أن السلطة ليس من حقها امتلاك سياسة مستقلة فعالة تقود مع مرور الوقت إلى بناء علاقات طيبة مع المجتمع الدولي، وأن الأَوْلى بها تجنُّب طرح أي مسألة متعلقة بعلاقتها مع (إسرائيل) ومستقبلهما خارج سياق المفاوضات.
لذا فإن تحرك قيادة السلطة في المحافل دولية من وجهة نظر (إسرائيل)، سلوك يدور خارج فضاء الإطار الأساسي، الذي يحدد مبررات وأهداف وجود السلطة، أما الأخيرة فترى أن الإطار المرجعي الأساسي لعلاقتها السياسية بـ (إسرائيل)، يجب أن يستند إلى الالتزام بمسألة إنهاء الاحتلال حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، كمحصلة لعملية التسوية برمتها.
في ظل معطيات هذه البيئة التفاوضية المسدودة، يرى المحلل السياسي حاتم أبو زايدة أن ما يلوح به ليبرمان من ضرورة التوصل لتسوية مع الفلسطينيين، يدخل في إطار أسباب انتخابية بحتة لا أكثر.
ويرى ليبرمان أن سياسية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعتمد على الجمود والحفاظ على الوضع القائم، الذي من المتوقع أن يؤدي -من وجهة نظره-إلى فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على (إسرائيل).
وعليه، يسعى من خلال دعواته الأخيرة إلى أن يكون جزءا من الحكومة (الإسرائيلية) المقبلة، بمحاولته فتح الباب للشراكة في الحكومة، التي قد تشكّل من الوسط واليسار، تحت لافتة العودة إلى المفاوضات، وكسر العزلة عن الاحتلال، ومقاومة نزع الشرعية عن أي خطوة فلسطينية في المحافل الدولية.
عزلة وتهديد
على ضوء هذه المعطيات وبحسب أبو زايدة، لا يوجد في الوقت الراهن أي اتفاق واضح داخل أطياف الخارطة السياسية (الإسرائيلية) حول مستقبل عملية التسوية، لكنه في المقابل فإن الرؤية (الإسرائيلية) اتجاه العلاقة مع السلطة تتحد في سياق توظيف خدماتها لحساب الاحتلال، تحت إطار مسميات الحدود المؤقتة، والاتفاقيات الأمنية بين الطرفين.
ذلك يقودنا إلى استنتاج أن الحكومة (الإسرائيلية) الحالية -الأكثر تطرفا ويمينا في تاريخ حكومات الاحتلال-لن تتعامل في الفترة المقبلة بجدية مع ملف المفاوضات، على اعتبار أن مشروع التسوية مع الجانب الفلسطيني انتهى.
والواضح أيضا أن السلوك (الإسرائيلي) اتجاه السلطة منذ نشأتها يتراوح بين محاولة عزلها أو التهديد بتفكيكها في أكثر من مناسبة، ليس آخرها تلك المتعلقة بالتوجه الفلسطيني إلى مؤسسات المجتمع الدَّولي.
السلطة لا تزال تسير على نفس سياستها الاستراتيجية المتبعة والقائمة على الانتظار لما ستؤول إليه التطورات في المنطقة، إلى جانب تعويلها على الشرعية الدولية، والتحرك ضمن السياق الاقليمي والدولي.
هذا النهج، وفق المحلل السياسي أبو زايدة، يأتي في سياق الحفاظ على أدوات اللعبة مع الاحتلال كما كانت عليه خلال الأعوام العشرين الماضية، لاسيما أنها لا تملك البديل، وتواصل اعتمادها الكلي على المال الغربي، الذي يبقيها في دائرة السمع والطاعة.
كما أن السلطة، ورغم حراكها الدولي، لا تزال عينها على العودة للمفاوضات، لسبب انه خيارها الوحيد للحفاظ على وجودها وبقائها، في المقابل فإن الاحتلال لا يفكر في تسوية حقيقة مع الجانب الفلسطيني لن تقبل شروطه، بدليل أن رفض المقترح البديل لمشروع القرار الفلسطيني الذي قدمته فرنسا، والذي يتضمن إنهاء الاحتلال عبر مفاوضات يجري إطلاقها؛ للتشاور حول ذلك خلال مدة أقصاها عام.